dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
الذكاء الاصطناعي وقضية البدون – أحمد السويط

الذكاء الاصطناعي وقضية البدون – أحمد السويط

الذكاء الاصطناعي مصطلح يطلق على خصائص وسلوك برامج حاسوبية مصممة لمحاكاة القدرات الذهنية البشرية على التفاعل مع معلومات جديدة (لم يتم التعرض لها مسبقاً) وتحليلها وفهمها وتعلمها.

حالياً، يثير برنامج الذكاء الاصطناعي الحديث ChatGPT جدلاً كبيراً حول العالم لما يظهره من قدرة على "إجراء المحادثات والرد على الاستفسارات بطريقة طبيعية لغويا"، ولكن ما يميزه حقاً هو قدرته على البحث عن المعلومات واستجلابها وعرضها بسرعة يعجز عن مواكبتها الإنسان.

من باب الفضول وليس الإيمان بتفوق العقل الصناعي على العقل البشري، طرحت على الروبوت ChatGPT ثلاثة أسئلة عن قضية البدون لم يثبت من خلال إجابته عليها أكثر من أنّه ببغاء آلي، ولكن سرعته الفائقة في استجلاب المعلومات (من مصادر مختلفة) وعرضها تجعله أكثر فائدة من الببغاوات البشرية التي لا تردد سوى ما يتوافق مع مصالحها وأهوائها.

كان سؤالي الأول عن "مستجدات قضية البدون في الكويت" والثاني عن "المسؤول عن عدم حل القضية إلى الآن"، أمّا السؤال الثالث فكان عن "جوهر القضية"، وفي كل مرة لم تخل الإجابة مما هو مفيد ومثير للتساؤل على الرغم من سطحية وعدم دقة الادعاءات التي حملتها في طياتها.

إجابته عن السؤال الأول ("ما الجديد في مستجدات قضية البدون في الكويت؟")، تحدّث الروبوت عن إعلان الحكومة عن "حملة تسجيل للبدون في الفترة من مارس إلى يونيو 2021، وذلك بهدف منحهم الجنسية والحقوق المدنية الكاملة" وأن الحكومة قد أكدت "أن هذه الحملة ليست محاولة للتهرب من مسؤولياتها، بل هي جزء من خطتها لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد". ثم ذكر بأن الحملة الحكومية المزعومة "تلقت ... ترحيباً من بعض البدون، الذين أعربوا عن أملهم في أن يحصلوا على الجنسية الكويتية والحقوق المدنية الكاملة. ولكن، انتقد البعض الآخر ]من البدون[ هذه الحملة، مشيرين إلى أنها لن تشمل كل البدون".

تحتوي الإجابة على أفكار مألوفة يسهل تصورها وفهمها وتصديقها، على الرغم من إمكانية زيف الأحداث التي يتم طرح تلك الأفكار من خلالها، مثل إعلان الحكومة "إطلاق حملة تسجيل البدون بهدف منحهم الجنسية والحقوق المدنية الكاملة". قد يكون هذا مؤشراً على أن ChatGPT يقوم بتوظيف ما يمكن تسميته ’القابلية المعرفية‘ (knowability)، وهي نوع من القدرة الكامنة للأشياء على أن تكون معروفة، كإحدى أدواته في صناعة المعرفة.

لا يبدو واضحاً من أين جاء العقل الصناعي بمعلوماته التي لا تعكس واقع التجاهل (الحكومي) الذي تعيشه قضية البدون لا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة. لا يوجد دليل على أن الروبوت ذو "ميول ثمانينية" حتى يمكننا أن نوجه له تهمة ممارسة التضليل المتعمد في قضية تتعلق بمعاناة فئة اجتماعية كاملة، ولكن ألا يجب أن تلفت إجابته انتباهنا إلى استمرار السطحية والضبابية وقصور الفهم العام حول قضية قارب عمرها المئة عام؟ من المسؤول عن (معالجة) هذا القصور الذي لا يمكن لمعالجة حقيقية للقضية أن تتحقق دونه؟ هل الحكومة هي المسؤولة؟ أم البرلمان؟ أم المجتمع المدني؟ أم المتضرر الأول وهو مجتمع البدون؟ هذه التساؤلات تنقلنا إلى إجابة الذكاء الصناعي على سؤالي الثاني.

عندما سألت ChatGPT عن المسؤول عن عدم حل قضية البدون في الكويت، جاء في إجابته ما يلي:

"يمكن أن تتحمل الحكومة الكويتية جزءاً من المسؤولية عن عدم حل قضية البدون، حيث إنها المسؤولة عن تطبيق السياسات والإجراءات اللازمة لحل المشكلة القانونية للبدون، وكذلك عن توفير الخدمات الأساسية لهم. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن حل هذه المشكلة يتطلب جهوداً وتعاوناً من جميع المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على المجتمع الكويتي بأكمله تحمل جزء من المسؤولية في حل قضية البدون، وذلك من خلال دعم التوعية والتعليم والتعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع بمختلف طوائفه وأعراقه".

تحصر هذه الإجابة أسباب عدم حل قضية البدون في محورين أساسين، أولهما عدم تطبيق الحكومة سياسات وإجراءات لازمة لحل مشكلة البدون القانونية، وعدم توفّر خدمات أساسية لهم، أمّا المحور الثاني فهو عدم وجود تعاون بين "المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص" وعدم تحمل المجتمع ككل نصيبه من المسؤولية تجاه حل القضية. هذه الإجابة أثارت فضولي حول معرفة ChatGPT بجوهر قضية البدون، وعندما سألته "ما هي مشكلة البدون؟"

لخّصت إجابة الروبوت جوهر قضية البدون على أنها مشكلة "أشخاص لا يحملون جنسية كويتية أو أي جنسية أخرى، ويعيشون في حالة عدم اعتراف قانوني بهم، وبالتالي يفتقرون للعديد من الحقوق الأساسية"، وعند تفصيله في تاريخ المشكلة قام بإرجاع أسبابها إلى "فترة الاستعمار البريطاني في المنطقة، والذي تسبب في وجود تحركات سكانية بين البلدان المجاورة، وبعض الأشخاص لم يكن لديهم وثائق تثبت هويتهم الأصلية". ولكن الإجابة بمجملها وتفصيلها لا تقدم فهماً لجوهر قضية البدون أكثر من تكرار أنهم "لا يستطيعون الحصول على الجنسية الكويتية، ويعانون من قيود في العمل والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من الحقوق الأساسية". هل مشكلة البدون أنهم لا يستطيعون الحصول على الجنسية وغيرها من الحقوق؟ أم أنهم يواجهون ممارسات ضغط نفسي واجتماعي ممنهجة ومعلنة لا يخلصهم منها سوى خضوعهم لتعديل أوضاعهم بجنسيات أجنبية لا ينتمون لها، أو التهجير عن وطنهم وأهليهم، أو الانتحار؟

يبدو من إجابات ChatGPT أنه يوظف في إنتاجه للمعرفة القدرة الكامنة في الأفكار على أن تكون قابلة للتصور والفهم والتصديق من قبل المتلقي، على الرغم من إمكانية عدم دقة أو حتى زيف الأحداث التي يتم ربط تلك الأفكار بها. على سبيل المثال، فكرة إعلان الحكومة عن "إطلاق حملة تسجيل البدون بهدف منحهم الجنسية والحقوق المدنية الكاملة" لا تبدو غير قابلة للتصور والفهم والتصديق، ولكن هل وقع هذا الأمر فعلاً؟ وما تأثير تداول مثل هذا الأمر إن لم يكن كذلك؟ وإذا كانت المعرفة التي تنتجها وتنشرها نماذج الذكاء الصناعي عن قضية البدون بهذه الدرجة من عدم الدقة (والتأثير) فماذا عن المعرفة التي يتنجها وينشرها الغباء العنصري المهيمن على وسائل الإعلام؟

لم يعجز نموذج ChatGPT عن الحديث عن ظاهر قضية البدون وهي انعدام الجنسية وما يترتب عليها من حرمان من الحقوق الأساسية. ولكن يبدو أن الذكاء الصناعي الخارق بقدراته وسرعته الفائق لم يتمكن حتى الآن من فهم المعضلة الحقيقية في قضية البدون، ألا وهي أن مجتمع البدون محاط بثلاثة خيارات لا رابع لها: إمّا القبول بجنسيات أجنبية لا ينتمون لها، أو الهجرة القسرية، أو الانتحار. إذا كان الحرمان (التعسفي) من الجنسية والحقوق الاساسية يشكل جريمة بحق البدون، فإن حصارهم بين هذه الخيارات الثلاثة هو الجريمة الكبرى. إن التعامل مع قضية البدون من هذا المنظور يضع الجميع أمام مسؤولياتهم لاعتبارها أولولية، بل للتعامل معها كحالة طوارىء تتطلب استنفار الشعب والبرلمان والحكومة لمعالجة هذه الكارثة الإنسانية وإصلاح ما يمكن إصلاحه من آثارها بأسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان. أمّا المسؤولية الكبرى في المبادرة وقيادة الوعي المحلي والعالمي حول قضية البدون من هذا المنظور فتقع على البدون، ثم البدون، ثم البدون.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد