dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
تلفيق الجناسي خارطة طريق أم توهان بوصلة - جاسم محمد الشمري

تلفيق الجناسي خارطة طريق أم توهان بوصلة - جاسم محمد الشمري



لم يواجه البدون طيلة أكثر من نصف قرن من المعاناة ما واجهوه خلال العقد الأخير من انحراف السلطة باتجاه إقصائهم بشكل فج عن الانتماء إلى هذا الوطن ونسبتهم إلى أوطان أخرى.

وفي سبعينيات القرن الماضي راجت بين أوساط الطبقة المرتبطة بالإملاءات السلطوية مقولة أن هؤلاء متسللين مزقوا أوراقهم الثبوتية وجوازاتهم وانخرطوا في البدونية للحصول على الامتيازات الممنوحة للمنتمين لهذه الفئة والمتمثلة حصرا في قبولهم ضمن سلك العسكرية جيشا أو شرطة وقبول أبنائهم في التعليم العام والجامعي إلى حين وإسباغ نصف مواطنة عليهم بعدم مطالبتهم بإقامة مشروعة.

في هذه المرحلة الأولى من بناء الوطن الحديث لم يسأل أحد عن سبب الإبقاء على آلاف الأشخاص دون تحديد هويتهم ولم يسأل أحد عن السبب الذي جعل الحكومة تغلق أبواب لجان التجنيس دون أن تمكن آلافا من التقدم للحصول على حق المواطنة ولم يسأل أحد حينها عن السبب الذي يدفع بالحكومات المتعاقبة في قبول التحاق من لا هوية له بالسلك العسكري دونما خشية من أن يكون لهؤلاء القادرين على حمل السلاح والتعامل معه نوايا لتوجيه سلاحهم إلى الجهة الخطأ.

لا إجابة واضحة إلا أن الثقة بأن هؤلاء البدو مأموني الجانب ولا خوف من تقلب ولائهم. غير أن هذه الثقة أصبحت عقوبة محمومة بحق كل من طالته وبحق أجيالهم المتعاقبة وباتت وبالا على من لم يتمكن من الظفر بصك الجنسية المنقذ له وذريته من الوقوع في براثن الإقصاء والتخوين.

انحراف السلطة خلال العقد الأخير كان باتجاه خلق مراكز قانونية وهمية لآلاف البدون ونسبتهم إلى بلدان محيطة اعتمادا إما على معلومات غير حقيقية أو بربطهم بشجرة لأحد أفراد عائلتهم الذي اختار مغادرة الوطن لاحقا بعدما عجز عن احتمال كم القهر والتسلط عليه أو لتشابه أسماء ولا شيء سوى ذلك.

وهنا كان السؤال المستحق: هل تملك الدولة نسبة أحد إلى جنسية ما خارج حدودها وهل يمكن اعتمادا على ذلك القول إن هذه المعالجة خارطة طريق أم توهان في شمس حارقة؟
في الإطار القانوني لا يمكن للكويت الدولة القبول بنسبة أحد كمواطن لها ما لم يكن يحمل جنسيتها وأذكر أن الصحافة العالمية ذكرت أن أحد المتهمين بتفجيرات برجي التجارة العالمي في نيويورك قبل أكثر من 22 عاما كان كويتيا وهبت الصحافة المحلية حينها مدافعة أن هذا المتهم باكستاني سكن الكويت فترة وليس من مواطنيها.

هذه الصحافة هي ذاتها من ينشر بيانات جهات رسمية تدعي أن بعض البدون هم من مواطني هذه الدولة أو تلك دون سند مثبت إلا أقوال مرسلة لا يقوم دليل عليها، وهنا سألت المحامي الأستاذ خالد الزامل عن الكيفية التي يعرف بها المواطن الكويتي وصولا إلى أن هذه الآلية هي ذاتها المتبعة في الدول الأخرى لإثبات مواطنيهم من خلالها وحتما تكون المعادلة هنا: كما ترفض الكويت ادعاءات الآخرين بانتساب سين إليها فإنهم ولذات العذر يرفضون نسبة الكويت صاد إليهم.

المحامي الزامل أجاب قائلا: قانون الجنسية في كل البلاد يعتبر من أهم القوانين وأبعدها أثرًا، فهو الذي يرسم حدود الوطن، ويميز بين المواطن والأجنبي، والبلد الذي ليس له قانون ينظم جنسية مواطنيه يعوزه مقوم من أهم مقوماته. وقد لجأت بعض البلاد إلى وضع طائفة من النصوص الموضوعية عن الجنسية في دساتيرها كما فعل الدستور الليبي، ولا يخلو دستور من دساتير البلاد المتحضرة من الإشارة إلى الجنسية وإلى القانون الذي ينظمها.

من أجل ذلك كان أمرًا جوهريًا أن يكون على رأس التشريعات التي تصدرها حكومة الكويت قانون الجنسية. وقد سبق أن صدر قانون رقم 2 لسنة 1948 ينظم الجنسية الكويتية، على غرار قانون الجنسية المصري الصادر في سنة 1929. ولكن يبدو أن هذا القانون كان حظه من التطبيق العملي محدودًا، فبقي غير معروف، وبالأخص لم يتم حصر المواطنين الذين يعتبرون كويتيين على مقتضى أحكامه.
 
والقانون الحالي يعرض لتنظيم الجنسية الكويتية تنظيمًا مفصلاً، وقد روعيت فيه الملابسات المحلية، مع التزام المبادئ العامة المعترف بها في قوانين الجنسية في البلاد المتحضرة.
وأضاف قائلا: لما كان هذا القانون يعتبر من الناحية العملية أول تشريع ينظم الجنسية الكويتية، كان من الضروري أن يبدأ بتحديد من هم الكويتيون الذين يؤسسون الوطن الكويتي لأول مرة، وهذه هي جنسية التأسيس.

ومذ تحدد الكويتي بجنسية التأسيس على النحو المتقدم، أصبح من اليسير وضع قاعدة من القواعد الجوهرية في مسائل الجنسية، وهي القاعدة التي تقضي بأن الجنسية تكسب بالدم أي بتسلسل الولد عن أبيه. فقضت المادة الثانية من القانون بأن كل من يولد لأب كويتي – وقد عرف الآن من هو الكويتي – يكون كويتيًا. 

والعبرة هنا بالدم كما سبق القول، لا بالإقليم، وهناك من قوانين الجنسية ما يجعل الميلاد في أرض يكسب المولود جنسية الإقليم الذي ولد فيه، وهذا ما يسمى بجنسية الإقليم ولكن القانون الكويتي لم ينهج هذا النهج. بل سار على جنسية الدم ولم يسِر على جنسية الإقليم إلا في حالة واحدة اضطر إليها، وهذه حالة من ولد في الكويت من أبوين مجهولين. ويغلب أن يكون الولد في هذه الحالة لقيطًا، ما دامت أمه مجهولة. بل إن المشرع واجه حالة اللقيط بالذات، فافترض أن اللقيط في الكويت مولود فيها، ما لم يثبت العكس بأن قام الدليل على أن هذا اللقيط قد جيء به من بلد آخر.
 
وقد فرغ القانون على هذا النحو من جنسية التأسيس، ومن جنسية الدم عن طريق الأب أو الأم، ومن جنسية الإقليم، ولم يبقَ إلا أن يواجه نوعين أخيرين من الجنسية: الجنسية بالتجنس والجنسية بالزواج. 

أما التجنس فقد وضع له القانون قاعدة عامة، ثم أورد استثناء.

وتقضي القاعدة العامة، في المادة الرابعة من القانون، بأنه يجوز منح الجنسية الكويتية للأجنبي إذا توافرت فيه شروط معينة: أولها أن يكون قد بلغ سن الرشد والثاني هو شرط الإقامة في الكويت والشرط الثالث أن يكون للمتجنس سبب مشروع للرزق حتى لا يكون عالة على الناس والشرط الرابع والأخير أن يعرف المتجنس اللغة العربية، حتى يستطيع الاندماج في وطنه الكويتي الجديد. والمطلوب هو معرفة اللغة العربية، لا مجرد الإلمام بها، ولا إجادتها.

هذه هي القاعدة العامة في التجنس، وقد أجاز القانون استثناءً في المادة الخامسة منه أن تمنح الجنسية الكويتية لمن لا تتوافر فيه الشروط المتقدمة الذكر، وخاصةً شرط الإقامة، إذا كان المتجنس عربيًا ينتمي إلى بلد عربي، وكان قد أدى خدمات جليلة للكويت عادت على البلاد بنفع كبير.

هذه الآلية القانونية هي المطبقة في الدول المحيطة إما مطابقة أو بما يقاربها ما يعني أن من المتعذر على عديم الجنسية الذي نشأ في الكويت المقدرة على الانتقال او اكتساب جنسية أخرى لمجرد أن سلطة ما في الكويت ذكرت أنه من هذه الدولة أو تلك.

أبو محمد خمسيني دُوِّن في بطاقة المراجعة التي استخرجها من الجهة المنوط بها أمر البدون أنه سعودي الجنسية تبعا لابن العم. يقول إنه قبل باستخراج هذه البطاقة لأنها السبيل الوحيد لتسيير شؤونه وأسرته كما أنه لا ينكر أن له ابن عم سعودي ولكنه ينكر تماما أن يكون هو أو والده أو حتى عمه والد ابن عمه هذا سعوديين وإنما كانت عائلته بدوا يقيمون ويرتحلون في الصحراء الممتدة من الجهراء باتجاه ما يعرف بشعيب الباطن يصلون شمالا إلى حدود بلدات عراقية للتزود بالمؤن وكسب بعض الدراهم بيعا وشراء ثم يعودون أدراجهم إلى مرابعهم، وحينما بدأت ملامح التوطن ترتسم على محيطهم  اختاروا أن يبنوا لهم عشيشا في مناطق عدة من الكويت التي كانت تتوسع حينها شيئا فشيئا خارج سور المدينة القديمة.

يضيف: في بداية ثمانينات القرن الماضي وبعدما أنهى ابن عمي الثانوية العامة لم يقدر له دخول الجامعة والتحق موظفا مدنيا في إحدى وزارات الدولة لكن وضعه الوظيفي لم يكن مرضيا له فارتحل مع أبناء أخت له إلى السعودية وهناك التحق بقبيلتهم واستخرجوا له التابعية السعودية وحينما سمح لهم في بداية التسعينيات بالعودة إلى انتماءاتهم القبلية الأصلية عاد هو إلى قبيلتنا واحتفظ بجنسيته.

يقول أبو محمد: والده توفي بدونا وجده توفي قبل قانون الجنسية في الكويت وندفع نحن الآن ثمن خياره.

ويتابع: هل تعلم أن لي مولودة بلغت عامها الثاني الآن دون أن أستخرج لها شهادة ميلاد لأنهم يشترطون وضع أني سعودي الجنسية بها وأنا أرفض ذلك فلا وثائق سعودية لدي لأمضي في هذا الاتجاه.

أحد الناشطين في ملف البدون على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يشأ ذكر اسمه، يقول لي: هناك عدة تفاصيل يجهلها كثيرون يجملها بأن البدون في بدايات توطن المجتمعات المحيطة ارتحلت في اتجاهات عدة فمنهم من اختار الكويت ومنهم من ارتحل إلى العراق وآخرون ساروا باتجاه السعودية. ويضيف: أحيانا نجد في العائلة الواحدة مواطنون من هذه الدول الثلاثة إما أخوة أو أبناء عمومة وخلافه. يتابع: في سبعينات القرن الماضي أيضا كان الارتحال متاحا في الاتجاهات الثلاثة وهو أحد الأسباب الحقيقية التي شكلت موقفا مضادا من البدون في تلك الفترة باعتبار أنهم صعاب التوطين ويحنون دوما إلى امتداداتهم خارج حدود الدولة التي استوطنوها.

يقول الناشط: ومن ضمن التداخلات التي نشأت بعد جريمة الغزو مغادرة كثيرين، ما حدا بالمناهضين لتوطين البدون إلى ادعاء أن هؤلاء خرجوا إلى ديارهم الأصلية دون أن يشيروا إلى الأسباب الحقيقية التي حدت بهم إلى ذلك والمتمثلة بانقطاع أسباب الرزق لهم أو عجزهم عن تحمل مزيد من الضغوط المعيشية والأعباء النفسية المترتبة عليهم. وهنا يروي حكاية أبي عبد الله الذي اختار أخوه الأكبر الهجرة إلى العراق لأنه لم يعد يحتمل أن يقال له بدون ويضيف أن أشباه أبي عبد الله كثيرون ومنهم أبو عمر الذي انتقل والده إلى العراق وتركه هنا رغم أن جل عائلتهم وامتدادهم الأسري ينحدر إلى السعودية وتحديدا مدينة حايل دون أن يستطيع تبرير هذه الخطوة التي اتخذها والده والتي ندم عليها فيما بعد وبدا اتصالاته للعودة إلى السعودية إلى أن أنهت وفاته كل تحرك له في هذا الاتجاه.

يستطرد هذا الناشط حديثه بأن حديث الجهات الرسمية وإن كان صحيحا في بعض جوانبه من أن لبعض البدون امتداد أسري خارج الدولة إلا أنه يجانبه الصواب في الارتكان إلى أن هذا الامتداد مؤشر لامتلاك هؤلاء جنسية هذه الدولة أو تلك وذلك لأن في كثير من هذه الحالات يكون الامتداد حديثا أو لاحقا لتوطن الأسر في الدولة وليس سابقا له وبمعنى أنه لو كانت الدولة أنهت توطين هؤلاء البدو الرحل الذين اختاروها موطنا لاستقرارهم في ستينيات القرن الماضي لما كان هناك مجال للتشكيك في انتسابهم إلى هذه الجهة أو تلك.

إذن ما هي المعالجة الحكيمة في هذا الشأن؟ تبادر إلى ذهني هذا السؤال؛ فأجاب هذا الناشط بأن السياسة السعودية نموذج يحتذى في هذا الاتجاه حينما أطلقت على عديمي الجنسية لديهم قبائل نازحة ووكلت على كل قبيلة أحد أعيانها من مواطنيها للتعريف بأبناء قبيلته ثم منحتهم بطاقات تعريف لخمس سنوات بدأت في ثمانينيات القرن الماضي ثم جددت لهم على مدى عشرين عاما لاحقة لمدة خمس سنوات في كل تجديد ثم بدأت بتوطينهم تباعا في مطلع هذا القرن وانتهت قضية آلاف منهم باكتساب المواطنة دون أن يكون ذلك شرخا في جدار الهوية الوطنية كما يرى مناهضو البدون في مجتمعنا.

إذن، خلاصة القول: "إن معالجة الجهات المختصة حاليا لن تصل إلى شيء طالما أنها تعتمد الإقصاء لا الاحتواء"، يقول محدثي.       

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد