dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
حين يكون الوقت دومًا غير مناسب - د. فهد المطيري

حين يكون الوقت دومًا غير مناسب - د. فهد المطيري

أثناء وباء كوفيد-19، قيل إنّ الوقت لم يكن مناسبا للمطالبة بحقوق "البدون"، فالعالم أجمع كان مشغولا بمكافحة الوباء، وكان حريّا بالبدون أنفسهم آنذاك أن يرجئوا المطالبة بحقوقهم ويسارعوا إلى القيام بواجباتهم، وهذا ما حدث بالفعل، وأما ما جرى بعد انقضاء الجائحة من جحود لهم ونكران لتضحياتهم فلم يكن مستغربًا في ظل تاريخ طويل من الجحود والنكران. لم يكن الوقت مناسبا أثناء الجائحة، لكنّه كان أيضا غير مناسب قبل مجيئها، وظلّ غير مناسب بعد زوالها!

في كل مرة يحتدم فيها الصراع داخل مجلس الأمة بين الموالاة ومعارضيهم، يكون الوقت عندها أيضا غير مناسب للحديث عن قضية "البدون" في ظلّ ظروف تحتّم "الدفاع عن الدستور"، ليجد "البدون" أنفسهم مرّات تلو المرّات أمام مطالبات في تأجيل قضيتهم ومنح الأولوية لقضية "الدفاع عن الدستور والديمقراطية"، ولم يكونوا في حاجة إلى مطالبات من هذا النوع، فلطالما وقف ناشطوهم إلى جانب الدستور والذود عنه، ورغم يقينهم بأن الدفاع عن قضيتهم يقع في صميم الدفاع عن قضية الدستور ولا تعارض بينهما، إلّا أنهم لطالما تحلّوا بروح المسؤولية في سبيل المحافظة على وحدة الصف الوطني، رغم يقينهم أيضا أنّ "الصف الوطني" لم ولن يتوحّد أبدًا حول قضية "البدون" لأسباب أبعد ما تكون عن الوطنية والديمقراطية وأقرب ما تكون إلى الرجعية والعنصرية. 

توالت الأحداث ومضت الأيام والأشهر والسنون، وظلّت قضية "البدون" تراوح مكانها دون أن تتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام، والآن، وأثناء العدوان الصهيوني الآثم والوحشي على شعب فلسطين، يسمع "البدون" من جديد مَن يذكّرهم بأنّ الوقت غير مناسب للإشارة إلى قضيتهم، وهذه مفارقة، فالبدون هم أشدّنا معرفة بما يشعر به الإنسان الفلسطيني من سلب للهوية وتمييز عنصري وطول انتظار، وإذا كان حجم المعاناة مختلف في الحالتين، فإنّ ملامح التشابه بينهما أوضح من أن تُخطئها عين.

لكن ليست الأحداث الجسام وحدها التي تقف خلف الوقت غير المناسب لطرح قضية "البدون"، فكل قضية، مهما تكن مادّية، لها الأولوية في مقابل قضية "البدون": القرض الحسن، ومخصصات المتقاعدين، والتمويل العقاري، إلى آخره! لكل قضية وقت مناسب، إلّا قضية "البدون"، فوقتها في المسرّات والمضرّات دومًا غير مناسب! 

حين تقول لمظلوم إنك ستعالج مشكلته بعد معالجة مشكلات أخرى لا تُحصى، فإنك في واقع الأمر تقول له إنك لن تعالج مشكلته أبدا. صحيح أنك ستبدو أقلّ وقاحة، لكنك مع ذلك تردّد الفكرة نفسها. لقد أصبح الإنسان "البدون" أشبه بمن يحترم الطابور في بيئة لا تحترم الطابور؛ لا يصله الدور أبدًا! 

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد