dark_mode
  • الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
أن تكون بدوناً في الكويت -  أحمد السويط

أن تكون بدوناً في الكويت - أحمد السويط

أنا من فئة عديمي الجنسية (البدون) في الكويت، أكتب بانحياز للفئة الاجتماعية التي أنتمي إليها، وأحب أن أوجّه القارئ أن يكون متيقظًا وناقدًا لما ألقيه من ادعاءات.

"أن تكون بدونًا في الكويت أفضل من أن تكون مواطنًا في أي دولة في العالم"

هكذا صرّح رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في سياق حديثه عن قضية عديمي الجنسية (البدون) في الكويت في مقابلة تلفزيونية أثناء حملته لانتخابات مجلس الأمة 2020. تُرى إلى أي حد يعكس هذا التصريح الواقع الذي يعيشه البدون؟ وماذا يخبرنا الواقع الذي يعيشه البدون عمليًا عن موقف مجلس الأمة تجاه قضيتهم؟



قضية البدون إحدى تحديات ملف الهوية الوطنية

جاء تصريح الغانم أثناء حديثه عن مشروع القانون الذي يروّج له كحل نهائي لقضية البدون التي اعتبرها أحد تحديات ملف الهوية الوطنية الثلاثة: "التركيبة السكانية، المزوّرون، والبدون". بدأ الغانم حديثه عن قضية البدون بالإشارة إلى نشأتها وتطورها، مؤكداً أنها تَرِكة سياسية تسببت بها الحكومة الكويتية في سبعينيات القرن الماضي، كما عزا تعليق حل القضية في السابق إلى عدم توافر دعم القيادة السياسية، مبينًا أن هذا الأمر أصبح متوفرًا الآن.


في هذا السياق، استعرض الغانم إحصائيات توضّح أعداد البدون في الكويت بين عامي 1965 و1992، مشيراً إلى تباين الأعداد نزولاً وصعودا كل خمس سنوات. توقف أولاً للحديث عن الفترة ما بين 1965 و1970، وركّز على انخفاض عدد البدون من 51,465 ألف نسمة (حسب إحصائية 1965) إلى 39,461 ألف (حسب إحصائية 1970) - أي بنسبة مقدارها 23.3% - مفسّرًا ذلك بأنه عندما أغلقت لجان التجنيس الكويتية أبوابها عام 1967 فإن الذين كانوا يدّعون بأنهم بدون "فقدوا الأمل" فأخرجوا جنسياتهم الأصلية لأنه لم يعد هناك أي جدوى من أن يكونوا بدونًا. ولكن عندما انتقل للحديث عن إحصائية 1975، توقف عند زيادة عدد البدون إلى  124,085 ألف – أي بنسبة زيادة مقدارها 314.1% وفسرها على أنها قيام كل من "العراقي والسوري والخليجي والإيراني" وغيرهم بالتخلص من جنسياتهم والادعاء بأنهم بدون لما حظيت به هذه الفئة- آنذاك- من مميزات كفرص العمل في الشرطة والجيش أو الالتحاق بجامعة الكويت.

المثير في هذا الجزء من ندوة الغانم ليس فقط الادعاءات المرسلة التي يلقيها على البدون- على أنّهم مواطنو دول أخرى أخفوا جنسياتهم طمعاً في مميزات يحصل عليها من يعيش كبدون في الكويت- بل الجهل بالتاريخ، وعدم الدقة في عرض البيانات الإحصائية، وتقديم تفسيرات قطعية بلا أدلّة وبصورة متناقضة. أولًا، ربما فات الغانم أنه في الوقت الذي نشأت فيه قضية البدون في الكويت كان العراق في أوج نهضته العلمية والاقتصادية وكانت جامعاته- كما هو الحال مع سوريا- وجهة الدارسين من أنحاء الوطن العربي وبالمجان ومن غير تمييز، فبأي دليل افترض الغانم أن آلافًا من مواطني هذه الدول تخلّصوا من جنسياتهم طمعًا بما يحظى به عديمو الجنسية في الكويت من مميزات مثل الالتحاق بجامعة الكويت؟ 

أمّا بالنسبة للإحصائيات، فعند الإشارة إلى تباين أعداد البدون، أغفل الغانم تماماً معدّل النمو الطبيعي للسكّان الذي تراوح في الفترة المعنيّة بين 6% و10.756% حسب إحصائيات البنك الدولي، وبهذا فقد قدّم معلومات مغلوطة لتضخيم نسبة زيادة أعداد البدون. بالإضافة إلى ذلك، فإن التفسيرات التي قدّمها لتباين الأعداد كانت متناقضة تمامًا، فعند الحديث عن انخفاض الأعداد كان يَجْزِم - بلا دليل- بأن السبب هو إظهار من كانوا يدّعون بأنهم "بدون" جنسياتهم الأصلية، في حين عند الحديث عن زيادة الأعداد كان يجزم- أيضاً بلا دليل- بأن السبب هو إخفاء مواطني دول معلومة جنسياتهم وادّعاؤهم بأنهم بدون.



إشكالية تحديد هوية عديمي الجنسية

بغض النظر عن المغالطات والتناقضات وخلط الأوراق، كيف لمن يمثل السلطة التشريعية- التي مهمتها الأساسية مراقبة أداء السلطة التنفيذية- أن يغض النظر عن تخبّط الحكومة وفشلها في توثيق سجلات السكان وضبط حدود الدولة الجغرافية، ويكرّس جهوده لتحميل فئة اجتماعية مهمّشة لا تملك وسيلة للدفاع عن نفسها مسؤولية مشكلة هو نفسه أقرّ في بداية حديثه أن الحكومة هي من تسبب بها؟ كيف له بصفته رئيس مجلس أمة أن يناقض معلومات أثبتها بالأدلة والبراهين رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون، الذي وضّح أمام عشرات القنوات الإعلامية أن الحكومة منذ عام 1965 إلى ما قبل عام 1989 كانت تسجل البدون على أنهم كويتيون لأسباب جيوسياسية؟ كيف للغانم أن يناقض هذا الأمر بينما السجلات الحكومية الرسمية التي تثبت هذه المعلومات موثّقة ومودعة في الأمم المتحدة وفق قرار مجلس الأمن رقم 677 لعام 1990؟ وهل من الحصافة أن يشير سياسي كويتي إلى دول شقيقة وصديقة بأن مواطنيها ألقوا جنسياتهم وادّعوا بأنهم بدون؟ أليس في ذلك إساءة لهذه الدول وتقليل من شأنها؟ 

الواقع من وجهة نظر البدون: بلطجة سياسية

"نحن نتعرض لبلطجة سياسية"؛ هكذا وصف خليفة العنزي واقع الحرمان من الحقوق المدنية والسياسية والملاحقات والتشويه الذي يتعرض له الإنسان من عديمي الجنسية (البدون) إذا عبّر عن رأيه مطالباً بحقوقه. "تخيل أنك تتعرض للهجوم من قبل أجهزة الدولة كاملة والإعلام الرسمي من غير أن يكون لك الحق في الدفاع عن نفسك"، هكذا بدأ العنزي يشرح كيف أنه صُدم مؤخراً عندما رأى بطاقته الشخصية تُعرض في ندوة المرشح مرزوق الغانم لانتخابات مجلس الأمة 2020، وكيف أنه صُعق عندما شاهد كيف يتم اتّهام أبيه المتوفى بأنه عراقي ومتعاون مع الجيش الشعبي، واتّهامه شخصيًّا بأنه مزوّر.



الإشكال الاجتماعي والسياسي

أكد العنزي أن المعلومات التي أدلى بها الغانم في حملته الانتخابية غير صحيحة وأن الاتّهامات التي ألقاها عليه هو وأبيه جزافاً باطلة بالدليل والبرهان. أمّا بالنسبة لتهمتيّ الجنسية العراقية والتزوير اللتين نسبهما الغانم للعنزي ووالده المتوفَّى، فإن العنزي كان قد اعتصم بنفسه أكثر من مرة أمام الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وطالبهم بكشف ما لديهم من معلومات أو تحويله للقضاء إن كانوا صادقين- ولكنهم لم يفعلوا أيًّا من ذلك. أمّا الآن، فقد جدّد العنزي مطالبته عبر منصة التواصل الاجتماعي )تويتر( موجّهًا إيّاها هذه المرة لمرزوق الغانم قائلًا: "مرزوق علي، وضعت بطاقتي في لقائك الركيك وقلت بأني أملك الجنسية العراقية.. وأنا أتحداك أمام الشعب والقانون والإعلام بأن تثبت ذلك وتزودني بصورة من جنسيتي".



وأكّد العنزي- في تفاصيل الواقعة- أن الأوراق التي عرضها مرزوق الغانم على أنها إفادات جهاز أمن الدولة وصفت والده المتوفّى على أنه’عريف‘ في الجيش الكويتي متعاون مع الجيش العراقي وتم طرده، بينما في الواقع فإن والده كان مخلصًا في خدمته للجيش الكويتي وتم تكريمه وترقيته إلى رقيب، وحصل على مستحقاته وفق شهادة براءة ذمة رسمية مصدّقة تحصّل عليها من هيئة الاستخبارات والأمن برئاسة الأركان العامة للجيش بتاريخ 11 نوفمبر 1992. فكيف إذاً لجهاز أمن الدولة واستخبارات الجيش الكويتي أن يمنحوا براءة ذمة لشخصٍ عسكري ’متعاون مع جيش غازي‘؟ ألا يعتبر هذا تسترًا على مجرم وتعريض بأمن الوطن؟ وكيف يتم تسريب معلومات سرّية علناً بدلًا عن استخدامها في النيابة لتحقيق العدالة؟ 



إن كانت الادّعاءات المعلنة صحيحة، لماذا لم يتم مواجهة المتهم قبل وفاته والانتظار لمدة 30 سنة من الواقعة )الافتراضية) ثم استخدامها ضد ولده الذي لا صلة له بالموضوع؟ وما علاقة شخص متّهم أصلًا باستحقاق فئة اجتماعية كاملة لحقوقها الإنسانية؟

وتعليقاً على ما تعرض له الناشط البدون خليفة العنزي، صرّح مدير جمعية حقوق الإنسان السابق، محمد الحميدي، أن ’’انتهاك القوانين وتداخل عمل السلطات ونشر أسماء وكشف مستندات أشخاص يؤكد لنا بأن يوجد أشخاص في الكويت فوق كل القوانين والأمر هنا تعدى مرحلة الفساد إلى الدولة البوليسية.‘‘ 

النهج البرلماني-الحكومي تجاه قضية البدون في الكويت

ما هي الحقيقة؟

لقد تسبب الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية مطلع هذا العام بإحراج دولة الكويت على المستوى الدولي، حيث أحرج الوفد الكويتي الذي ترأسته وزيرة الشؤون مريم العقيل بمعلومات مختلطة كان جليّاً للجمهور في جلسة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عدم وضوح حقيقة قضية البدون  والواقع الذي تعيشه هذه الفئة الاجتماعية منذ عقود من الزمن. وردًّا على ما أدلى به الوفد الكويتي، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات كما وثّقت صحيفة الBBC البريطانية.



ولعل أحد أبرز مواقف السلطة التشريعية الداعمة لممارسات الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية لمسح هوية البدون قسراً- هو موقف النائبة السابقة صفاء الهاشم، التي أكّدت على الهواء مباشرة أنها لا ترى مشكلة بانتهاج الجهاز سياسة إجبار البدون على التوقيع على إقرارات بمعلومات لا يتم السماح لهم برؤيتها مسبقاً.



أمّا الداعم الأكبر حاليًا لممارسات التغريب التي انتهجها الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية ضد عديمي الجنسية (البدون) في الكويت فهم بعض التوجهات النيابية لدعم مقترح قانون يفعل آليات الجهاز المركزي  ويضعها في صيغة قانونية هدفها النهائي تحويل البدون من عديمي جنسية لهم حقوق ومطالب مستحقة وفقًا للقانون الدولي إلى أجانب مخالفين لقانون الإقامة يتم إخضاعهم لإجراءات أمنية تعسفية.



وفي هذا السياق حذّر رئيس مجلس الأمة الأسبق، أحمد السعدون، من مغبّة القانون الذي يروج له مرزوق الغانم، والذي يحمّل البدون وزر التخبط الحكومي لعقود من الزمن. وذكّر السعدون الحكومة بمسؤوليتها التاريخية تجاه قضية البدون، وأنه لا يحق لها مطالبة البدون بتعديل أوضاعهم لأنها هي من صنعت المشكلة واستغلّت هذه الفئة بصفتهم مواطنين لعقود من الزمن قبل أن تحوّلهم إلى مقيمين بصورة غير قانونية. أما بالنسبة للمعلومات التي يصرّح بها الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، فقد وضّح السعدون أنها غير صحيحة، وأنه يتحدّى القائمين على الجهاز بأن يقدّموا أدلة على ادّعاءاتهم. أمّا بالنسبة للقانون الذي يروج له مرزوق الغانم، فوصفه السعدون بأنه "في غاية السوء"، وأنه سيحمّل الدولة تبعات إنسانية وقانونية على المستويين المحلي والدولي.



فصل عنصري

صرّح الخبير والمحلل السياسي عبد الله النفيسي أثناء استضافته في برنامج الصندوق الأسود بداية هذا العام أن أساس تعطيل حل قضية البدون "عنصري" بحت، ولا علاقة له بالجوانب القانونية أو الإدارية، أو بتاريخ أو مدة تواجد البدون في الكويت كما يُشاع. ورغم إلحاح مقدم البرنامج عمار تقي على النفيسي بأن يوضّح حقيقة العنصرية في التعامل مع قضية البدون، رفض الأخير رفضًا باتًا، مبينًا خوفه من عواقب الخوض في تفاصيل هذا الموضوع. المثير في هذا الأمر أن النفيسي- رغم مكانته الاجتماعية على مستوى الكويت والخليج وربما الشرق الأوسط أيضًا، ورغم جرأته في الطرح والنقد السياسي على المستويين المحلي والإقليمي- فقد امتنع نهائيًا عن الخوض في تفاصيل ما أسماه ”النهج العنصري“ الذي يكمن وراء تعطيل حل قضية البدون.



فسّر الكاتب فهد راشد المطيري معاناة البدون من عزلة نفسية واجتماعية بأنه قد تم إقصائهم سياسياً وإفقارهم وبالتالي دفعهم للعيش في كانتونات كتلك التي في تيماء والصليبية. ورغم أن الكثيرين يعتقدون أن الفصل العنصري ضد البدون بدأ بحرمانهم من حق المواطنة التي أتاحته الدولة لغيرهم بدءاً من عام 1961، أو بسياسة التضييق الحكومي التي أقرّتها لجنة وزارية سرّية عام 1986 (ونشرتها صحيفة الطليعة عام 2003)، أو اللجان التي تلتها امتدادًا إلى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية الذي ما زال يمارس عمله منذ عام 2010، فإن دراسة قضية البدون من المنظور الجغرافي والعمراني قد يكشف إهمال الدولة للمناطق التي كان يسكنها مَن تم تحويلهم لاحقاً إلى بدون، فليس من الصدفة أن تخلو مناطق شمال الكويت وشمال غربها من الملامح العمرانية والمرافق الخدماتية لعقود من الزمن – لا بد أن هناك بعدا تاريخيا أعمق لمشكلة البدون.

ملامح الإشكالية الإنسانية

استنادًا إلى دراسات أكاديمية وتقارير حكومية وحقوقية مطّلعة على الوضع الذي يعيشه البدون في الكويت منذ بداية التسعينيات، طرح تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2019 تساؤلًا  جَوْهَرِيًّا عن مصير البدون الذين تم تخفيضهم من سكان الكويت بعد عام 1991 (انظر صفحة رقم 4). وفي حين أن مرزوق الغانم يفسّر انخفاض أعداد البدون على أنهم ’كشفوا جنسياتهم‘ أو ’ذهبوا إلى بلدانهم الأصلية‘، ويروّجه على أنّه إنجاز يحسب للجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، فإن ما يحدث في حقيقة الأمر كارثة إنسانية، ذلك أن أعداد البدون انخفضت وتنخفض بسبب السياسات والممارسات التي تم انتهاجها تجاههم كالتهجير، ومنع المهاجرين ومن فرّوا من الحرب عام 1990 من العودة كغيرهم من المواطنين والمقيمين في الكويت، وفرض أوضاع معيشية بائسة تؤدي بالبدون إلى الانتحار الذي أصبح كما وثّقته بعض وسائل الإعلام العالمية "مأساة مستمرة" للبدون.

ورغم أن انخفاض أعداد البدون يحمل في طياته آلام أسر  ومآسيها بعد أنْ تمّ تفريق أفرادها قسرًا  بعضهم عن بعض بسبب التهجير أو الموت حرقةً وقهرًا أو انتحارًا، فإن كل هذا لم يردع البعض عن المتاجرة بهذه الظاهرة رغم الاعتراف بتشتت الأسر إبان الغزو العراقي.

إن الخطر في الممارسات التي يتعرّض لها عديمو الجنسية (البدون) في الكويت لا يكمن فقط بالتصريحات التي توقع الضرر المادي والمعنوي، وإنما بالسياسات والمنهجيات التي تستهدف البدونَ كفئة اجتماعية كاملة، وآخر محاولات الاستهداف هو طرح بعض مشاريع القوانين التي ترسخ إجراءات وآليات تعقد المشكلة وتطيل من أمدها.



أحمد السويط




بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد