dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
المحاربون القدامى من البدون.. هامش رضا وهوامش حرمان - جاسم محمد الشمري

المحاربون القدامى من البدون.. هامش رضا وهوامش حرمان - جاسم محمد الشمري


·        عسكريون حاربوا خدمة للوطن.. يعيشون الكفاف تحت ظل حلم لم يأت.

·        مئات المقاتلين والسؤال الغصة حاضر: إن لم تكن النفس فأي ثمن بعد؟

تتمايل عقارب الساعة ومعها تتمايل أقدار علقها الوقت عند نقطة الصفر لشيوخ ثمانيين لم يعد لهم أدنى مطمح إلا حياة كريمة يستحقها أبناؤهم بعد عمر من الكفاح في خدمة الدولة كانوا خلاله يحملون أرواحهم على أكفهم مرخصين بها مقابل أن تكون الكويت قبلة فخر وكعبة مجد وعزة.

أولئك هم المحاربون القدامى من البدون الذين يجلسون عند كل عام يمر عليهم في ذكرى السادس من أكتوبر ليسطروا مآثر مشاركة الكويت بهم عسكريين في تلك الحرب العربية التي ظفرت نصرا مستحقا وفاضت خلالها أرواح زملاء لهم إلى بارئها بينما ظلوا هم ينتظرون أن تشملهم نسائم الوفاء ليلتحقوا بركب المواطنة التي يستحقونها وتليق بهم.

عسكري قديم (هكذا عرف عن نفسه خشية التعرض لمضايقات هو في غنى عنها) شيخ في الثمانين من عمره التحق بالجيش في بداية ستينيات القرن الماضي.. ويقول: إنه اختار العمل عسكريا حينها رغبة في خدمة الوطن والدفاع عنه ضد تهديدات الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم.. ويضيف أنه إلى جانب وجوده في الخدمة العسكرية إبان تلك التهديدات فإنه شارك في حربي 67 و73 ضمن صفوف القوات الكويتية المرسلة إلى جبهتي مصر وسوريا كما أنه كان على رأس عمله في مناوشات الحرب الصامتة بين الكويت والعراق وكذلك الحال إبان الغزو العراقي على البلاد إذ كان من ضمن القوات التي تصدت لجحافل المعتدين في العام 1990.

العسكري القديم أكمل في الخدمة الفعلية 32 عاما ويجد أنه علاوة على ميزة التقاعد التي حظي بها فقد أُتيحت له ميزة إضافية للتمتع بسكن حكومي في فترة ما قبل الغزو العراقي إلا أنه فقدها حينما اختار التقاعد ولم يعد كذلك.. ويضيف: كثير ممن أعرفهم من العسكريين البدون فقدوا المكاسب التي كانوا يتمتعون بها من قبل.. يصمت برهة.. يشيح النظر بعيدًا.. يتنهد قائلا: أصدقك القول: لم أستفد من التقاعد شيئا إلا الكفاف وأن يظل اسمي محفورا ضمن كشوف المستحقين للجنسية، ثم يستدرك مجيبا على تساؤل إن كان يتوقع أن يظل بدونا كل هذه الفترة.. بالقول: لا.. أبدا..  ويوضح: دخلت على لجنة الجنسية ٤ مرات ولم يكتب لي الحصول على هذه المواطنة المستحقة.

كونه عسكري سابق لم يمنحه ميزة تفضيلية عند مراجعته للدوائر الحكومية إلا أنه حمد الله قائلا:

لم أجد ما يسيء لي.. ويضيف عن وضع أبنائه بأن حالهم كغيرهم من أبناء البدون.. وأخيرا يختم بأن

الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه حاليا لا يكاد يفي إلا بالاحتياجات الضرورية لأسرته كدفع الإيجارات له وأبنائه المتزوجين ونفقات المعيشة الضرورية لهم وأسرهم.

أبو منصور هو الآخر شيخ في الثمانين من عمره التحق بالجيش في نهاية ستينيات القرن الماضي وخدم فعليا عشرين عاما قبل أن يختار التقاعد قبيل الغزو العراقي بأشهر قليلة.

يقول: إن مشاركتي في الحروب العربية بمصر وسوريا بدأت من عام ١٩٧٠ في حروب الاستنزاف على الجبهتين حيث كنا نبقى هناك فترة ثم نعود إلى البلاد لتذهب قوة أخرى من زملائنا وهكذا استمر الوضع حتى العام ١٩٧٤م. ويضيف إنه تعرض خلال تلك المشاركة لإصابة أثناء تأديته الواجب العسكري على الجبهة وكسرت بعض أضلاعه حينها.

ويقارن أبو منصور بين حياتين عاشهما.. واحدة خلال انخراطه بالعسكرية.. وأخرى بعد تقاعده منها بشكل مختصر مفاده أن العسكري خسر كثيرا من الامتيازات التفضيلية التي كان يتمتع بها إذ لم يكن هناك أدنى فارق في المعاملة بينه وبين من يحمل الجنسية فالكل يقاتل تحت علم واحد ولهدف واحد.. ويضيف ردا على سؤال ما إذا كان قد توقع أن يظل بدونا كل هذا العمر بالقول: أبدا لم نكن نتوقع ذلك قياسا على ما قدمته أنا وزملائي من تضحيات وقتال تحت علم بلادنا... وأخيرا يرى أنه لم يستفد من أي ميزة من كونه محارب قديم سوى الراتب التقاعدي والذي لا يعادل ما يتقاضاه زملائه الحاصلين على الجنسية الكويتية ويختم بأنه حتى المسكن الشعبي الذي صرف له كونه عسكريا سحب منه بعد تقاعده ما شكل عبئا كبيرا عليه إذ يدفع حاليا ما يزيد على ثلاثة أرباع راتبه التقاعدي إيجارا للبيت الذي يسكنه وأسرته.

كل عام تقريبا يصطف آلاف العسكريين الأميركيين ليؤدوا التحية لزملاء لهم فقدوا حياتهم خلال حرب تحرير الكويت في العام 1991 أو أصيبوا فيها وهي مناسبة تشارك بها الكويت ممثلة بدبلوماسييها لاستذكار تلك التضحيات إلا أن استحضار مقارنة تلك المشاركة السنوية مع ما يعانيه العسكري البدون الذي شارك في حروب الكويت قديمها وجديدها من تجاهل أو تهميش لا يسعه إلا أن يعيش حالة ذهول من تناقض موقفين: داخلي لا يرى كبير صنع عسكريي البدون في عملهم ضمن قطاعات الجيش الكويتي المدافع عن الأرض والعرض.. وخارجي يحتفي بالجندي الغربي الذي أرسلته دولته للمشاركة في حرب وحيدة لم يكن مجبرا على خوضها.. تناقض يستحضره المحاربون القدامى وهم يتسامرون في مجالسهم بعدما فقدوا كل ما طمحوا له من قبل حول الدافع الذي يجعل هذا التهميش واقعا لا يفارق خطواتهم الوئيدة على أرض لم يطؤوا غيرها وطنا لهم.      

المحاربون القدامى هم من رفعوا علم الكويت في ساحة الحروب العربية.. ثم انضم إليهم لاحقا أولئك النفر الذين هبوا دفاعا عن وطنهم إبان الاحتلال العراقي فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. بعض من استشهدوا منح أبناؤهم الجنسية.. والآخرون ينتظرون حنوا يطالهم وفي الفم ماء سؤال: هل كان علينا استجداء الموت رحمة بأطفالنا.. وهل سوء طالعهم أننا لم نمت؟

ويظل مئات العسكريين من المحاربين القدامى وخلفهم مئات الأسر وآلاف الأفراد ينتظرون أن تشملهم سحائب الكرم ليكونوا من ثلة المحظيين بنيل مواطنة غيبوا عنها وغيبت عنهم عقودا طويلة... والسؤال الغصة ملخصه:  

إن لم تكن النفس.. فأي ثمن بعد؟؟

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد