dark_mode
  • الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
مراهقات البدون.. على ضفاف حلم.. يكون أو لا يكون - جاسم محمد الشمري

مراهقات البدون.. على ضفاف حلم.. يكون أو لا يكون - جاسم محمد الشمري

السؤال المفضي إلى أفق لا نور له: هل ستحقق ما تطمح له وأنت بدون؟

في سبعينيات القرن الماضي، وتحديدًا مع إطلالة السنة الأخيرة فيه، كان لنا موعد مع ارتحال جديد من عشيش الجهراء إلى عشيش الصيهد، حيث استقر رأي الحكومة على تجميع ما تبقى من البدون الذين لم يشملهم الإسكان الشعبي بعد في صعيد واحد.. ولم يقبل والدي فكرة الخروج من الجهراء فنقل العشيش بناء إلى هناك أما أسرته الصغيرة فقد استقرت في ملحق لقريبة له من المواطنات.. كان في عيني والدي كثير من الغبن لهذا الارتحال المتواصل الذي عاشه صغيرًا وشابًا وكهلًا.. فكان أن وعدته أني وخلال سنوات قليلة سألتحق بالجامعة وأتخرج مهندسًا لأبني له البيت الذي يستحق..

حلم مراهق لم يكتب له أن يكون واقعًا فقد أنهيت الثانوية العامة بنسبة تؤهل لبدء هذا الحلم، ولكن الحكومة الموقرة كان قد استقر رأيها في تلك السنة تحديدًا على أن البدون لا يستحقون التعليم الجامعي والذي كان متاحًا للدفعات التي سبقتنا عمرًا وحظًا بعض الشيء..

جيل الأجداد الذي انقضى مع نهاية السبعينيات دون أن يتحقق له شيء من الاستقرار لحقه جيل الآباء الذي انطفأت شمعته في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من هذه الألفية ثم جيل الأحفاد الذي أمثله والذي اقترب من عقده السابع ولم يحظ باستقرار يمكنه من تحقيق حلمه دفعني إلى سؤال وجهته إلى ابنتي التي تمثل جيل أبناء الأحفاد حول مدى قناعتها بأنها ستتمكن من تحقيق أحلامها بينما هي بدون لا تزال.. وهل ستكون نسخة مكررة من أبيها.. راقتني الفكرة وقلت: ماذا لو سألت رفيقاتك ذات الاستفهام؟ وكانت الإجابات كالتالي:

فاطمة – 17 عامًا: عن نفسي أقول نعم لم لا، طالما أن الأمل بربي كبير والشعب بأغلبه يقف مع هذه القضية أشعر أن أشياء إيجابية ستحدث في المستقبل وهناك بعض من أقاربي بفضل الله استطاعوا تحقيق أحلامهم ومنهم استمديت الأمل وأقول إن شاء الله يتحقق لأنه لا مستحيل.

نظرة إيجابية رسمتها فاطمة لمستقبلها دافعها الإيمان بأن دورة الحياة لا تستمر على وتيرة واحدة..

أما فرح – 17 عامًا فقالت: حالياً وفي ظل هذا الواقع لا أظن أن حلمي سيتحقق لأن من الواضح أن الدولة لا تفكر بتجنيس البدون أو على الأقل من لديهم إحصاء 1965 ولكن نحن لا نعلم الغيب فربما يكتب الله لنا أن نحقق أحلامنا مستقبلًا وأن يجبر خاطرنا، إجابتي لا.. ونعم.. لا لأن الواقع يقول مستحيل فأوضاعنا تسوء مع الأيام.. ونعم إيمانًا بقدرة الله على أن يغير الوضع من حال إلى حال.

هنا فرح تقرأ وضعها بواقعية مطلقة إذ لم يتبق على تخرجها من الثانوية العامة إلا سنة واحدة وسنوات الحكومة حيال البدون عجاف لا تشي بأن هناك ما يمكن أن يتغير خلال هذه السنة.. فاختارت الانكفاء إلى جدار اليأس من أن هناك ما سيمكنها من تحقيق أحلامها.

أما وتين – 16 فقالت: نعم أؤمن أني سأحقق حلمي كامرأة بدون، ولكن بعد أن أبتعد عن الدولة التي طالما كسرت ورفضت أحلامنا وأهدافنا، أي سأهاجر بعيدًا لتحقيق أحلامي وأهدافي، وحتى مع رفض الدولة والمجتمع والعائلة، وحتى مع صعوبة الحياة، سأحقق ما أريد وبالظروف التي أريدها أنا.

شيء من شكيمة لا تعترف بالعقبات وتعتقد أن الإرادة الصلبة هي الأرض المناسبة لتحقيق الحلم أيًا كان.. ربما تسعفها هذه الإرادة، وربما تطرحها على أرض صلدة لا تنبت زرعًا ولا تأوي ضرعًا. 

جوري – 17 أعربت عن إيمانها بأن هناك شيء سيتغير في يوم من الأيام، مضيفة: حينما يتغير سأحقق أحلامي.. لأنه أولًا لا بعيد على الله من شيء، وثانيًا هناك أناس كثيرون يقفون معنا ولم يقصروا ومن الممكن مستقبلًا أن يتغير كل شي ويتبدل حالنا ونصبح كحال أي مواطن يعيش في الدولة يدرس ويتوظف فيها.

رؤية تقوم على أن المستقبل مجهول غير محكوم بعوامل تغيره إلا إرادة الخالق.. وهذه عماد كل أمر دون أن ترتبط إرادة الخالق هنا بظروف ومسببات تبسط لها أرضية أمره الإلهي كن فيكون... ربما لإيمان جوري بحتمية أن استمرار الحال من المحال أو لقناعتها أن ما عاشه أهلوها من قبل ستعيشه هي مرغمة لا محالة.

ألماس – 16 ترى أنها إنسانه إيجابية جداً على جميع جوانب حياتها مع أنها بدون، وتشرح قائلة: لدي أحلام كثيرة أتمنى تحقيقها مع أني بدون، وجميع حقوقي مسلوبة من يدي، بعض الأوقات أفكر أن لكل شيء حلاً، ولكن في قضية البدون يئست ووجدت أن أنسب حل الخروج من هذا المكان، ولهذا أسأل: لماذا لا أخرج من الأرض أو البلد التي لا تقدم لي حقوقي؟ أنا سأهاجر وأكمل دراستي وأحقق أحلامي وأهدافي بعيداً عن جميع من رفضوا حريتي ومستقبلي الذي سيدمر كالبقية إن بقيت هنا.

إذن الهجرة هي الحل لتحقيق أحلام ألماس التي سيندثر كل ما تفكر فيه إن لم تستطع الخروج من هذه الشرنقة المغلقة.

وأخيرا تصر فوز – 16 على أنها ستحقق حلمها إن كانت تريده حقًا وتؤكد: ما دمت أردته سيكون، حتى لو فعلت المستحيل، وإذا كنت قد وضعت طموحًا لي فإني سأصله، إرادة صلبة كما حلمها.. غير أنها تعود إلى أرض الواقع سريعا لتستدرك بالقول: إن بقيت الدولة على ما هي عليه تفرّق بين البدون والكويتي فإن لا مجال لأن أحقق أحلامي، ولكن، وهنا تتمسك ببعض أمل، كل شي بيد الله وما كتبه الله سيكون.

واقع يفرض معادلة أن الحلم غير متاح لمن لا يملك أدواته وأهمها.. أرض يبني عليها وسماء تظلل طموحه... ونفوس قادرة على رسم الابتسامة على وجوه أجيال عانقها اليأس فصارت تأمل إما بموت يفضي إلى راحة دنيا.. أو هجرة لن تكون أسوأ مما تعيشه فعلًا.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد