dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
نحن نساء البدون .. أعرِفُنَا - هديل

نحن نساء البدون .. أعرِفُنَا - هديل

‏نحن نساء البدون، أعرِفُنَا، أعرِفُنَا في اتفاقنا، في اختلافنا، أعرِفُ أن خلف كل ابتسامةٍ جموعا من الدموع، وأعرف كم تخبئ إحدانا من متاعب وأوجاع!

‏أعرف أننا نعاني منذ الولادة، كُتب علينا الموت، نعاني مرة لأننا نساء في مجتمع يضطهد المرأة ويراها نصف إنسان، لذلك فهي تستحق نصف حقوق، ونعاني مئة مرة من يُتم الوطن!

‏أيتامٌ نحن كما قال خالد تركي: "لأول مرة أعدت التفكير بأني عانيت يتمين، يتم الأم ويتم الوطن، كنت أحب أمي من وراء الحجب لأني لا أذكر إلا طيفًا يسيرًا منها، وأحب وطني دون أن أنتمي إليه يومًا، كنت أحب ولكن من وراء حجب، وما أقسى الحب البعيد المنال يا الله".

‏وكذلك أنا يا خالد قد عانيت اليتمين، مرة لأني نصف إنسان على وصف المجتمع، وأخرى لأني عديمة وطن!

‏ومرة أخرى نعاني نحن النساء بشدة؛ لأن علينا أن نبصق على قلوبنا مئة مرة ونختار أفضل مستقبل لأطفالنا حتى لو كان على حساب قتل قلوبنا، فقلب المرأة البدون لا يملك رفاهية الاختيار، وأمامها حواجز عدة: العادات.. المجتمع.. الوطن... وغيرها. 

‏أعرف ما تحمله كل امرأة بدون تدعي الصلابة وهي ترمي خلف ظهرها أحلامًا وتدهس كل حلم بكلتي قدميها، امرأة تتخلى عن طموحها من أجل أن يكمل أخوها تعليمه، امرأة محرومة من الزواج وتكوين عائلة لأن بطاقتها غير صالحة للحياة.. أعرف نظرتها التي تحمل خلفها المتاعب والكوارث..

‏امرأة "لا تملك بطاقة".. إذا أرادت الزواج، فعليها أن تلجأ لطريقة تخدش كرامتها وشرفها، عليها أن ترفع شكوى من أجل أن "تتزوج" وحتى إن تزوجت بعد هذا أي فرح سيداهم قلبها؟ 

‏وأي سذاجة هذه بزواج مغلف بالمعاناة؟! وإنجاب عديمي وطن من جديد!

‏أعرف أن عليها الدعس على قلبها من أجل "أطفالها" كما دعست على أحلامها من قبل لأجل أخيها فلا يحق لها أن تحلم، إنما خُلقت للكفاح فقط.. 

‏أعرف مقدار اليأس في عين صديقتي التي تركت المدرسة بلا عودة لأن "أباها" يخاف عليها من شدة الدراسة بأن تصاب بلعنة "الإدراك"...

‏أعرف نظرات المجتمع لكل امرأة تحمل في بطاقتها "مقيمة بصورة غير قانونية"، وأعرف الاحتقار في عيون البعض وأعرف نظرات الشفقة مرة ونظرات العنصرية مرة أخرى ونظرة الاستغلال في أعينهم ألف مرة!

‏وأعرف النظرات التي تحمل خلفها الشفقة التي تكسر كل امرأة، أي قلب يتحمل نظرات الشفقة تلك.. لا يدركون أن قضيتنا سياسية ليست إنسانية..

‏الآن تيقنت والتمست العذر لموقف والد صديقتي حين كان يخاف عليها من لعنة الإدراك ...

‏أعرف كم أمنية تحمل كل امرأة في قلبها، فاطمة التي تحلم بالطب، ثم سافر أخوها بدلًا منها لأن الأسرة بالكاد تستطيع أن تتحمل مصاريف تعليم (عبد الله) الذي سيعيل الأسرة في المستقبل!

‏أما فاطمة فيمكنها أن تعمل في الحضانات التي تستقبلها براتب ١٢٠ ديناراً!

‏أعرف (نادية) التي أجبرت على إكمال تعليمها "بالتجاري" رغم أن نسبتها ٩٠٪ لكن مصيرها قبول الأقل وإن اجتهدت لأنها عديمة وطن، والوطن يمُنُّ عليها بهذا المقعد!

‏أعرف (هدية) صاحبة الصوت العالي التي لا تكف عن المطالبة بحقوق النساء، ثم يوبخها الوطن لا المجتمع ويجبرها على الجلوس بالمنزل بدلًا من إكمال التعليم لأن بطاقتها غير صالحة للحياة!

‏أعرف (أمل) التي تمسكت بالأمل وهي غارقة بالألم أكثر من ثمان سنوات في انتظار الوظيفة

‏أعرف (شهد) التي قتلها والدها بالحياة لأنها جميلة! والجمال مع الفقر والجهل يجلب العار..

‏أعرف (نورا) التي أصدرت كتابًا وهي بنت ثمانية عشر ربيعًا، وما زال صوتها غير مسموع وتغص بالبكاء كل ليلة.. 

‏أعرف (سكينة) التي يخلو قلبها من السكينة لأنها يتيمة وطن!

‏أعرف (ضحى) التي ذرفت الدموع حتى خدشت عينيها لأن الجامعات أغلقت أبوابها بوجهها، لأنها تحارب من أجل حق إنساني ...

‏أعرف (أبرار) البارعة في اللغة العربية، أبرار العبقرية بالشعر كيف يُهضم حقها في الكويت، رغم فطنتها وذكائها وتفوقها!

‏أعرف (أريج) التي فضلت الهجرة بحثًا عن الكرامة ...

‏أعرف (ريم) التي تفكر بالموت دومًا لأن الحياة تموت أمامها.. 

‏أعرف قلب (بشاير) الذي يصرخ خوفًا على مستقبلها ومستقبل طفلتها لأنها يتيمة الأب، وهذا يجعل مصير ابنتها كمصيرها تمامًا (يتيمة أب ووطن)! 

‏أعرف (هدى) التي تطلقت من عشيقها رغمًا عنه لأنها "بدون" ولا تنفعهم بشيء!

‏أعرف (أحلام) التي تستجمع راتبها ثمان سنوات حتى تستطيع مواكبة تعليمها!

‏أعرف (شاهه) التي تعمل والدتها بكل مكان حتى توفر لهم حياة كريمة حينما تخلى عنهم أبوهم ولا وطن ينصرهم!

‏أعرف (روان) الطفلة التي لا تكف عن البكاء لأن آثار قضية البدون تكسر قلبها! 

‏أعرف (ملاك) التي تحلم بأن تكون معلمة كيف تجتهد ثمان ساعات بالحضانة بكل طاقتها براتب لا يتجاوز الـ ١٥٠ دينار

‏أعرف (شفاء) التي هاجر عشيقها لأن الوطن يخدش روحه، أعرف أن لا شفاءً يعبر قلبها منذ تلك اللحظة، وكيف تنتظر على كل أبواب المطار ربما يعود!

‏أعرف (نور) التي غادر حياتها النور لأنها حاصلة على "ماجستير صيدلة" ولا تزال غير قادرة على الحصول على وظيفة، أعرف أن قلبها يبكي ولا دواء هنا!

‏أعرف (شوق) التي أكل قلبها الشوق منذ أن سافرت أمها الوافدة بعيدًا وهي لا تستطيع السفر إليها لأنها لا تملك جوازًا!

‏أعرف (بتول) التي حتى فرشاة الرسم تسقط من يديها في هذا الوطن لأن أحلامها غير قابلة للتحقيق..

‏وأنت ماذا تعرف عن نساء البدون؟..

‏هل تساءلت يومًا ما هي تضحيات هذه المرأة المعنفة من المجتمع؟ ومن الحياة؟ ومن الوطن؟ 

‏المعنفة حتى من الأحلام والطموح؟

‏هذه المرأة التي لا تراها المنظمات ولا ينظر لها النسويات، ويهمشها الرجال!

‏هل حاولت أن تنزل من برجك العالي وترى بعينيك كيف يدمر جرح الهوية حياة هذه المرأة المجاهدة رغم كل جهادها!

 

‏أنت الذي تدعي أن المرأة البدون تفضل الزواج من الرجل الكويتي لأنها "طماعة"!

‏هل فكرت يوماً ماذا يعني أن يخلق إنسان آخر بدون؟!

‏وكيف لأم خلقت ذات المعاناة لطفلها؟

‏كيف لأم أن تورث أطفالها كل هذه الحسرات؟

‏كيف يمكنها التحمل وهي لا ذنب لها فيما أورثتهم، كيف تحمل داخل رحمها وجعًا!

‏وماذا عن بعض الرجال الذين يحاولون استغلال حاجة هذه المرأة؟ لا يستوعبون أن المرأة البدون أقوى مما تسول لهم أنفسهم، وأقوى من المجتمع والوطن والرجال وكل التراكمات التي خلقت منها امرأة لا تُكسر ولا تخضع وكل ألم تدعسه برجلها، لا أحد منكم يعلم كيف تتشكل الأوجاع بقلب المرأة البدون حتى تتحول إلى قوة..

 

‏هذه الأحلام تخنق المرأة البدون، وتلتف على رقبتها مثل حبل يحاول شنقها ... 

‏والطموح يسرق عمرها، وكل شيء مثير للبكاء في حياتها..

‏ إن المرأة البدون تلتهمها كل الأطراف ...

‏والأبواب تغلق عليها من كل جانب..

‏أعرف حيرتهن ووجعهن وخوفهن ...

‏أنا هديل وأعرف النساء البدون كما أَعْرِفُنِي!

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد