dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
البشر والحجر شهود - جيفاركوف

البشر والحجر شهود - جيفاركوف


البشر والحجر شهود على معاناة "البدون".
في أحد الليالي شديدة العتمة مر علي صديقي عزيز، الذي لم أره منذ شهرين تقريبا وكان هذه المرة ليس هو ذاك الصديق ذا الملامح الهادئة والطباع الساكنة. بل لم أعرفه هذه المرة وكأني ألتقي به لأول مرة! كان شاحب الوجه وقد تمكنت التجاعيد من وجناته التي كانت نضرة منذ وقت ليس ببعيد.
بعد الترحيب به والسؤال عن أحواله قال لي: أريد أن أخرج إلى التنزه.  خذني إلى أي مكان فإني أحتاج إلى نسمات هواء تخرج ما فيني من حديث يعج بالنفس.
ونحن في طريقنا وإذا بصوت بكاء أشبه إلى نحيب عجوز بلغت من العمر عتيا تبكي ولدها. ركنت السيارة، وقلت له: شنو فيك عزيز؟ ليش تبچي عسى ماشر؟ 
لم يرد، فنهرته قليلا وأعدت عليه السؤال؟ وهنا أجاب: أنا ميت، لا أريد هذه الحياة، لا أريد هذه المأساة، لا أريد أن أموت إلا مرة واحدة! أُقلت من عملي الذي أحصل فيه على راتب قدره 230 دينار، وأُقيل معي اثنان من زملائي لا يزيدون عني حظًا، بسبب بطاقاتنا المنتهية! وأنت تعلم أن هذه الوظيفة، على قلة راتبها، حياة لي ولإخوتي! كنت في كل مرة أحصل فيها على راتبي أذهب للجمعية وأقضي أقل الحاجيات. فماذا الآن؟ وكيف أخبرهم أني أُقلت؟
لم أعد قادرًا على التحمل! طفح الكيل. يشهد الحجر والشجر على معاناتنا ولا حلول لقضيتنا حتى الآن للأسف. لا بصيص أمل لأي حلول. نمنّي أنفسنا أن غدًا تُحل القضية، ولكن للأسف منذ سنين نسمع نفس الوعود ولا تقدّم.
رغم السرد القليل منه في شرح معاناته إلا أنني وقفت عاجزا عن الرد عليه أو التفوه بأي كلمة وكأنني أمام أديب يكتب رواية موته.
البشر والشجر والحجر شهود على معاناة "عزيز"، وكم هم كثر أشباه عزيز في مجتمع البدون؟!
وعليه أسأل: هل نحن في مكانة تتيح لنا بأن نقول عن أنفسنا بأننا نملك (السمو الإنساني)؟

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد