dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
ربع مليون ما بين الهوية والهاوية — شرشآب

ربع مليون ما بين الهوية والهاوية — شرشآب



«الهاوية».
كانت الهاوية في إنشاء جيل معدم ومهمش وسط المجتمع، بتضييق الجهاز بحيث لا يمارس حياته كإنسان طبيعي ولا ينسجم مع المجتمع ليستسهل عزله فيما بعد.
 
ماذا تتوقع من جيل أكلت الغربة صدورهم بينما هم في وطنهم؟ 

الهاوية أن يتم عزلهم منذ الصغر حتى الكبر، أن يعيش المجتمع البدوني على فكرة واحدة في هذه الحياة: أنك خلقت لتثبت تواجدك ومجيئك لهذه الحياة بـ "ورقة" وعندما تموت يكمل الأحياء تلك المسيرة عنك ويحاولون إثبات خروجك من هذه الحياة بـ "ورقة" أخرى وليجاهد المجتمع كله ويقضي حياته في سبيل ورقة تثبت وورقة أخرى تنفي. 

تعريف أن تكون بدونًا يعني أن تبدأ يومك وتنهيه (راكضًا) في الصباح مندوب تهرول بين المناطق في كل حدب، ومن الظهيرة حتى المساء واقفًا متسمراً كأنك جذعٍ أكلته الأرضة على بسطتك تنتظر من يأتي ويشتري منك حتى تتصلب عظامك ويأتيك موظف البلدية وتفر راكضًا هارباً. وفي الليل تذهب للنوم لتهرب من ذلك كله، ولكن أول ما تغفو عيناك سوف تحلم أن كل ذلك يلاحقك وأنت تهرب منه راكضًا خائفاً حتى تسقط من أعلى قمة جبل وتصحو مرعوباً. 

الهاوية أن تكون تكاليف دراستك بالنسبة لأبويك بمثابة جهاد، وأن تكون دراستك الجامعية عبارة عن حلم، وأن مسألة حصولك على عمل شيء أقرب للخيال، لأن بكل بساطة زواجك، ودراستك، ووظيفتك، وسفرك، وحتى الحج لبيت الله الحرام ومعيشتك بأكملها كل ذلك مقروناً ببطاقة يدون بها جنسية أنت لا تمتلكها، وفضلاً على ذلك لا تعد هذه البطاقة إثباتاً رسمياً لحاملها! 

بينما تسعى الدول الأخرى لتنمية الأفراد وتحاول العمل لبناء أجيال قادمة تقود المجتمع بالعمل، والإنتاج، والفكر، نرى هنا أن حصارك وابتزازك يُرى من منظور جيد للجهاز المركزي ويراه حلاً ناجحاً ورؤية صحيحة تسير بالاتجاه الصحيح وتتسق خلف خطى «منصور بن عكرمة» الذي كتب صحيفة لحصار المسلمين وكان فيها المنع من أن لا يزوجوهم، وألا يتزوجون منهم، وألا يبيعون لهم، وألا يشترون منهم، وأن لا يجالسوهم أو يخالطوهم، فما أشبه اليوم بالبارحة!

ماذا عساك أن تتوقع بعد كل ذلك من مجتمع يسخرون منه يومياً بسبب عجزه الذي لم يكن هو يوماً سبباً فيه؟ مما لا شك فيه أنهم بهذه السياسية قد صنعوا مئات الحالات النفسية التي ليس لها تصنيف في الوجود مما تبعها مئات من حالات الانتحار والاحتجاجات والاستنكار لما يحصل.

وبما أن الحديث كثر الآن عن أوبئة في القادم من الأيام فلا بد أن نضرب مثالاً بذلك ونستذكر أزمة كورونا عندما شلَّت الحياة بأكملها وأصبح الفرد البدون دون وظيفة، ودون مصدر رزق، ودون مأكلٍ ومشرب، وإيجارات متراكمة، وبين كل هذه المآسي لم يكترث به أحد وكل ذلك حصل دون أي اهتمام لأبسط احتياجاتهم. فلك أن تضع نفسك في هذا الموقف وتتخيل أن في وسط كل ذلك يتم الحجز على أموالك في البنوك بحجة انتهاء البطاقة ولا تستطيع تجديدها لوجود قيد أمني قد وضع عليك بمزاجية، والتفت وانظر لوجه طفلتك «كيف لو جاعت؟» وأنت في كل هذا العجز ووسط قيود كورونا هل تسرق؟ هل سوف تخرج عن كل حدود المنطق؟ أن تكون الإجابة بدافع الأبوة فالأصح أن تكون نعم، سوف تسرق، سوف يدفعك الجنون لأمور غير عقلانية، سوف يكون للشيطان مئات المداخل عليك، ولكن بعد ذلك لا تلومن إلا نفسك فتكون أنت المتهم وأنت المسؤول، ومن أوصلك لهذا الحال بريء، هذا نتاج السياسة المتبعة منذ ٢٠١٠ حتى ٢٠٢٣ وللآن وحتى الغد نعاني من هذا الفشل الحكومي المتأصل.

فلا يعي هؤلاء أصحاب تلك الرؤية الفاشلة أن الله قد خلق الإنسان وكفل له هذه البديهيات الحياتية، وإن لم يجدها أو لم يستطع الحصول عليها قد ينكسر ويتحطم به شعور العزة والكرامة، وبعد ذلك سوف يستعصي عليك إصلاح كل ذلك وترميمه.

وحتى أن عقول هؤلاء الذين هم ضد المجتمع البدوني أبسط من أن يستوعبوا أن هذا الوطن قد قام على الهجرات من شتى بقاع الأرض وأننا عبارة عن بدو رحل قد استقرينا واستوطنا هذه الأرض ويجب التعامل معنا حصراً لتاريخ تواجدنا مقروناً بقانون الجنسية ونصوص الدستور لهذه الأرض، وأننا جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الذي تخضب ترابه بدماء أجدادنا وكانت المعارك السابقة خير شاهدٍ لذلك.

«الهوية».
وكانت «الهوية» هاجساً يؤرق اليمين العنصري متناسين سلسلة من الإخلاص للأجيال المتعاقبة من المجتمع البدوني، ولم تشفع خدمة أجدادنا وتضحياتهم لاكتساب حق المواطنة وحتى أنّ تواجدنا الذي سبق الإحصاء الذي يجب العمل به ١٩٦٥ لم يكن شفيعاً لنا، فما الذي يشفع؟ وكيف تكون المواطنة؟

وكيف يبقى الفرد البدون معتلاً على السرير لا يعيش إلا بوخز الإبر ومغذيات الحلول الوهمية ومخدر الصبر، دون قرارٍ حازم ونهائي ينهي هذا الهراء كله، فإن كان قرار الجنسية سيادياً ويوجد ولو مزور واحد يعطل هذا الحل لماذا لا يتم تحويله للقضاء ومواجهته بتزويره ومحاسبته؟ 
وكيف لا يستطيع الفرد البدون أن يقاضي المتسبب في تأخير حل قضيته بحججٍ واهية؟ 

كمية التساؤلات التي تفصل الجدل في هذا النقاش كثيرة، وتقطع الطريق على من ينادي بعبارة «يوجد مستحقين ويوجد مزورين لا يستحقون». إن من يدفع ثمن هذا الفشل الحكومي هم المجتمع البدوني بأكمله، أن تعيش في أزمات نفسية تجعل منك شخص غير سوي، ولا تشبه الذين من حولك، وأن خصمك لا يتعامل معك بإنسانية مطلقاً.

وأخيراً ليس آخَراً، فالجميع منكم قد ساهم ببناء هذه القاعدة الظاهرة كحلول متبعة من الجهاز وباطنها مقْصلة إعدام مدني يقف عندها ربع مليون من البدون طوابير ليلقى كُل منهم حتفه واحداً تلو الآخر، وكانت المساهمة إما بالقبول بما يحصل، أو القبول بذلك التسويف الحاصل، أو عدم الاكتراث، أو بالرفض الصامت، متناسين قول العلماء أن "الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس" وبمرور الأيام، تحتضر أحلام المجتمع البدوني، وتنطوي الآمال، وتنتهي الأجيال، ويذوب لقب الإنسانية المزيف وتظهر حقيقة ظلم المجتمع البدوني شيئاً فشيئاً، حتى نفذ صبر الفرد البدون وكان السبيل الوحيد لإنهاء هذا الهراء أن يرمي بنفسه للتهلكة إما مشنوقاً أو مدهوساً، ويتكئ ذاك المسؤول ليقول جملته الشهيرة «أن تكون بدوناً في الكويت أفضل من أن تكون مواطناً في أي دولة بالعالم»، وليتناقص تعداد المجتمع البدوني وهميًا ويعرضونه كإنجاز، ولكن دائمًا الحقيقة واضحة وهي أن عدد المجتمع البدوني في ازدياد والمواطنة الحقيقية قد أثبتها المجتمع بأكمله دون الحاجة لأي أدلة وبراهين لأننا وبكل بساطة قد تجاوزنا مرحلة الإثبات ومن أراد الحقيقة فواجب عليه أن يبحث عنها.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد