dark_mode
  • الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
عبد الكريم..

عبد الكريم.. "من بين الناس تشبهني" - هديل الشمري

حالة استثنائية في الكويت، صوتٌ لا يشبه إلا حالة اليُتم، لم يكن مطربًا فقط… كان بيت التائهين، وطن المغتربين، ملجأ الخائفين، أقول يفارق الكويت لأول مرة… كان صامدًا مقاومًا حتى في الغزو العراقي، شكل صورة مختلفة للمقاومة… المقاومة بالحب… حب الوطن، وما إن تحررت الكويت فجّر العيون حين قال:

"غصب عن الآلام ترجع وطن من جديد".


أقولها بدموع، وأنا التي لا أعرف كيف يكون شكل الوطن، وكيف ينام الإنسان مطمئنًا، عبد الكريم يشكل لي صورة الوطن الذي أنام على حنجرته كلما صارت الأصوات في بلادي تخنقني، وأنا الغريبة دومًا… أسمعه يقول:

"غريـب شايل جروحي والحكي وياي.. غريـب داير وروحي هدّها ممشاي.. أمشي وقلبي حزن أمشي".

فأبكي لأني لا أعرف إلا الغربة، ولا أجد مواساة أكثر من صوته، يطبطب على غربتي كمن يزيح التراب من صدر لاجئ، يفعلها صوته وحده، عبد الكريم ذاكرة كل تفاصيلها دافئة، ذاكرة لا تحمل إلا الحب، بل حتى جراحها حب!

عبد الكريم ضحكة والدي وطفولتي، أنا وأخوتي كلما نظرنا له وجدنا في وجهه شيئًا من صورة والدي وروحه، يظهر عبد الكريم بالتلفاز، فيتدافع إخوتي:

"نادوا أبوي بسرعة… عبد الكريم يغني".

فينسى جميع من في المنزل حبه لعبد الكريم ويستمتع بحالة الطيران التي يعيشها والدي.. يحلق كالطفل مع صوته. يعيش في عالم آخر كلما كان الصوت الجريح حاضرًا، يصبح رجلاً آخر… ينظر لأمي فيقول: "من بين كل الناس حبيتك" بضحكة ممتلئة بالشوق والحب… ولا تحضر هذه الضحكة سوى بصوته، تعلمنا حبه من والدي، كلنا نحبه. أصغرنا يحبه، والدتي تحبه من حب والدي، نقش حبه في أفئدتنا، حتى صار عبد الكريم صلة رحم في العائلة، فيولد الطفل في بيتنا وفي شهادة ميلاده عاشق لصوت عبد الكريم عبد القادر، لقد ورثنا حبه وحب من يحبه، ذكرياتنا كل صباح بالمدرسة… أول صوت نسمعه… يدندن والدي ونحن معه كل صباح.. كنت لا أعرف لماذا يحبه حبًا مرعبًا وكبيرًا إلى هذا القدر، حتى كبرت وعرفت أنه صوت ملاذ الغرباء.

لا أخفي عن القارئ ربما أحد أسباب انتمائي لعبد الكريم، أنه عاش أكثر من نصف عمره بدون جنسية، عشق الكويت وهو دون جنسية، لذلك أجده يشبهني.

"من بين كل الناس… تشبهني".

الوجع في صوته متماهٍ جدًا مع الغربة والضياع، فكلما كنت في حالة من الوحدة مع صوته أردد:

 "يعرف وأعرف مدى بشاعة الغربة، أيحمل صوته لعنات البدون.. بكاءهم!"

أقول وداعية يا آخر ليلة تجمعنا وأنا التي لا تعرف كيف تودعك يا صوت وطني… أقول أي وداع يا كريم وصوتك ومشاعرك حاضرة في كل وقت. صوتك لا يعرف الوداع وروحك تبقى خالدة يا بو خالد، والآن اتنهد وأقول: "الله أكبر… حاولت أضحي بكل شي الفراق ما ودي يصير… أنا بعدك عمر مفقود… ارجع أنا مشتاقلك محتاجلك يمي تكون، لأن الدنيا من غيرك لا طعم فيها ولا لون".

وأختنق بندائه حين يقول: "وينك… وينك… آه لو مرة أشوفك"، فأصرخ وأنا أكتب: وينك يا عبد الكريم؟ ومنهو غيرك يهونها وتهون؟

تلقيت خبر رحيل وطن النهار الساعة ١٠ مساءً في يوم ٢٠٢٣/٥/١٢ عن عمر يناهز الـ ٨١ عامًا… كان الخبر قاسيًا ومرعبًا ولم أتجاوزه حتى الآن… ولا تعزيه الكلمات.

يستحق عبد الكريم إقامة حفلة عزاء لروحه وبكاء ليالي كثيرة لا أن يتعامل مع موته هكذا… عظم الله أجر الكويت… رحمة واسعة وجنة عرضها السموات والأرض، وداعًا يا وطن النهار.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد