dark_mode
  • الثلاثاء ٢٣ / أبريل / ٢٠٢٤
نص غير مكتمل - هديل

نص غير مكتمل - هديل


في قلوبنا ندبة منذ الولادة..

‏هذا ما قالته أمي حين سألتها وأنا طفلة لماذا تبكين؟

‏قالت: "نحن البدون في قلوبنا ندبة منذ الولادة، لا تفارقنا، وليس لها علاج".

‏كلماتها كانت قاسية على قلبي ولم أفهم ما قالت ولم أفهم حتى كلمة بدون، كل ما فعلته أنني مسحت على كتفها وقبلتها ومضيت..

‏من هم البدون؟ وما هي تلك الندبة؟

‏ظلت هذه الكلمة في رأسي مشفرة حتى أكملت عامي الثالث عشر، حين قالت المعلمة: "على الطالبات الكويتيات الراغبات في الاشتراك في المسرح الكويتي تسجيل أسمائهن"

‏ابتسمت، وذهبت بحماس كي أسجل اسمي، صُعقت من الصدمة حين قالت المعلمة:

‏"عزيزتي فاطمة أعتذر منك ِأنتِ لستِ كويتية، أنتِ بدون"

‏ضحكت ببلاهة من يحاول استجماع نفسه وكأن شيئاً سقط منه..

‏ضحكت بحماقة من يحاول تفادي صدمته..

‏ضحكت حتى شعرت بالكلمات مبتلة داخل ريقي..

‏ثم بقوة قلت لمعلمتي: "شكرًا لأنك ساعدتني في العثور على ضالتي بعد سنوات"

‏هذا ما قلته لنفسي وللمعلمة حتى أتجاوز الموقف..

‏وكمن يحاول المسح على قلبك..

‏قالت معلمتي: "لا بأس، فاطمة، مسرح المدرسة يرحب بكِ وأنتِ مميزة"

‏رددت هكذا بلا توقف:

هذا ما كانت تحاول شرحه لي والدتي..

‏هذا ما كانت تحاول شرحه لي والدتي..

‏هذا ما كانت تحاول شرحه لي والدتي..

‏وكمن يجمع خيباته على قلبه، ابتسمت ومضيت..

‏لم أكن أعلم ما هي الندبة وكيف شكلها..

‏شعرت بها أول مرة حين قالت معلمتي مسرح المدرسة يرحب بكِ؟

‏وددت أن أسألها بسؤال الطفلة التي هدم بيت طفولتها أمام عينيها..

‏وماذا عن مسرح الكويت؟

‏وماذا عن الكويت التي لا ترحب بوجودي؟

‏هذا ما ترك الندبة في قلبي، مرارة السؤال على قلبي وقسوة الموقف..

‏سرت بلا سرور بقية حياتي..

‏الندبة، المسرح، المرارة..

‏هذا ما كتب على فاطمة منذ الولادة..

‏كل شيء كان غير مكتمل، قلب منذ الولادة بخدوش، المسرح غير المكتمل بوجودي، المرارة غير الكافية لشرح غصتي..

‏اعتدت التعايش مع فكرة الأشياء غير المكتملة..

‏مبيضي الذي انكمش في عمر الثامنة عشر حتى يصر على فكرة عدم اكتمال الأشياء..

مبيضي الذي انفجر بحثًا عن جسدٍ مكتمل..

"مبيض غير صالح لا ينجب سوى الأورام"

هذا ما قاله الطبيب لي حين تساءلت لماذا يكبر داخل بطني هكذا..

صديقتي التي هاجرت وأنا في عمر الخامسة والعشرين، بحثًا عن حياة وتركت مكانها غير مكتمل..

جدي الذي شهق روحه..

دراستي التي أكملتها رغمًا عن الظروف ثم تركت شهادتي في الجامعة لأن بطاقتي غير صالحة..

أكملت حياتي وأنا لا أعرف ما طعم الأشياء المكتملة.. وما رائحتها..

اليوم وأنا بعمر الستين، ما زلت غير مكتملة وحياتي غير صالحة..

أكملت حياتي وأنا أتفادى الصدمات حتى اعتدت على وجودها...

اليوم وأنا في سن اليأس، اكتشفت أنني لم أبحْ يوماً، كنت أحاول الهروب حتى من الكلام كي أتفادى وجود خدش في حديثي..

‏اليوم وأنا في سن اليأس اكتشفت أنني لم أكمل حتى طعامي، كنت أحاول الحفاظ على وزني..

‏اليوم وأنا في سن اليأس أحدق في جوازي الرمادي، منطفئ لا يملك لونًا، لا يملك رائحة، لا يملك هوية، كان جوازًا ناقصًا من كل ملامح الحياة.. 

‏اكتشفت أنني أرملة منذ سنوات وحتى زواجي لم يكتمل...

‏اليوم وأنا بعمر الستين، تحاوطني صرخات المرضى، وترافقني أصوات مخذولة منذ الطفولة..

‏اليوم وأنا بعمر الستين قالت لي الطبيبة أن حالتي ميؤوس منها منذ عمر الثالثة عشر، وأن هذياني وجنوني لا دواء له، ما زلت أستوطن الطب النفسي.

‏حتى غرفتي في هذا المكان غير مكتملة، ينقصها نافذة أستطيع من خلالها إلقاء الندبة خارجًا...

غَيْهَبَان/هديل

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد