dark_mode
  • الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
المهاجرين الجدد - فهد حمزة

المهاجرين الجدد - فهد حمزة

حين اكتشف كريستوفر كولومبوس القارة الأمريكية عن طريق الصدفة ودخل تلك الأراضي التي كان سكانها من الهنود ورأى ما تحويه تلك الأرض من خيرات، لم تكتف السياسة الأوروبية حينئذ بنهب واستحلال تلك الأرض، بل استفحل الأمر إلى إبادة جماعية لسكانها الأصليين واتجهت إلى تحركات متقنة مليئة بالتزييف انطوت على تزوير تاريخ هذه الأرض ومحوه واستبداله بتاريخ جديد ذي طابع أوروبي يبدو ظاهريا وكأنه حركة حداثية بينما في طياته كان يمتلئ بالقتل والجشع والعنف والإقصاء.

وبالفعل، نجحت تلك الحركة الاستغلالية بالاستعانة بالترويج الإعلامي الكاذب الذي لا يختلف عن النازية وإعلام "بول غوبلز" في إظهار الاجتياح الأوروبي كاليد الرحيمة التي أتت لكي تطهر هذه الأراضي من الجهل، واستمروا حتى تم تحويلها إلى أرض تحمل هوية مزيفة غير حقيقية حين تم التعامل مع المهاجرين وكأنهم هم السكان الأصليون بينما قتل معظم هؤلاء السكان الأصليين من الهنود الحمر ومن بقي منهم تم وصفهم بـالمتوحشين والهمج في محاولة لإقصائهم ونبذهم من قبل المجتمع الجديد.

لنخرج من هذا المنظور الصغير إلى منظور أكبر، ولننتقل من قارة إلى كوكب الأرض بالأكمل.

نحن جميعا سكان أصليون لهذا الكوكب وكما الاجتياح الأوروبي فقد اجتاحتنا سياسات لا علاقة لنا بها هي نتاح حروب كان محركها كذلك الطمع والجشع والرغبة في السلطة التي هي من بين الصفات السيئة للذات البشرية، فوجدنا أنفسنا بعد ذلك التاريخ مقسمين إلى قبائل ومجموعات ثم إلى دول وقارات ومن ثم التشديد وفرض القيود على الحركة والترحال في طلب الرزق في هذا الكوكب ضمن شروط وقوانين حددها المنتصرون في تلك النزاعات والحروب.

واليوم نرى كيف غرست تلك الأيدولوجيات في العامة من البشر الذين استقروا أساسا عشوائيا في دولهم الحالية من خلال الهجرات المتكررة.

ومن المشاهد الهزلية عبر التاريخ أن هناك أراض توالى عليها المهاجرون بين باغي الرزق وبين هارب وبين منفي، وتعايشوا في تلك الأرض بكل هدوء واتفاق. ولكن حين بدأت السياسات العالمية في عملية تقسيم جديدة وإصدار وثائق ورقية تحت مسمى جنسية وجوازات سفر من شأنها تقييد حركة الأشخاص وتحديدها وتتبعها؛ بدأ الكثير في التهافت على تلك المستندات بعضهم قبل بعض وحتى إن بعضهم لم يفهم أهمية هذا التسجيل وهذه الوثائق.

أدى ذلك إلى أننا نجد اليوم الكثيرين ممن لا يحملون أي وثائق ورقية مسجلة تؤكد انتمائهم للمكان الذي عاشوا فيه هم وأجدادهم بالرغم من أنهم قد سبقوا البعض ممن يحمل هذه الوثائق والذين قد هاجروا قدوما إلى هذه الأرض من بعدهم.

في النهاية، ليس المضحك في هذا الأمر الإجراءات التي لم تتم لحل هذه المشكلة، ولا العراقيل التي توضع متعمدة ولا حتى تجاهل الحكومات مثل هذه الأمور، بل المثير للضحك أن المهاجرين الجدد والذين أتوا لاحقا هم الذين يصفون المهاجرين القدماء بمسميات متنوعة وهم الأكثر شراسة في التصدي لعدم حصول هؤلاء على الحقوق الذين هم أنفسهم حصلوا عليها حين قدموا لهذه الأرض كمهاجرين.

فهل يا ترى يعود السبب إلى أن هؤلاء يعانون من عقدة النقص والتي يغذيها تعاليهم والوثائق التي يمتلكونها، وخوفهم من فقد هذا الامتياز بحيث لن يعود لهم ما يتباهون به ويخسرون كل هذا الإحساس بالتفوق على الآخر وبالتالي عليهم مواجهة حقيقتهم؟

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد