dark_mode
  • الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
أيتام المصالح الاقتصادية - فهد حمزة

أيتام المصالح الاقتصادية - فهد حمزة

في أحد حلقات برنامج "قلبي اطمأن":

أبوك وين….؟

ميت..

وأمك وين…؟

ميتة..

هكذا أجاب الطفل المسمى "عواد" ثم احتضن وجهه بكفيه كأنه يحاول أن يلملم ألمه..

ثم سأله مقدم البرنامج محاولا تخفيف ألمه: إخوانك وين...؟

فقال: ٤ وماتوا.. وقع عليهم منزلنا فماتوا.. وكان لي أخت لم تكن في المنزل حينها، ولكن حين ذهبت إليها احتضنتني، ولم تكن تعلم أنهم قد ماتوا جميعا، وعندما أخبرتها؛ أمسكت بسكين وقتلت نفسها

حاولت أخذ السكين لأقتل نفسي، ولكن جدتي منعتني!

ثم ابتسم "عوّاد" ابتسامة تشبه قصيدة الكوليرا حين قالت:

عشرةُ أمواتٍ، عشرونا

لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا

اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين

مَوْتَى، مَوْتَى، ضاعَ العددُ

مَوْتَى، موتَى، لم يَبْقَ غَدُ

في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ

لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ

هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ

تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ.

 

"عواد".

بلا أم. بلا أب. بلا أخوة. بلا حتى هوية.

هو أحد أيتام الحروب الاقتصادية. نعم، لن أقول سياسية حيث السياسة لا تعد أكثر من كونها أداة في يد الاقتصاد.

 

كل ما يحصل من دمار وإعادة بناء هي من أجل الشركات. كل يوم سهم جديد يرتفع وشركات أدوية تنتفع ومليارات جديدة توزع. ولسان حالهم يقول: يموت كل شيء وينتعش الاقتصاد.

 

وفي حزن عواد يحيا الاقتصاد. حين قُتل والده وأمه وإخوانه، هل ارتفع مؤشر الذهب؟ هل هبط الدولار؟ هل ارتفع اليورو؟

 

صوت يقول: انتبه.. انتبه.. إنهم يقتلون فعليك بمتابعة "الداو جونز".

عوّاد كان متذبذبا، لكن لا تقلقوا.. فإن ارتفاع الذهب مستقر. عوّاد وقع باكيا، لكن لا تقلقوا فإن الذهب صاعد الاتجاه.

نعم الذهب يرتفع وقت الحروب ويحقق أرباحا هائلة. ولكن كم عائلة تموت؟ كم من طفل يُيتم؟ وكم من طفل يقتل؟

 

وفق ما كشفت عنه تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" لعام ٢٠٢٠ فقد تعرض ٨٢ مليون شخص في العالم للتهجير القسري، ويحرم الأطفال اللاجئون من الرعاية والعطف.

كما نشرت المنظمة تقريرا أظهرت فيه تزايدا تدريجيا في أعداد أيتام الحروب حول العالم فمنذ عام ٢٠١٥ قدر أيتام العالم بنحو ١٤٠ مليوناً، منهم ٦١ مليوناً في آسيا، و٥٢ مليوناً في أفريقيا، و١٠ ملايين في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، و٧.٣ مليون في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.

 

وقد قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" أنه وخلال عام ٢٠١٨ بلغ عدد الأيتام في سوريا إلى مليون، وفي العراق ٥ ملايين يتيم، أما فلسطين وحسب التقرير الوطني الأول المعد بموجب المادة (٤٤) من اتفاقية حقوق الطفل فإنه وفي العام ٢٠١٩ بلغت نسبة الأيتام إلى 2.3٪ أي بما يقارب 53 ألف يتيم، أضف إلى ذلك ووفقا للتوثيق الإحصائي من هيئة شؤون الأسرى والمحررين أنه سُجل في العام ٢٠١٦ اعتقال ١٣٨٤ طفل جميعهم تعرضوا بدرجات متفاوتة إلى شكل أو أكثر من أشكال التعذيب والإساءات اللفظية والعزل الانفرادي في سجون الاحتلال، أما في اليمن فبلغ عدد الأيتام في عام ٢٠١٨ نحو ١.١ مليون يتيم.

 

كما يعد ٩٠٪ من كل هؤلاء غير مكفولين بأي برامج رعاية مع الأخذ بالاعتبار أن هذه الأعداد في تزايد مهول ومرعب حسب ما صرحت به عدد من منظمات حقوق الإنسان نتيجة استمرارية هذه الحروب.

كل تلك الأرواح أصبحت تسمى "أضرار جانبية"!

 

هل أتاكم حديث الطفل "زبير" الذي يظن غير متأكد أنه في الثانية عشر من العمر وهو عامل على عربة للتحميل حين سأله مقدم البرنامج: أبوك وين يشتغل؟

فرد مستغربا: أي "أبوي"! ما عندي "أبو" أنا!

وأمك؟

فرد "زبير" بنبرةٍ مغلقة بقوة مخنوقة وبلهجته: "هم ميتة".

هو كذلك بلا أم. بلا أب. وبلا هوية يعجز حتى عن تحديد عمره.

فكم من "عواد" وكم من "زبير".

 

اعذروني.. أعلم أنى اتحدث بما لا يليق بعصرنا الحالي، عصر التكنولوجيا وكيفية تسخيرها في التفاهة، عصر البورصة وكيفية ربح الأموال وإنعاش الاستهلاك، عصر كيف تحصل على مال أكثر من حاجتك؛ لتنفقه على استهلاكيات خارج حاجتك.

 

دعونا من اطفال بلا تعليم.

دعونا من أطفال بلا طعام ولا مأوى.

دعونا من أطفال بلا هوية.

دعونا من أطفال تقتل كل يوم.

دعونا من عوّاد و "زبير".

دعونا من "محمد الدرة".

دعونا من "عمران".

دعونا من أيتام المصالح الاقتصادية.

 

قل لي.. كم حققت من أرباح اليوم؟

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد