dark_mode
  • الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
فبراير، احتفالات وَانتحارات - عالمة غير معلمة

فبراير، احتفالات وَانتحارات - عالمة غير معلمة

في فبراير قبل ثمانية سنوات انتحر بدون. قبل سنة أيضًا انتحر طفل بدون "علي خالد الشمّري". هَذَا العام في الشهر المؤلم انتحر بدون "حمد عبيد". أرىٰ لـفبراير تأثير، به استفزاز لـغيرة الراغبين بـوطن يقرر الحقيقة، وَدعوة غير مباشرة تحثّك عَلَىٰ الانتحار. لطالما ذكّرتني بهجة المواطنين في فبراير بما تمّ انتزاعه منّا (الوطن وَالهويّة)، بما تمّ نهبه منّا أمام العالم أجمع مِن حُقُوق بديهيّة لا يحقّ لـكائن مَنْ كان تجريد الإنسان منها. فبراير يدفعكم للاحتفال وَيدفعنا للانتحار، فبراير إعادة فتح الجروح، لهفة العدم للوجود، فبراير مشهد طفل يعانق والديه أمام ملطوم.

كوني امرأة مِن فئة "البدون" اعتدت النزيف في فبراير، به ترفرف الأعلام، الضحكات عالية، الأغاني الوطنيّة في كل مكان، وَالشوارع مُزّينة وَكأنك تسير في حلم مِن الأحلام. لا يغيظني ذلك، مَا يغيظني وَيستفزني أني ابنة الوَطَن (للوطن رأي آخَر) وَلا أملك سبب حقيقيّ كي أشارك البقيّة في الاحتفال؛ بل أخجل إذ فكرت يومًا في الاحتفال! 

هم لديهم وَطَن سقط بقبضة الطاغية وَعاد، عاد ليحتضنهم وَيقدم لهم أرض يعيشون بها بلا مأساة وَضياع، أرض لا تجحد وُجودهم وَفضلهم، وَلا تنتزع حقّهم الإنسانيّ، لا تفتح بصدورهم جروح غائرة، قامَ مرّة أُخرىٰ لينسيهم مرارة الغزو العراقيّ. يحتفلون لأجل ذلك وَلهم الحقّ، مَنْ لا يحتفل بالحلاوة بعد المُرّ؟ كيف لا يفرح مَنْ انتصر عَلَىٰ الظلم وَعاد لحضن الأُمّ؟ 

أما العَجِيُّ بماذا يحتفل؟ مَنْ يجلس عَلَىٰ الرصيف وَحرارة الشمس تصليه بماذا يحتفل؟ الطفل الذي أغلقوا أبواب المدرسة بوجهه بماذا يحتفل؟ مَنْ زَفّوها قاصرة لـ "كويتيّ" (نظرًا لامتيازاته) بماذا تحتفل؟ مَنْ حَدّدَ لها الوَطَن وَالعائلة وظائف استغلاليّة قائمة عَلَىٰ الامتهان، وَسحقها آناء الليل وَأطراف النهار بماذا تحتفل؟ حبيبتي التي كابدت أيّام قاسية بلا مبلغ كافٍ لتوفير احتياجات طفلتها، بماذا تحتفل؟ أمّي التي جمّعت مصروفها كي تتمكّن مِن ابتياع حبوب الإفطار"الكورن فليكس" لنا، وَبدّأتنا عليها في كل الأمور، في الأعياد الإسلاميّة ابتاعت لنا ملابس جديدة وَبقيت عَلَىٰ ملابسها القديمة، كي لا نشعر بالاختلاف بيننا وَبين بقيّة الأطفال، وَلا تبقىٰ فرحة العيد ناقصة وَحسرة في قلوبنا كيف تحتفل بهكذا وَطَن؟ 
أبي الذي ضحّىٰ للكويت، وَشارك في حروبها لَمْ ينل القليل مِن الاحترام وَالامتنان، عَلَىٰ العكس تمامًا وجد مَنْ يصرخ بلا حياء: "مزور، عراقيّ، سوريّ، سعوديّ، يمنيّ، (أي دولة أُخرىٰ تخطر في باله)" كيف يحتفل بهكذا وَطَن؟ علمًا أنّنا لو عدنا إلىٰ الوراء، سنرىٰ أن أبي "المزور" شَدّ حزامه لـ نصرة الوَطَن، وَالمدّعي للنحشة. مَنْ سمّوه: "مقيم بصورة غير قانُونية، غير محدد الجنسيّة، بدون" مَنْ ضيّعوه وَنكروه كيف يفهم شعور فقدان المواطن للوَطَن؟ لا يعرف حنية صدر الوَطَن مَنْ وَعىٰ تحت شسع نعليهِ، وَخشّن الوَطَن ترافة خدّيْه.  

إذًا أخبرني الآن، كيف تتوقع مني أن أحتفل بلا خجل بهكذا وَطَن؟ وَطَن انتزع حقّي، نكرني، رفضني، قتل قومي، حطّم أحلامي، ضيّع حَياتنا؟ وَطَن صدَّ وجهه وأدار ظهره لي، احتفالي به كثير عليه وَذل لي. 

هنيئًا لك يَا وَطَن النهار وقفت شامخًا مرّة أُخرىٰ، لكنك تعلّمت الكثير مِن استبداد وَقسوة من ظلموك. دامت أفراحك، وَلا دام طغيانك! 

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد