dark_mode
  • الأربعاء ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٤
لا تمت - عبد المحسن

لا تمت - عبد المحسن

في إحدى الليالي، وكعادتي في طريقي إلى المخيم، توقفت بجانب سيارته المتحركة لبيع المأكولات ولوازم البر، أعرفه منذ سنين حتى نشأت بيننا صداقة، يقول مازحًا: "لم أحس بالضيق إلا ورأيتك فجأة تظهر لتغسل مخي بكلامك الجميل، أرتاح عندما أحدثك"، مع أن أطول حديث بيننا دام لعشر دقائق لا أكثر، يقاطعنا فيها زبائنه الكثر لا سيما في آخر الأسبوع، إلا أن هذا الوقت- وكما يقول- مفيد له جدًا وطالما أنقذه من ضغوط الحياة وأفكار الانتحار التي تراوده.

يجاهد في عمله، غيرت الشمس بشرته وصبغ لونه الغبار، يكاد يقضي عمره هنا في هذا المكان، يزور أهله في الأسبوع ساعات متفرقة، يعطيهم ما جاد به بيعه في أيام الأسبوع، فمنه يعيش أفراد الأسرة وينتظرون كغيرهم في حياة مؤجلة ومتقلبة يسير بها مركب يحركه غيرهم في اتجاه مصالحه، يقترب من الشاطئ كلما أصبح لهم فائدة إعلامية مثل الانتخابات وتصفية الحسابات بين الخصماء المتنفذين ويغيبون وسط المجهول كلما انتهت الحاجة.

في إحدى المرات طلب مني أن أجلس معه ليحدثني وقال أنه يريد وداعي لأنه سيرحل وقد يكون آخر لقاء لي معه.
توقعت أنه سيرمي نفسه إلى المجهول باحثًا عن طريق إلى بريطانيا أو أستراليا كما فعل كثيرون وكان عدد العائدين بالخيبة يفوق عدد من حالفهم الحظ كما يزعمون ببلوغ بلاد حلموا بها.

الصادم في الأمر أنه قال: سأنتحر!!
ماذا تقول؟ وهل هذا هو الحل؟
نعم، يزعم أنه الحل وأن الحكومة ستحل القضية وسيصبح هناك ضغط عالمي وأفكار أخرى في أحلامه فقط.
لم أعرف كيف أرد عليه هل أضحك أو أبكي، بقيت واجمًا لفترة ثم التفت إليه قائلًا:
كم عدد الذين انتحروا قبلك؟
وكم خلفوا وراءهم من عائلات بلا سند؟
وهل حلت القضية؟ أتعرف أنهم كلهم اتهموا بالتعاطي أو الجنون؟ لن تجني يا صديقي غير الخيبة.
ابق حيًا، جاهد كما يجب، والانتحار حل الضعفاء والجبناء، أما الشجعان فلهم المجد دائمًا وإن وقف ضدهم الكون بأكمله لا يعيرونه وزنًا.

سكت وكأنه يسمع كلامًا للمرة الأولى، تعرق جبينه، ارتبك، قال: سأفكر بكلامك ولكني لا أعدك أن أكون كما تمنيت لي.
تركته وذهبت ولم تزل صورته في مخيلتي، لم أنم ليلتها وكان أول عمل لي في اليوم التالي أن أراه، توجهت إلى بقالته المتحركة ووجدته منتظرًا وما إن رآني قال، لن أموت وقد اخترت شجاعة المواجهة على جبن الهروب، و رفع مازحًا إصبعيه بإشارة النصر.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد