dark_mode
  • السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
البدون من وجهة نظر بدون! - علي خليف زايد

البدون من وجهة نظر بدون! - علي خليف زايد

البدون كلمة تُكتب في بداية الحياة، ولا تنتهي حتى الممات.

في إحدى الليالي وأنا جالس بجوار أختي نتبادل الحديث، قالت لي: اليوم في الجامعة، سمعت فتاتين تتحدثان عن البدون، في بادئ الأمر لم أعِر الموضوع اهتمامًا، ولكن ما إن أنصتّ حتى سمعت العجب العجاب! 
فقلت والفضول يكاد يقتلني: ماذا قالتا؟ 
فقالت: قالت الفتاة للأخرى: "هل تعرفين عن البدون؟" قالت الأخرى: "أليسوا هؤلاء (الهوملس) - المشردين؟"
فلم أتمالك نفسي وضحكت بشدة...  واليوم وفي هذا المقال أطرح تساؤلًا هل نحن (هوملس)؟
 
في الواقع لم تكذب الفتاة ولو أنها قد بالغت قليلًا. فالشخص المشرد لديه وثائق تعترف به كإنسان. أما نحنُ فتميزنا عن الجميع، فلا وثائق تعترف بنا ولا أحد يعترف بنا سوى الوعاظ حين يعظونا على ذنوبنا. ومن الطريف ذكره، أن سألوا أحد رجال الدين، لماذا لا تتكلم عن قضية البدون من منطلق إنساني ديني؟ 
فأجاب قائلاً: "أولاً هذه قضية سياسية وليست من شؤوننا، ثانياً البدون نسبة كبيرة منهم روافض، وهؤلاء لا يستحقون أي حقوق إنسانية ". لم يسعني إلا أن أتنهد طويلًا وأقول سكت دهرًا ونطق كفرًا.

(أنت بدون؟)
أكاد أقسم بالدم بأنه لا يوجد بدون لم يسمع هذا السؤال، الذي يكون تارة بنبرة شفقة وتارة أخرى بنبرة تحمل الكثير من العنصرية. عندما يسألك أحدهم (أنت بدون؟) وتجيب بنعم، تتغير المعاملة كليًا. فتصبح كالمصاب بمرضٍ معدي ويريدون التهرب منك بأي طريقة.
في أبسط الأشياء يكون التمييز، فكيف ذلك؟
كونك بدون فأنت مميز عن الجميع، ولا يخفى على أحد كم هذا التميز مؤلم. فإذا قدمت على دراسة الجامعة راجيًا أن تتحسن حياتك المعيشية، كتبوا على شهادتك المرصعة بالتفوق والإنجازات، "الأولوية للجميع إلا أنت". 
وإذا أصابك مرضٌ ما وذهبت إلى المستشفى لتتلقى العلاج كأي إنسانٍ آخر، يقولون غير مكترثين لحالتك الإنسانية "أحضر بطاقتك وإلا لن تتعالج". 
فتذهب إلى جهاز الدُجنَّة، ليستقبلونك واضعين السلاسل الحديدية عليك خوفًا من أن تطمس هويتهم الوطنية. فتقرر أخيرًا الانتحار متأملًا ألا تسمع كلمة بدون في الحياة الأخرى. ليستقبلك الوعاظ غاضبين " اتقِ الله في نفسك" "لا تبالغ واحمد ربك فأنت تأكل وتشرب وتنام". أغاية الحياة أن نأكل ونشرب وننام أيها المغفلين؟!


هل المرأة البدون تعاني أكثر مما يعانيه الرجل البدون؟

في الحقيقة إنهُ أمرٌ مؤلم عندما أشعر بحجم معاناة النساء بشكل عام. ولكن ما يؤلمني أكثر هو عندما أرى فئة من النساء تتألم أكثر من أي نساءٍ أخريات. هن الفئة الصامتة التي لا صوت لها. فئة فقدت الحقوق الإنسانية والحقوق المدنية. فئة تُضطهد من قِبل الفكر الذكوري ومن قِبل الفكر العنصري البغيض. المرأة البدون، المرأة التي لا فرص لها في الحياة. فهي مُنعت من أن تمارس حياتها بشكل طبيعي قبل أن يمنعها أبيها وإخوتها.  وفي الختام أقول إلى معانقات الألم بصمت إلى المناضلات أقدم لكن اعتذاري الشديد على تطفلي للحديث عن قضيتكن، فلا أحد يمكنه أن يصف معاناة النساء البدون إلا النساء البدون، ولكن من منطلق إنساني أقدم كل محاولاتي وكتاباتي وحياتي للدفاع عن كل مظلوم عانق الألم بصمت.

صورة المقال: تصوير الناشطة هديل بوقريص. 

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد