dark_mode
  • الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
الشهادة أم الإثبات - Dr.abo7sain

الشهادة أم الإثبات - Dr.abo7sain

روت لي جدتي- رحمها الله- أنّها في عام ١٩٥٢ حين كان جدي- رحمه الله- يذهب إلى عمله في شركة الزيت سابقًا، KOC حاليًا، وكان يقضي أسبوعين في عمله في منطقة الروضتين وغيرها، كانت تخاف لوحدها في المنزل فاعتادت وضع الأحذية القديمة أمام المنزل لكي يظُن المار أن في المنزل جماعةً فلا يقترب، وكانت تُسلي نفسها بأمل عودة زوجها فتشعر معه بالأمان، وكانت تتصنع الحيل كي تُسكن خوفها من أي غرباء أو لصوص.

خوفها سابقًا كان فطريًا وقد انعكس علينا؛ بل توارثناه لكن مع فارق أن خوفنا مُكتسب، نخاف الشرطة في الشارع، نخاف المدرسة، نخاف الزواج، نخاف الأبناء، لأننا لا نملك إثباتًا، وحرمنا من حقنا في الجنسية أولًا وتلاها حرمانُنا من حقوقنا المدنية لاحقًا.

وكانت جدتي دائمًا ما تُشجعنا وتحثنا على الدراسة ونيل الشهادات العالية؛ لأنها ترى أنّ السلاح في زمننا هذا هو الشهادة وتضرب لنا الأمثال في ذلك وهي كثيرة وعديدة. وقتها كنا نأخذ بنصيحتها ونحاول جاهدين أن نتقلد بالشهادة ونتخذها طريقًا وسلاحًا في حرب هذه الحياة، ولكن ما خفي على جدتي أنّه في وقتنا الحالي لا تنفع الشهادة أبدًا، فالإثبات والجنسية الكويتية التي حُرمنا منها ومن أبسط الحقوق المدنية مقدم على الشهادة، فلو كنت تملك شهادةً في الفيزياء النووية أو الكيمياء الحيوية أو تكنولوجيا النانو أو الطب بأفرعه ولا تملك إثباتًا لهويتك فإن مصير هذه الشهادة هو التعليق على الحائط والبصق عليها كل يوم كما هو الحال معي، فكلما مررت صوب الحائط المعلقة عليه شهادتي أخذت أبصقُ عليها، لا لذنب ارتكبته الشهادة إنما للوضع الذي وصلت إليه مع تلك الشهادة، وأخيرًا أقول لجدتي- رحمها الله- أن السلاح في زمننا هذا هو الإثبات وليس الشهادة، فلترقدي في سلام ولروحك الرحمة والغفران.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد