dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
غياباتٌ مأهولةٌ بالموت - سعدية مفرح

غياباتٌ مأهولةٌ بالموت - سعدية مفرح

كاريكاتير بدر بن غيث

غياباتٌ مأهولةٌ بالموت

(لأولئك الذين لا يعرفون ما الذي يمـكنُ أَنْ يحدث إن قَرّرَ الوطنُ أنْ يَغيب!)



1. غيابٌ مُشْترَكٌ

نَرحلُ ……
مُمْتـنّين لِطُولِ الطريقِ 
وَوحشَتِهِ الإضافيّةْ
نُغنّي قبْل الوصولِ النهائيِّ 
أَغاني البقاءِ الذليلْ
في البيوتِ التي لا أبوابَ لها 
ولا نوافذَ 
ولا حدائقَ 
ولا حتّى عناوين واضحة.

نرحلُ إذن 
لا نَلْوي سِوى على 
غصّةٍ مُوزَّعةٍ 
بِغيرِ عَدْلٍ بيننا
وبينَ الذينَ بَقَوا


2. غيابٌ لَحوحٌ

السؤالُ نفسُهُ يباغتُنِي 
كلّما وضعْتُ قدَميَّ 
على طَرَفِ الإِجابةِ المُحْتملةِ 
السؤالُ نفسهُ ..
كلما داهنْتُ فضولي 
ورشيْتُ علاماتِ الاستفهامِ 
ببقيّةٍ منْ يقينٍ يَتَلاشى
السؤالُ نفسُهُ ..
كلما غبْتَ 
وكلما عُدْتَ 
وكلما تَرَدَّدَتْ أَغانيكَ 
خَلْفَ النوافذ المغلقةِ جزئياً 
والأوراقِ المهترئةِ كُليّاً 
وحكاياتِ الأَجدادِ 
عن ذكرياتِ الوطنِ الوسيعِ 
مثل سماء.

السؤالُ البسيطُ 
الذي أَعْرفُ إِجابَتَه نفْسَها.


 3. غيابٌ ثالثٌ

ما الّذي يمـكنُ أَنْ يحدثَ 
إِنْ قَرّرَ الوطنُ أنْ يَغيب؟
مَنْ الّذي سـوف يَعترضُ 
أَوْ يَتَنامى بينَ السمواتِ الأَعْـلى؟
وكيفَ ستبدو الذاكرةُ 
إنْ تَخَلَّتْ عنْ أَورامِها الحميدةِ 
عبرَ جراحةٍ غير ضروريّة؟
الشجرُ وحدُه 
يملِكُ الإِجابةَ الصحيحةَ 
لكنه أَيضاً يملكُ الدموعَ 
مثلنا... 
لحُسْنِ الحظ.



4. غيابٌ صاخبٌ

بين صيْحاتِ المشجّعينَ المُدويّة
وتأَوّهاتِ الكُرةِ 
تَتَدَحْرجُ نحْو الشِباكِ الجائعةِ
يَنْتشي بالوطنِ 
للمرّةِ الوحيدةِ 
التي تَتَكرّرُ
فَيَنْزرعُ في الهواءِ 
المُثْقلِ بانْصبابِ العَرَقِ 
والأَهدافِ المُهدرةِ 
وصافرةِ الحَكَم

يُسَجِّلُ الهدفَ 
ويَغْرَقُ بالنشوَةِ الجديدة
ويَتلاشى في صيْحاتِ الخاسرين 

لحظتُهُ الوحيدةُ
لحظتُهُ التي لا تَتَكرَّر
أَمامَ حاجزَ التفتيشِ المروريِّ!

 
5. غيابٌ مفتوحٌ

الأعشابُ الصغيرةُ 
النابِتةُ على أَطرافِهِ 
تُذكّرني بأَهدابِ الروحِ المُسْتَسلِمِ 
لقَدَرِهِ المَحتوم 
والصغارُ الذينَ يَرفعونَ أَكفَّهُم 
لتحيةِ الوطنِ كلَّ صباحٍ مدرسيٍّ
يَكْبُرونَ بلا أَكُفٍّ 
وبأَهدابٍ مَجْزوزةٍ 
من دون عناية. 


6. غيابٌ جذّابٌ

التفاحةُ التي سَقَطَتْ على رأْسِ نيوتِنْ
فَرِحَتْ قليلاً بلذائذ الدهْشةِ الكامنةِ
وشَرَفِ الجاذبيّةِ
لكنّها تَطَلَّعَتْ 
نَحْوَ الأَعْلى 
بذلك الحَنين الذي أَعْرفهُ
والذي يُنازِعُني بهِ الآخَرون 
وهمْ يَنْبشون أَوْراقي الثبوتيّةَ 
منْ بين أَسنانِ الشوارع الجديدةِ


7. غيابٌ مُتشابِهٌ

الغاياتُ الكُبرى 
ما زالتْ تُحاولُ تَرسيمَ حدودِها النهائيِّة 
مثلَ وطنٍ 
مثلَ هويةٍّ 
مثلَ حديقةٍ مهملةٍ حدَّ النُضْجِ 
مثلَ آخرين يُشْبهونَنا
مثل الغاياتِ الصُغرى أَيضاً!

8. غيابٌ واقعيّ

للبحْرِ ساحلٌ 
وللسماءِ طَرَفٌ واقعيّ
أَمّا هذه الصحْراء
فتَبْدأُ منْ الرّملِ 
حيث نقفُ مشْدوهين
وتَنْتهي إِليه حيث نَنْتظرُ 
لكنَّ الرمْلَ ليسَ لهُ ذاكرةٌ 
والرياحُ تَذرو البقيةَ 
وتضحكُ!

 
9. غيابٌ أَخْضر 

أَيَّتها الشجرةَ اليتيمةَ
تَمَعَّني بملامحي جيداً 
امْتصِّي عطْرَ الشمسِ 
ونَسغَ الأَرْضِ
واحرُسي فضاءَ الشارعِ القديمِ 

أَيَّتُها الشاهدةَ الهَرِمَة.


10. غيابٌ إِضافيّ

حين تكْبُرُ الصغيرةُ
تُفَتِّشُ في حقائِبِ طفولتِها المَنْسيّةِ
عنْ عناوينْ 
وأَرقامِ هواتف 
وخرائطْ
وألوانِ عَلَمْ 
وشوارعَ تُرابيّةٍ تُوصِلُ إِلى مدرستِها الأُولى
ولنْ تجدَ سِوى:
قُصاصاتٍ مُهترئةٍ 
منْ صُحُفِ الزمانِ القديم 
 تَعِدُ بعناوين 
وأرقامِ هواتف 
وألوانِ عَلَمٍ 
وشوارع تَجري منْ تحتِها أَنهارُ العسلِ والخمرِ والحليبِ و.... و....
 

11. غيابٌ أَخير

تَموتُ بِبطْءٍ سَرَطانيٍّ
ولا تُوصي بِمثواها الأَخير 
.............
رَءوفٌ بأَوْلادِها هذه السيّدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد