dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
ستون عامًا من العزلة - فهد حمزة

ستون عامًا من العزلة - فهد حمزة

 

ستون عامًا من العزلة، هكذا ولد وعاش ذلك الإنسان الذي لم يحصل على اعتراف رسمي بوجوده. أُهملَ وجودُه بين سجلات و دفاتر و أقلام نسته او تناسته و بين جهل أحد جداده التعليمي أو المعلوماتي. بدأ ملف معاناة البدون يتضخم بدءًا بصدور قانون الجنسية الكويتي عام ١٩٥٩م، ومنذ ذاك الحين وحتى يومنا هذا يعيش البدون في الكويت- بسبب هذا الخطأ الإداري- في حالة من العزلة على الأصعدة: الاجتماعي والنفسي والسياسي والثقافي وحتى الشخصي.



مرت هذه العزلة بمراحل عدة تختلف قسوتها باختلاف المسمى الممنوح لها، فحين بدأ إقفال التسجيل للجنسية بدأ ميلاد هذه القضية حيث كان يطلق على البدون في تلك الفترة مسمى بادية الكويت، ولم تُعَر هذه المشكلة الكثير من الاهتمام حتى من أصحابها أنفسهم نظرًا لعدم إحساسهم بالفرق بين من قد أتم تسجيله ومن لم يُتم، ولاستمرار جهلهم وعدم استيعابهم لأهمية هذه الورقة الرسمية. ثم تقرر بعد ذلك رفع المَنحى الإقصائي بتغيير المسميات إلى غير كويتي ثم إلى بدون جنسية. وكان المعيار الجديد لتلك العزلة يقتصر على عدم الحصول على نفس مقدار الدعم المادي والإسكاني والحقوق السياسية الذي حصل عليه من حالفهم الحظ بالتسجيل.


بدأت المسميات تتجه إلى منحنى آخر يتصاعد تدريجيًا بعد عام ١٩٩٠م، حيث تغير إلى غير محددي الجنسية، حتى أصبح اليوم مقيمين بصورة غير قانونية. و مع هذا المسمى الأخير تفاقمت معاناة هذه الفئة و بدأ نوع آخر من العزلة والإقصاء والإعدام المجتمعي الكامل الإضافة إلى توجيه الرأي العام الجاهل بتاريخ هذا الملف و نشأته إلى نبذ هذه الفئة و التعامل معها بصفتها فئة دخيلة على المجتمع تريد مشاركتهم ثرواتهم و سرقة رغيف الخبز من بين أيديهم.


مر البدون في الكويت بمراحل كان يخجل فيها التصريح بأنه بدون جنسية حتى لا يُقابل باستهجانٍ وعدائية تصلان إلى إقصائه عن المجموعات وعدم استحسان وجوده بينهم. وأدت به رحلته مع المسمى الأخير إلى فقدان كل حقوقه الإنسانية تدريجيًا، بدءًا بفقدان حقه في العلاج والتعليم والتنقل والعيش الكريم ووصولًا إلى عدم أحقيته في تسجيل شهادة ميلاد أو وفاة، مع الاستمرار في تضليل الرأي العام عن ماهية هذه الفئة والاستمرار في نشر بعض المتسلقين على جراح هذا الملف الكراهية ضدهم.


عاش البدون في الكويت ميتًا.. بلا طموح.. بلا أمل .. و بلا وجود. فهل آن الآوان لتغيير هذا النمط الإقصائي والاعتراف بانتماء فئة من البشر وُلدت وعاشت ومات أجدادهم على هذه البقعة من الأرض؟ أم علينا أن نكمل مائة عام من العزلة على أمل أن نحيا؟!


بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد