dark_mode
  • الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
مناجم من البدون – عبد الله حسن الشمري

مناجم من البدون – عبد الله حسن الشمري

منسيا.. يولد الإنسان البدون، معزولا إلا عن حرمانه وكرامته، يغادر الحياة ويدفن بأمل أوهى من السراب وأقسى من الألم، صرخته مكبلة بأغلال السكوت محبوسة بسجن من الصمت -صمت المقهورين-، أي غربة تلك التي يشعر بها ابن البلد بعد إثبات ولائه وتضحياته وانتمائه!؟ تساؤلات مؤلمة وإجابات الحاضر أو بوادر المستقبل جدا مظلمة لا تتسع لمزيد من الألم أو القليل من الإنسانية.

إن أكبر ما يقيد حرية الفرد ويثير سخطه هو عدم قدرته على البوح حتى يصبح ضحية لثقافة الصمت التي جسدها الكاتب البرازيلي باولو فيريري في كتابه "تعليم المقهورين" من خلال حياة البؤس والفقر التي يعاني منها الفرد والسعي لتربيته تنمويا بخطط من التحرر والتغيير (1)، ليكون محورا أكثر فعالية في المجتمع وأقل ضررا كونه عالة مختلقة على ذاته المهملة وعلى البيئة المحيطة.

ربما يكون من العبث الحديث عن استحقاق عديمي الجنسية كبارا وصغارا، إناثا وذكورا للحياة الكريمة أو بالأحرى الحياة الطبيعية التي يستقر بها الفرد نفسيا كونه إنسان يقوم عليه المجتمع المبني على كل إنسان أساسا، بل بكل تأكيد هو عبث جلي فالحقوق المدنية جزء لا ينفصل عن الوجود لا سيما حق العمل وما يرتبط به من حقوق وحريات وضمانات كما تكفل بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المواد 23، 24، و25 (2)، لأن للإنسان قيمة والاستثمار فيه هو السبيل المنتج نحو التنمية المفقودة في هذا البلد.

استثمار الطاقات البشرية:

لو استرجعنا كل التجارب العملية في أكثر من قطاع للدولة سنجد النجاح حليف الكويتي البدون في كل عمل أو مهمة قدمها حتى لو كانت بعمل تطوعي دون جزاء كما حصل في جائحة كورونا وذلك ليس بغريب على أبناء الوطن حتى ولو كانوا بدون تلك الورقة الإثباتية التي تجردهم من التعامل الرسمي ولكن وبالطبع لا تنفي انتماءهم الحقيقي الذي لم يجعلهم مترددين في القيام طواعية من تلقاء أنفسهم بدورهم في تعزيز التكافل المجتمعي والاجتماعي من خلال الأعمال التطوعية والبذل في النوائب.

البراهين كثيرة جدا تتجلى في تجارب ميدانية حية أثبت من خلالها الكويتي البدون دوره الإيجابي الرئيسي وذلك على سبيل المثال لا الحصر ببذل الروح بكل بسالة وهي أغلى ما يملك الإنسان لدى نفسه وذلك في السلك العسكري بالحروب العربية وبالغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت، كما أن وزارة الصحة برهان آخر في تقديم أطباء وممرضين من عديمي الجنسية ساهموا في تحسين المنظومة الصحية خلال الجائحة بكفاءة عالية ورحمة ملائكية بالرغم من التباين الكبير في مردودهم المالي عن غيرهم من الأخوة الوافدين على أقل تصوير، ولنا أيضأ شواهد كثيرة بمجالات أخرى مثل التربية والتعليم، الرياضة، الإعلام والأدب والكثير من النجاحات المحققة.

في المقابل استفادت دول كثيرة أخرى من الطاقات المهدرة للشباب من البدون بعد كم كبير من الحرمان الذي يواجهه في بلده وبعد الكيفية الضارة التي تحد من إتاحة الفرص المناسبة لهم، حيث هاجر الكثير من عديمي الجنسية إلى بلدان أخرى وتفوقوا في العديد من المجالات في كل بقعة من الأرض استقروا فيها ماعدا أرض الوطن، حيث تكفل تلك البلدان حياتهم العلمية وتتكفل بحقهم العملي خارج إطار التمييز العنصري مبروزة بالتميز العصري والتقدم الحضاري، لعل أبرز تلك الطاقات هي تجربة الدكتور فواز العنزي بعدما أصبح بروفيسورا لأمراض القلب والباطنية بمستشفى جامعة ديوك في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي مجال الأدب نستذكر الشاعر الأديب علي المسعودي الذي تبنته دولة قطر، وفي مجال الرياضة تبنت دولة قطر أيضأ مواهب في عالم كرة القدم مثل اللاعب عادل لامي.

أما اليوم فالعديد من الطاقات البشرية من فئة المظلومين مجتمعيا من الكويتيين البدون يمتلكون مؤهلات علمية أو مواهب وقدرات بكفاءة عالية تعكس حبهم للعلم الذي يساهم في بناء المجتمع والتقدم المفقود للتنمية الاقتصادية والإدارية والعملية بشكل عام. فهل يخسر البلد هذه المناجم من البدون إما بالموت البطيء أو بالهجرة وعدم الاستفادة من أصحاب المؤهلات والكفاءات العالية والاتعاظ من تجارب سابقة لبلدان أجادت في اجتذاب الكويتيين البدون والاستثمار بالطاقة البشرية على أكمل وجه؟

قد يجتهد الشاب البدون في دراسته التي يجهد نفسه من أجل إتمامها أثناء امتهانه لأي عمل خاص يوفر منه عبء الرسوم الدراسية في الجامعات الخاصة أو حتى لو طرق باب الدراسة في الخارج مكلفا أسرته تحمل التكاليف الدراسية كاملة بعد تخلي المسؤولين في الدولة عن أبنائها في حقهم بالتعليم، فبعد كل هذا الجد والاجتهاد قد يصدم أخيرا عندما يصل رقمه إلى الصفر بترتيب استحقاقات التوظيف في ديوان الخدمة المدنية برفضه وظيفيا حتى لو ترشح أصلا من إحدى وزارات الدولة ليرجع حينها إلى نقطة الصفر ويعيش تحت خط ذلك الصفر اللعين الذي أسعده يومأ برقمه في ديوان الخدمة المدنية وقد ينتهي به المطاف بسبب ذلك للأذى الذاتي من عمليات الانتحار بأنواعها القاتلة سواء بدنيا أو نفسيا وإن كان على قيد الحياة أو بالأحرى على حياة مليئة بالقيود.

عوضا عن احتياج الكويت لطاقات بشرية محلية في مجالات عديدة مثل السلك العسكري، القطاع الصحي أو التربوي يمتلك أصلا الكويتيون البدون اليوم مؤهلات متنوعة ومواهب مختلفة سواء فنية، مهنية أو إدارية بتخصصات جامعية مثل تخصص تكنولوجيا المعلومات بجميع مساراته وتخصص إدارة الأعمال بجميع مساراته المحاسبية والتسويقية والتمويلية وتخصص الحقوق وغيرها أيضأ من التخصصات الأخرى التي يجب أن تستفيد منها قطاعات الدولة بخطة توظيف ممنهجة للكويتيين البدون كل حسب تخصصه لشغر المنصب الذي يناسب الطرفين في الاستفادة العامة وتطوير سوق العمل لبناء مجتمع حضاري آمن للمستقبل.

هنالك قطاع مناسب جدا للدولة أو لفئة عديمي الجنسية في الكويت على حد سواء وهو قطاع التعاونيات الذي سوف يتم التطبيق عليه في هذا البحث المتواضع "نظرية أوكون" الاقتصادية التي توضح العلاقة بين البطالة والخسائر في إنتاج أي بلد حيث تعتبر نظرية الفجوة هذه أنه في مقابل كل زيادة بنسبة 1% على معدل البطالة فإن الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة سوف يكون أقل بحوالي 2% إضافية من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل (۳).

كما سوف يتم دراسة هذه الحالة في فرصة التعيين بقطاع الجمعيات التعاونية من خلال تطبيق أداة ”PESTEL“ التحليلية (العوامل السياسية Politics، الاقتصادية Economics، المجتمعية Social، التقنيةTechnology، البيئية Environment، والقوانين Law) والتي تستخدم في تحديد القوى الخارجية الكلية التي تؤثر على القطاع والعوامل الخارجية التي قد تتغير في المستقبل من أجل استغلال هذه التغييرات كفرص أو إيجاد حلول للتهديدات المحتملة بشكل أفضل (4).

 

قطاع التعاونيات:

تنتشر في أرجاء الكويت أكثر من 72 جمعية تعاونية ولكل جمعية أفرع في المناطق التابعة لها وتشكل هذه الجمعيات قيمة أساسية ثابتة في دعم الاقتصاد الوطني إذ أنشئت في خمسينيات القرن الماضي، يملك أموالها المساهمون وتخضع لرقابة وزارة الشؤون الاجتماعية وتسعى الحكومة في إحلال الكويتيين محل الوافدين في هذا القطاع ولكن توجه الرغبة الحكومية في تكويت القطاع التعاوني يواجه عدة عقبات أبرزها سقف الرواتب وطبيعة العمل التي تنقسم إلى فترتين صباحية ومسائية وهي فترة طويلة مقارنة بالعمل الحكومي فضلا عن الامتيازات في القطاع الحكومي.

يستحوذ الوافدون لا سيما جنسيات معينة في غالب التعاونيات على الوظائف الإشرافية والإدارية والمهنية، ومن باب زيادة التنافس وتوزيع الخبرات للوصول إلى التطور الوظيفي والخروج من الركود التنافسي والتقدمي، ولمعالجة التركيبة السكانية التي تنادي بها الحكومة الكويتية بعيدا عن قطع الأرزاق وقريبا من باب الأولوية للأقربين ومع تزايد وتيرة المطالبات المتتالية في تقليل العبء الذي يقرع ناقوس الخطر على مرافق البلاد وأمنها الاجتماعي، وأيضا تقليصا لعمليات الفساد المتفشية في بعض القطاعات من فساد مالي وهدر المال العام أو من خلال الاتجار بالبشر الذي يزيد معدل الجريمة وتكدس العمالة والمشاكل المرورية وغيرها، وبسبب نفور الكويتيين من العمل التعاوني نجد أن فرص العمل كبيرة جدا في هذا القطاع لو ساهمت الحكومة في دمج البدون مع الإخوة الوافدين في العمل التعاوني بدلا من الاستقدام العشوائي من الخارج، كما أن الكويتيين البدون أساسا لديهم ما يكفي لشغر هذه الوظائف كالباحث القانوني أو الوظائف الإدارية والتقنية بسبب تنوع خبراتهم ومؤهلاتهم العلمية وحتى شغر الوظائف الأخرى والتي لا تستدعي وجود شهادة جامعية مثلا كالمناديب والمشرفين وغيرها.

سنستعرض دراسة تحليلية لوجود الكويتي البدون في العمل التعاوني من الناحية الاقتصادية والمجتمعية مقارنة بالأعباء الحالية التي تواجهها الحكومة من مشاكل البطالة للبدون وتزايد الاستقدام من الخارج كعمالة سائبة خارجة عن عقود العمل الفعلي.

   ·       من الناحية السياسية:

يعتبر عديمو الجنسية جزءا منغمسا بالتشكيل السكاني الكويتي ولا تؤثر زيادة أعدادهم سلبا على تركيبة الأمن السياسي للدولة فحتى في حال وجودهم بعدد كبير لا يعطي المواطن أو الحكومة شعورا بالسيطرة أو الاحتكار من فئة معينة كما برز مؤخرا من ردود أفعال تجاه العاملين بالجمعيات نتيجة سيطرة جنسية واحدة عليها لأن ذلك يؤثر على التنافس والتطور الوظيفي.

   ·       من الناحية الاقتصادية:

توفير مصدر دخل ثابت للكويتي البدون في ظل ندرة الوظائف وصعوبة الحصول عليها قد يخفف جزءا من المعاناة حيث يعتبر الكويتي البدون مواطنا من نواح عديدة حتى وإن كانت الأوراق الرسمية تنفي ذلك فإن ما يحصل عليه من أموال هي مساهمة منه داخل الدولة بسياسة التدوير المالي الداخلي على عكس الاستقدام العشوائي بتعاقد خارجي جديد والذي سيكلف غالبا أجور أعلى سيتم تحويل جزء كبير منها خارج البلاد مما يسبب بتقليل المنفعة المالية بالداخل وتكبد الدولة خسائر دائمة.

   ·       من الناحية الاجتماعية والثقافية:

يرتبط الكويتي البدون بعادات المواطن الكويتي وتقاليده وثقافته ولا يخفى على أحد وجود عوامل النسب والمصاهرة والصداقة والتي تجعل مرتادي الجمعيات التعاونية يشعرون بالأمان لعدم وجود غريب يشرف على إدارة أموالهم ومساهماتهم. يعتبر وجود الكويتي البدون في القطاع التعاوني وجود آمن ومقرب من الطبيعة الوطنية لمجلس الإدارة الكويتي وأيضا يحسن وجوده من العلاقة العامة مع المواطنين من مرتادي الجمعيات في بروز العلاقة الودية من خلال الشعور بالطمأنينة.

   ·       من الناحية البيئية:

لا يمكن تمييز الكويتي البدون عن غيره من المواطنين وهذا عامل هام في تحسين البيئة الداخلية للقطاع التعاوني ويجعله ذا طابع وزاري أو حكومي أكثر من كونها مجرد جمعية تدار بالعشوائية. أما بالنسبة للبيئة الخارجية فالتواصل الخارجي مع الشركات المنتجة ستكون أكثر سلاسة وفائدة من الناحية الإدارية والاقتصادية، كما أن الأعباء المرورية تتزايد مع تزايد استقدام العاملين الجدد من الخارج عكس التواجد الأصيل للبدون.

   ·       من الناحية القانونية:

لا يترتب على الكويتي البدون خلال عمله في القطاع التعاوني أي التزام على عاتق الجمعيات التعاونية من ناحية الإقامة أو معضلات قانونية أخرى قد تتسبب في هدر الطاقة والمال بمهام خارج قطاعها مما يزيد نسبة التكاليف العامة على الدولة.

 

التوصيات:

 *     تنسيق عقد العمل بالقطاع التعاوني للكويتيين البدون من حيث جعله تحت رقابة ديوان الخدمة المدنية ومنحهم الامتيازات الأساسية من مسميات وترقيات وإجازات وغيرها من حقوق العمل، وتحقيق الاستقرار الوظيفي من خلال تنظيم الرواتب التي يحصل عليها الكويتي البدون في عمله بالقطاع التعاوني مما يساهم بزيادة إنتاجية العامل والرغبة في الانضمام للعمل التعاوني.

 *     التوعية بأهمية العمل التعاوني ودوره المجتمعي من خلال العمل على زيادة تثقيف المجتمع تجاه العاملين وإبعاد النظرة الدونية المنتشرة لدى الغالبية في المجتمع تجاه بعض المهن، ودمج الكويتيين البدون مع أقرانهم من الوافدين والمواطنين لإحياء التنافس الصحي وتجنب الركود العملي وتحسين الأداء بإعطائهم الحق في التنقل بين جميع الأجهزة التابعة للقطاع التعاوني وعدم احتكارهم من جهة واحدة لإبعاد الطابع السياسي نحو تمركزهم في العمل التعاوني، ومنح مميزات من شأنها تجعل العمل في القطاع التعاوني ذا أهمية كبيرة وذلك من حيث منح الكويتي البدون الحق في المساهمة بالجمعية للحصول على المميزات الرقابية على أموال الجمعية والاستفادة من الأرباح والتي سوف تصب أخيرة في البلد نفسه.

 

المراجع:

  1.    باولو فريري، تعليم المقهورين، ترجمة يوسف نور عوض (بیروت: دار القلم، 1890)، ص 21.

  2.    https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights

  3.    Fabien. Tripier: The dynamic correlation between growth and unemployment. Economics bulletin.Vol.5. No.4.2002.

  4.                 ghomes,p. (2008). PESTEL. Available: http://www.scielo.br/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S1807-76922010000300006. Last accessed 2nd Dec 2013.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد