dark_mode
  • الأربعاء ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٤
البدون ثروة مهملة - شهد ساكت الشمري

البدون ثروة مهملة - شهد ساكت الشمري

لم تعش الكويت مرحلة مضطربة كالتي تعيشها حيث لا يوجد صورة واضحة لوضعيها الاقتصادي والاجتماعي تستند عليها خطواتنا، حكومة وشعبا. فمن الناحية الاقتصادية فإن دولة الكويت من الدول المعتمدة على نفطها اعتمادا كليا حاضرا ومستقبلا دون الالتفات إلى المجالات الأخرى كالصناعة والتجارة والذي قد يجعل الكويت مركزا سياحيا يجذب الأنظار ويحقق التعدد الاقتصادي والاستدامة المالية. كما وأشارت وكالة فيتش سوليوشنز أنه من المتوقع أن الإيرادات المالية من إنتاج النفط وصادراته ستظل ضرورية لتلبية احتياجات التنمية المستقبلية الموضوعة ضمن خطة 2035، وأن غالبية القطاعات غير النفطية الكويتية ما زالت في مرحلة مبتدئة ومن الصعب الاعتماد عليها. كذلك أمسى الاعتماد الشديد على العمالة الوافدة في القطاعين الحكومي والخاص معضلة لا طاقة لنا بها. إن الاستعانة بخبرات الدول الأخرى ليس خطأ فلا يمكننا تجاهل مجهودهم في سير عجلتنا وإنما الخطأ أن تكون نسبة الاعتماد عليهم تتجاوز 50٪ وأكثر! وهذا مؤشر خطير لعجز المجتمع وأنه رهينة للدول الأخرى وظروفها ونحن بصفتنا أفراده لسنا قادرين على أن نحقق الاكتفاء مستقبلا. بالإضافة إلى أن غالبية رواتب الوافدين لا تستثمر داخل البلاد بل تحول خارجا.

أضف على ذلك سوء تصرف السياسات بالتعبير عن نفسها؛ فتحذيراتها الأخيرة عن نقص الاحتياطي النفطي والتي لا يُعرف إن كانت ادعاء أم حقيقة ما هي إلا إثارة للتوتر السياسي والاجتماعي، فبدلا من أن تضع خططا وحلولا للمشاكل الحالية أثارت مسألة الاحتياطي النفطي كمشكلة أعظم لتخدير الوضع الحالي وتهدئته! فهل من المعقول أن تحل مشكلة بمشكلة! هذه الفجوة الكبيرة بين الحكومة والشعب تزداد يوما بعد يوم وأنتجت حالة مجتمعية مربكة من عدم الرضا والتذمر الدائم لدى الأفراد مما ينعكس على أدائهم وإنتاجهم في المجتمع. فلا شك أن السياسة تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على كل من الحالة الاقتصادية والاجتماعية. كما خلقت القرارات المتخبطة وغير المدروسة وسوء التخطيط والتنفيذ وسرقات المال العام وغيرها فجوات عديدة بالمجتمع الكويتي لا يمكن ملؤها بسهولة.

أما المعضلة الأهم والأخطر في المجتمع هي الفراغ الذي يعيشه فئة قليلة من الكويتيين وغالبية عظمى من الكويتيين البدون بسبب صعوبة توظيفهم وهم يشكلون جزء كبير من المجتمع لا يمكن صرف النظر عنه، وبعيدا عن كل ما يكابدونه من مشقة وضغوطات إلا أن الفراغ هو قنبلة موقوتة لدمار المجتمع الكويتي بأكمله وعليه تترتب مشاكل جسيمة أبلغها الجريمة والتي تتزايد بالكويت عاما بعد عام. كما أشارت صحيفة القبس عام 2019 إلى ارتفاع قضايا الجنايات عن عام 2018 بنسبة 9% بمعدل 15 قضية يوميا. وأكد مختصو علم النفس الجنائي للقبس أن المجتمع يعاني من خطورة نفسية واجتماعية تحتاج وقفة جادة من الجهات الحكومية بالتعامل معها بشكل علمي ومؤسسي. فإلى متى تهدر الطاقات الشبابية هكذا إلى أن تتفجر طاقاتهم في الجرائم والممنوعات، وكما قال الدكتور غازي القصيبي أن العمل لا يقتل مهما كان شاقا وقاسيا لكن الفراغ يقتل حتى أنبل ما في الإنسان.

ومما لا يستهان به ما نلاحظه من تدني مستوى التعليم المدرسي الذي تُبنى به العقول وبالعقول تنهض المجتمعات. هذا ما جعل عقلية اليوم تسوء عن عقلية الأمس وتُهدد عقلية المستقبل من أفكار مدمرة وتهاون بالقوانين وازدراء بعضنا البعض بالعنصرية وتضخيم سفاسف الأمور وإثارة الصخب عليها دون الاكتراث لمصلحة البلد الأهم ومستقبلنا القادم.

وبعد انتهائنا من شرح الوضع الاقتصادي والاجتماعي باختصار علينا أن نركز على أحد أهم الحلول التي ستساهم بنهضة البلاد. ولا يمكن أن توضع حلول إلا بالأدوات المتاحة للدولة فإذا تطرقنا لإهمال الثروة البشرية فإن اللفتة الأولى ستوجه للبدون وهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الكويتي وينتمي له بكامل ولائه. وعلى الدولة أن تستوعب التعسف الواقع على البدون وأنه أنتج ضررا مؤثرا على المجتمع بأكمله لا عليهم وحدهم لأن البناء إذا هدم جزء منه فسيهدم بالكامل. لذلك يجب أن تعدل القوانين أولا بالنسبة للفئة الكبيرة منهم غير الموظفة سواء الحاصلين أو غير الحاصلين على الشهادات الجامعية، والفئة الثانية الموظفين من أصحاب الشهادات وغيرهم. فإذا نُظر للبدون كثروة بشرية حقيقية فسنبدأ أولا بالتعليم فهو أساس النهضة الفردية والاجتماعية وعلى الدولة أن تفتح لهم المدارس الحكومية والجامعات دون شروط وتقييد لأن الحكم على شريحة من المجتمع بالجهل وسلب حقه التعليمي هو الجهل بذاته!

فإذا حُلت مشكلة التعليم فهذا يعني أنه تم إعداد أفراد مهيئين للعمل والإنتاج ومن ثم تفتح لهم مجالات التوظيف جميعها وهكذا تستطيع الدولة تقليل نسبة الاعتماد على الوافدين والتنويع الاقتصادي الذي يحتاج أيدي عاملة مضمونة وبالوقت ذاته فإن رواتب البدون تُصرف وتستثمر داخل الكويت حيث لا بلد لهم غيرها. وأثناء تنفيذ تلك الخطوات فإن مشكلتي البطالة والفراغ المؤديتان للجرائم تتلاشيان شيئا فشيئا. إن صنع فرد واحد جاهل وفارغ بالمجتمع هي جريمة عظمى بحقه ولأن البدون جزء ممتزج بالمجتمع الكويتي فنهضتهم هي نهضة للمجتمع بأكمله وانحدارهم هو دمار له. الدليل أن بعض الأطباء والأدباء البدون على سبيل المثال يكرمون على إنجازاتهم باسم الكويت بالمحافل الدولية وهذا يعني أن نجاحاتهم تسجل باسم الدولة والعكس صحيح. وقد صرح الشاب البدون الدكتور سعد الفضلي على حسابه الرسمي في تويتر قبل سنوات أنه بعدما منع من بيع الخضراوات على أرصفة الكويت هاجر وأصبح طبيبا في ألمانيا! وهكذا يتم تضييع ما بأيدينا من همم الشباب وقدراتهم.

أما بالنسبة لفئة الموظفين منهم فهي تعمل تحت ضغوط مادية ومعنوية كبيرة، تبدأ من تقديمهم على الوظيفة الذي يتطلب مراجعة لجنة البدون والتي ترفض توظيف الكثير منهم بسبب صلة القرابة التي تجمعهم مع بعض الأشخاص في دول أخرى! لم تسأل ألمانيا وفرنسا المهاجرين من أين أتوا ولكنها سخرتهم بما يحقق النهضة على الصعيدين الفردي والمجتمعي. لذلك يجب تقديمهم على الوظيفة عن طريق الديوان مباشرة دون دخول اللجنة كطرف ثالث! حتى لا يتم المماطلة دون فائدة أو الرفض لأسباب واهية. وما الحاجة للإطالة في حين أن سوق العمل يعاني من نقص في الكثير من التخصصات وهم على أكمل استعداد وجاهزية للعمل! لا سيما أن المصلحة المشتركة بين الموظفين والجهات المقدم عليها تقتضي إسراع توظيفهم وتسهيله لسد النقص وتحسين الخدمات. وبعد تعقيدات اللجنة إن لم يرفضوا فإنهم يوظفوا تحت بند العقود كالأطباء والممرضين والمعلمين والذي يتطلب تجديدا سنويا أو كل ثلاث سنوات للعقد في الوزارة، فلا معنى لكل تلك التعقيدات في حين أن الطرفين بحاجة لبعضهم وهذه المهن خاصة بحاجة للاستقرار النفسي داخل الوظيفة حتى يهيأ لهم الجو المناسب للبذل والعطاء. أما الجزء الآخر منهم فيوظف تحت بند (أجر مقابل عمل) فيقدم لهم أجرا زهيدا للغاية ولا يصرف شهريا فيتأخر نزوله لشهرين أو أكثر، فأيننا من قول رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه فهل يعقل أن يطالب هذا الموظف بأداء جميع واجباته على أكمل وجه وهو مسلوب أبسط حقوقه!

العمل بكافة التخصصات هو عقد قدم به الموظف كل ما يملكه من مهارات وخبرات وعلم مقابل أجر مالي يقدر حسب شهادته ومجهوده وساعات عمله والمسؤوليات التي يحملها لكن البدون لا يحسب له أي مما سبق فعلى سبيل المثال راتب المعلم البدون 420 دينار تقريبا وهو أقل بكثير من زملائهم الكويتيين والخليجيين والوافدين رغم أنه لا فرق في طبيعة عملهم فهم فعليا لا يطالبون بالزيادة ولكن يرفضون النقص. أما بالنسبة للترقيات ففي المجال الطبي مثلا تتطلب ترقية الأطباء والأخصائيين سنوات أكثر مقارنة بإخوانهم الكويتيين مما يثبط من معنوياتهم ويؤخر تقدم مهنهم. فما مصلحة المهنة بأن تجعل موظفيها بمستوى أقل مما وصلوا إليه ويستحقونه؟! رغم أن ترقية الموظفين وارتقاء مستوياتهم ينعكس إيجابا على مكان العمل ويوفر فرص لمن أقل منهم خبرة وعمرا لشغل مواقعهم التي انتقلوا منها. والحل الأمثل هنا أن تزيد فرصهم الوظيفية وتسهيل التقديم فيكون مباشرة بديوان الخدمة وزيادة الرواتب عما هي عليه ويخفف عنهم الضغط النفسي الوظيفي الناتج عن بعض القوانين كالتجديد السنوي ونظام الترقيات وتعسف اللجنة وتوقيفها لمعاملات الكثير منهم، وألا يوضع البدون بعد الخليجي والوافد في السلم التوظيفى؛ لأن أصحاب الجنسيات الأخرى إن لم يجدوا فرصة وظيفية بالكويت سيجدونها خارجا أما البدون إن لم يجد فرصة ببلده الكويت فسيعيش عجزه وفراغه وفقره بالكويت نفسها وليس من مصلحة الدولة أن تضم عددا كبيرة من العاجزين والعاطلين عن العمل.

وأود أن أنوه أن إنتاجية الموظف تزيد كلما هيئت له بيئة مناسبة ومريحة ونجاح الفرد الواحد هو الخطوة الأولى والأهم لرقي أي مهنة والمضي نحو مستقبل أفضل. ولو أردنا التحدث عن مهنة معينة على سبيل المثال كالتعليم فإن معلمين البدون يُشهد لهم بالتميز من قبل التوجيه الفني وعلى الوزارة ألا ترفض أحدا منهم لأسباب غير مؤكدة تدعيها لجنة البدون! لأن مصلحة التعليم وأبناء الكويت أهم بكثير من تعسف قرارات لجنة لا تعي خطورة تأثيرها. وبهذا سيقل عدد الوافدين ويحسن وضع المرحلة الابتدائية لا سيما الأطفال الذين يواجهون صعوبة في فهم لهجات الدول الأخرى وكذلك يكون المجتمع الكويتي معتمدا بنسبة لا تقل عن 60٪ في شغل كافة الوظائف بالدولة فتكون الكويت بذلك حققت لنفسها قوة داخلية لا تستند بها إلى بقية الدول هنا وهناك خاصة بفترة الأزمات. كذلك يفترض أن يشغل الوظائف في الأماكن الحساسة كالجيش والشرطة أفراد موثوقون كالبدون من الذين ساهم آباؤهم وأجدادهم بالجيش الكويتي في الحروب العربية وحرب التحرير.

ولعل الدولة تخطط لمشاريع تضمن لها التعدد الاقتصادي لتخفيف الاعتماد على النفط وذلك من خلال الصناعة والتجارة والمشاريع الترفيهية ويتم توظيف البدون في إداراتها لعلنا نوجه أنظار السياح لنا ونضمن الاستدامة الاقتصادية مستقبلا. وبالقضاء على الجهل والفراغ وتحسين التعليم والتوظيف ودمجهم في خطط الدولة التنموية سيكون ارتقاء البدون هو نهضة للمجتمع بأكمله. فهم فئة كبيرة لا يستهان بها حتى أن البلدان المتقدمة كاليابان إذا قصدت نهضة حقيقة تستثمر في الإنسان أولا لأن الثروات جميعها ستنفد إلا الإنسان هو الباقي. ولأننا نعيش معا ونخدم مجتمعا واحدا فإننا كالبناء الواحد ولا يقبل تركهم يقاسون كل تلك الصعوبات ويعملون مع هذا اليأس والضغوطات فإن انهيار طوبة واحدة في هذا البناء تعني انهيار البناء بأكمله.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد