dark_mode
  • الأربعاء ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٤
البدون حقل برقان العريق – عبد الرحمن عبود عيد

البدون حقل برقان العريق – عبد الرحمن عبود عيد

المقدمة: دائما ما كنت أرى في عدد أفراد البدون المهمش ثروة بشرية تعادل ثروة النفط في الكويت ما قبل اكتشافه، وتحديدا قبل تاريخ ۲۲ فبراير لسنة ۱۹۳۸ ذلك اليوم التاريخي لاكتشاف حقل برقان العريق.

فعدد الطاقات المهدرة كبير وتشبيه تلك الطاقات بالنفط الغير مكتشف ليس تشبيه قد تم تضخيمه ولكن في رأيي كان في محله، فإلى الآن لم يتم استغلال تلك الموارد البشرية وتنميتها بالرغم من كونه أمر هام وضروري، فالموارد البشرية ثروة حقيقية ورئيسية للأمم، والأمم المتقدمة أيقنت تلك الحقيقة، فأحسنت التخطيط الاستراتيجي، ونفذت برامج محددة لتنمية هذه الثروة البشرية على مدار عقود من الزمان، ونجحت فيما خططت ونفذت، وها هي اليابان خير شاهد على نجاح الاستثمار، وها هي الصين صاحبة المليار ونصف المليار من البشر تخطو بخطى ثابتة ومدروسة نحو قيادة العالم، من خلال هذه الثروة البشرية الهائلة، التي جعلت منها ميزة تميزها عن سائر الأمم، ولم تجعل منهم عبئا ثقيلا من ناحية هدر ثروة البلاد الاقتصادية من جهة أو شق الهوية الوطنية المقدسة من جهة أخرى.

 

إعادة اكتشاف حقل برقان العريق:

إذا تم قياس مشكلة غير محددي الجنسية (البدون) وطرحها على واقع المكان المتواجدة فيه نجد أن التأخير في إيجاد حلول جذرية قد تسبب بأزمة كبيرة لدولة الكويت خارجيا وتهديد عرش سمعتها الإنسانية، وكذلك داخليا من بعد التسويف الطويل في إيجاد الحل المطلوب.

قد تسببت مشكلة البدون بمشاكل عديدة للمجتمع، ولتسليط الضوء على بعض المشاكل الداخلية والتحدث عنها بتفصيل لنتحدث عن:

1-  مشكلة عدم استفادة الدولة من الكفاءات الموجودة بين البدون وكيفية إيجاد الحلول لتوظيف تلك الكفاءات.

2-  مشكلة الطاقة البشرية المهدرة بدون تعليم أو تدريب وكيفية الاستفاده منهم.

 

أولا: كفاءات البدون:

للتحدث بشكل عام عن تخصصات البدون الأكفاء أحتاج إلى شرح طويل، لذلك لنختصر هذا الجزء للتحدث عن قطاع الصحة في الكويت، وما يحمله من ثروات لم تكتشف إلى الآن من الأطباء والممرضين البدون. رغم الظروف الصعبة التي واجهوها وصعوبة التعليم والعراقيل العديدة التي كانت في طريقهم للوصول إلى حلمهم ها نحن كل سنة نرى تخرج كوكبة جديدة من الأطباء البدون من كل بقاع العالم قد سافروا لطلب العلم وحصلوا على شهادات عليا في تخصصاتهم بجامعات عالمية على حسابهم الخاص والعودة من بعد التخرج إلى الكويت في انتظار وأمل أن يطبقوا ما تعلموه في بلاد الغربة، وأيضا ها نحن نرى العديد منهم يسطرون معالم النجاح في المستشفيات وأماكن العمل بكل تفاني على الرغم من المشاكل التي يواجهونها أثناء عملهم. والمطلوب في هذا الجزء الآتي:

·       توفير جميع سبل النجاح لكل شخص أثبت كفاءته (من بداية الدراسة إلى التخرج).

·       تطويرهم من الجانب التعليمي وإرسال من نرى فيه الإبداع إلى الخارج للتطوير والتخصص.

·       تحفيز الجانب المادي لما له من دور مهم في نفسية الموظف (عدم تأخير الرواتب - المساواة مع الغير بنفس المجال).

·       الاستعانة بالعاطلين منهم عن العمل (لا فائدة من حرمانهم لأخذ دورهم في المجتمع خصوصا بعد كل التعب وطول المشوار للحصول على الشهادة والتخرج).

كل هذا سيساهم في تطوير القطاع الصحي لما له من أهمية قصوى على المجتمع وإعطاء كل شخص مجتهد نصيبه فها نحن نرى التطور العمراني في المستشفيات في البلاد وما تحتاجه من أيدي عاملة لتشغيله فلمَ توضع تلك العراقيل أمام الكفاءات البدون دون للاستفادة منهم لا سيما في ظل نقص الكوادر الطبية والمرحلة الحرجة التي نعيشها؟ خاصة أنهم أثبتوا خلال جائحة كورونا دورهم الوطني.

ولربط موضوع عنوان البحث بهذا الجزء نجد أن من هؤلاء الأطباء من حصل على شهادته العليا في تخصص نادر تفتقده الكويت والعديد منهم قد هاجر إلى دول خليجية وتم تعيينهم في مناصب بالمستشفيات الحكومية وقد حصلوا على مميزات عديدة، وبالتالي خسرتهم الكويت وكذلك هناك من الأطباء البدون من درس في كلية الطب بجامعة الكويت، ومن أصحاب التخصصات النادرة التي تحتاجها الكويت، وأكمل دراساته العليا في جامعات أجنبية، ولما لم يتم منحهم الجنسية الكويتية هاجروا إلى دول أجنبية، وحصلوا على جنسيتها. ولضرب المثال بالاسم نتكلم عن الدكتور فواز العنزي بروفيسور م. أمراض القلب والباطنية بمستشفى جامعة ديوك في الولايات المتحدة الأمريكية وخبير فحوصات القلب على المستوى الإكلينيكي والفيزيائي والبحث العلمي.

بدأ البروفيسور فواز العنزي دراسته الأولية في دولة الكويت وأنهى مراحل الطب الأولى والاختصاص بأمراض القلب والأوعية الدموية من جامعة القاهرة، ثم اتجه إلى الاختصاص الدقيق في فحوصات القلب والأوعية الدموية حيث بدأت المسيرة من جامعة ديوك الأمريكية العريقة واستقر هناك بعد ما وجد من بيئة عمل تلبي طموحاته وحياته.

وخلاصة هذا الجزء: ليتم حصد ما تم زرعه من سنين للأكفاء البدون نحتاج إلى توفير بيئة عمل صحية لهم لضمان نجاحهم، فيصبح العمل بوجودها أكثر إنتاجية وإيجابية، وأخيرا لتعم الفائدة على الجميع.

ثانيا: الطاقة البشرية المهدرة.

لطالما أثبت الموظف البدون مدى كفاءته وحبه وإخلاصه في العمل، فها نحن نرى تواجدهم في جميع القطاعات كالقطاع الحكومي في الصحة- التربية- الدفاع- الداخلية- إلخ، والقطاع الخاص في الأمن- شركات الاتصالات– الاستهلاكي- إلخ. ولكن للأسف توجد نسبة كبيرة منهم إلى الآن بلا عمل لما يواجهون من صعوبات في الحصول على وظائف، ناهيك عن الأزمة النفسية التي يمرون بها لما يعانونه بشكل يومي من حرمان من أبسط الحقوق نهاية إلى حق العمل مما يترتب عليه من ضغوطات ليست في مصلحة المجتمع كافة.

والمقترح المقدم في هذا الجزء الذي لطالما حلمت به هو إنشاء ميدان تنموي أكاديمي لتشجيع الفرد البدون وتهيئة الجو المناسب له، لتعلم تخصصات وحرف غير متوفرة في سوق العمل المحلي.

ومثال على تلك التخصصات: الحاسوب، مدرس كهرباء، مدرس ديكور، نطق وسمع، فيزياء طبية، إلكترونيات، نظم وتقنية المعلومات والأمن السيبراني، ميكانيكا، هندسة أجهزة دقيقة، آثار ومتاحف، هندسة زراعية، هندسة في السلامة، تربية رياضية، وفندقية، إلخ. ويرتكز هذا الصرح الأكاديمي على الآتي:

·       توفير الجانب التعليمي.

·       توفير الجانب الحرفي.

·       توفير الجانب النفسي.

·       توفير الحافز المادي.

وذلك يكون بمساهمة يقوم بها من يستطيع من المجتمع والشركات الكبرى وتتبناها الدولة، لتقديم الدعم المناسب للفرد البدون بشكل معين يهيئه لخدمة البلد التي ترعرع وعاش بها وهذا يعود بالفائدة الاقتصادية على الجميع.

 

 

التنمية الاقتصادية المجتمعية:

تحدث أحد الأبحاث عن التنمية الاقتصادية المجتمعية ودورها على استخدام الموارد المحلية بطريقة تحسن الفرص الاقتصادية بالمزامنة مع تحسين الظروف الاجتماعية بطريقة مستدامة. وتطبق مبادرات التنمية الاقتصادية المجتمعية غالبا للتغلب على الأزمات وزيادة فرصة المجتمعات المحرومة. ومن جوانب "توضیع الاقتصاد"، تكون التنمية الاقتصادية المجتمعية عملية متركزة على المجتمع وتمزج تلك العملية ما بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتدعيم الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات وقد تكون جزءا من مبادرة التنمية الاقتصادية المجتمعية المستدامة إيكولوجيا.

تعد التنمية الاقتصادية المجتمعية بديل التنمية الاقتصادية التقليدية والركيزة الأساسية لها هي: أنه ينبغي معالجة المشكلات التي تواجه المجتمع بطريقة شاملة وتشاركية- ومن أمثلة تلك المشكلات البطالة والفقر والفصل بين الوظائف وفقدان السيطرة على المجتمع.

فمشكلات مثل البطالة والفقر نراها منتشرة بشكل كبير في فئة البدون، وللتحدث عن البطالة نجدها من أخطر المشكلات التي تواجه اقتصادات العالم لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فالبطالة من الأمراض الاجتماعية السيئة بما تحمله من شرور تؤدي بالنهاية إلى تفكك المجتمع وتشويه القيم الأخلاقية وخاصة إذا كانت تنتشر بين الفئات العمرية القادرة على العطاء والتي تمتلك مخزونا من الطاقة الإنتاجية، حيث إن الإحصاءات العلمية توافقت على أن للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية والجسدية من حيث إن العاطلين عن العمل يشعرون بالفشل والإحساس بانخفاض قيمهم الاجتماعية مقارنة بالذين يزاولون أعمالا، كما أن البطالة تشعرهم بالنقص وتؤدي إلى الفقر والعداء تجاه المجتمع ثم الانحراف والسلوك الإجرامي بسبب عدم الرضا الذي يشعر به العاطل عن العمل والضغوط النفسية التي تسببها الضائقة المالية مما يؤدي إلى فقدان السيطرة على المجتمع.

إن دعم وتطوير الفرد البدون وفتح المجال له للمشاركة وخدمة المجتمع في العلم والعمل له أهداف اقتصادية ومجتمعية كبيرة جدا، كما كان آباءهم ممن خدموها بإخلاص على مر السنوات الطوال، هم على استعداد لخدمة بلدهم الكويت بكل حب وإخلاص متى ما أتيحت لهم الفرصة، وهنا يأتي دور من لهم القدرة على تطوير الاقتصاد والمجتمع وتنميتهما بإيجاد الحلول ووضع الخطط المناسبة، والعمل على تقليل نسب البطالة للبدون عن طريق المساهمة في تهيئة وتدريب الفرد البدون ليرتقي بالمستوى العلمي والتعليمي وكذلك إتاحة الفرصة للكفاءات الجاهزة المتدربة صاحبة الخبرة للعمل بشكل سليم، ليأخذ الفرد البدون دوره ومكانه الصحيح في المجتمع.

وختاما، عند تطبيق رؤية واضحة ذات أسس بناءة لحل مشكلة الطاقة البشرية المهدرة من الكفاءات البدون، سنجد مع مرور الوقت العديد من النتائج الإيجابية وتلافي العديد من المشاكل. عندها نقول نعم أنه تم اكتشاف حقل برقان جديد فهم ثروة تساعد الكويت في نهضتها وكذلك بناء غد أفضل لنا جميعا بدون استثناء.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد