dark_mode
  • الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
وباء كورونا وتوطين المهارات – م. ر. العنزي

وباء كورونا وتوطين المهارات – م. ر. العنزي

إنهاء انعدام الجنسية سيقوي المجتمعات في البلدان التي يتواجد فيها عديمو الجنسية، من خلال الاستفادة من طاقاتهم ومواهبهم. أنه واجب وفرصة للحكومات في كل مكان لوقف هذا العزل أنجلينا جولي، سفيرة النوايا الحسنة.

مع بداية وباء كورونا منذ نهاية عام 2019 وازدياد حالات الإغلاق والحجر ومنع الطيران وترحيل بعض العمالة لبلدانهم، ظهرت أزمة موازية لوباء كورونا وهي أزمة شح المهارات في العديد من المجالات المختلفة، وهذه المشكلة لم تظهر في أزمة كورونا فحسب، بل كانت واضحة وجلية خلال السنوات الأخيرة من خلال تردي الخدمات العامة وجودتها. سأحاول في هذا المقال تسليط الضوء على أهمية المهارات بشكل عام، وأهمية توطينها وعن علاقة المهارات والتوطين بقضية البدون بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، مراعاة للاختصار ستقتصر المقالة على توظيف البدون في القطاع الصحي.

في ظل عالم من التنافس الاقتصادي، زاد اهتمام الدول والمنظمات الاقتصادية بالبحث عن مصادر للمزايا التنافسية، رغم أن الدراسات أثبتت أن أهم المزايا التنافسية تندرج في التفوق التقني والابداع ومرونة القوانين ومن أهم عناصرها هو المورد البشري وما يمتلكه من مهارات وابداع يمكن من خلاله استباق المؤسسات الأخرى، مما يعني أن الأفراد ذوي المعرفة والذكاء والمهارات هم القوة الدافعة الرئيسية 1. ولهذا نرى بعضا من الدول بالرغم من كثرة مواردها المادية إلا أنها تعتبر من الدول المتخلفة في ركب الاقتصاد والتطور لأنها أهملت العديد من الجوانب وعلى رأسها المورد البشري وسبب تراجعها يعود لندرة المهارات والذي يكاد أن يكون العامل المهيمن وندرة المهارات يمكن تعريفها على أنها عدم وجود أشخاص لديهم مهارات معينة للقيام بمهمة مطلوبة سواء كانت هذه المهمات بسيطة كقيادة سيارة أو صعبة كالقيام بعمليات جراحية، فإن أهمية وجود أشخاص قادرين على القيام بها مقترن بحاجة المجتمع لها، وعليه تسعى الدول المتقدمة على دراسة سوق العمل واحتياجات المجتمع وتعديل برامج التدريب والقبول بالبعثات والجامعات لتوفير بعض التخصصات المطلوبة لتأهيل الأفراد للقيام بها. فلو تخيلنا على سبيل المثال أن البلد يفتقر للجراحين المتخصصين، فإننا سنضطر لإرسال كافة العمليات للخارج مما يترتب عليه طول فترة الترتيبات للسفر مما سينعكس على خسارة الناس لأرواحهم والضرر البالغ على صحتهم وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع، والحديث هنا ليس عن المهارات الصعبة فقط والتي تتطلب تعليما وتدريبا طويلا يستمر لسنوات عديدة كدراسة الطب، بل حتى على مستوى سائقي الشاحنات كما حصلت هذه الأزمة في بريطانيا حينما اضطرت لتغيير قوانين الهجرة لديها بعد خروجها من الاتحاد الأوربي للسماح لسائقي الشاحنات من القدوم إليها للعمل في توصيل البضائع المتكدسة من وإلى بريطانيا.

ويمكننا تعريف التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تستجيب لحاجات الحاضر دون أن تُعرِّض للخطر قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، ويعتمد تعريف هذا المصطلح على عنصرين وهما عنصر الحاجيات الأساسية للفئات الاجتماعية الأكثر فقراً في المجتمع والتي تستحق أن تتلقى اهتماما أكبر، وعلى عنصر محدودية البيئة في قدرتها على الاستجابة للحاجيات الحالية والمستقبلية للبشر تحت إطار عام لأنماط الإنتاج والاستهلاك والتقنيات المتاحة. وتعتمد تنمية القدرات البشرية على العنصر البشري لقيادة التنمية المستدامة، ولهذا يمثل الموهوبين من الطلاب والطالبات ثروة وطنية مستدامة، يفترض معها أن تكون هناك برامج تعمل على دعم التوسع في اكتشافهم في المجالات المختلفة، خاصة في المجالات ذات الأولوية. ويكون معيار الأولوية هنا قائم على احتياجات المجتمع الضرورية التي لولاها لتعطلت دورة الحياة الطبيعية فيها. وعلى أساسها تسعى الدول لتطوير وتدريب العناصر البشرية في هذه القطاعات الحيوية سواء في الأزمات أو في الظروف الطبيعية. ومع هذا فإنه مهما بلغ التدريب والتخطيط مداه قد يبقى هناك قصور وطني في بعض المجالات مما يضطر البلد إلى استقطاب المهارات من دول أخرى، سواء في المهن البسيطة أو المهن المعقدة والتي تتطلب تخصصا نادراً، ومن هذا المنطلق تحرص الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وغيرها على تخصيص نوع معين من التأشيرات لتسهيل هجرة العمالة الماهرة لها بما يسمى (Skilled workers visa)، الحرب الحقيقية بين الدول إما في تطوير وتأهيل وتدريب عناصرها الحقيقية أو من خلال استقطاب أفضل العقول والأيادي الماهرة من دول العالم لتوطينها والاستفادة منها.

وبما أن التنمية المستدامة تتطلب تحديد الأولويات أو الحاجات الأساسية، فإن وباء كورونا جعلنا نتعرف على أحد أهم الحاجات الأساسية للمجتمع وهي الصحة، والتي تعاني الكويت ترديا ملحوظا في الخدمات فيها ونقصا حاداً في المهارات الأساسية في الرعاية الصحية اضطرت الكويت (والتي تعتمد أصلا على العمال المهاجرين بشكل أساسي) إلى الاستعانة بطواقم طبية من كل أنحاء العالم مثل كوبا وباكستان وبنغلاديش التي تبيّن عدم كفاءتها، أو لأن دول العالم احتفظت بالكفاءات لنفسها لحاجة كل بلد لأطبائه وممرضيه وباقي العاملين في القطاع الصحي في ظل جائحة عالمية واستغنت عن العمالة غير الماهرة للدول الفقيرة بالمهارات اللازمة وهذا أمر متوقع وربما مقبول أخلاقيا أن يحتفظ كل شخص أو جهة ما بما تحتاجه وبما هو ضروري في ظل أزمات وكوارث طبيعية.

وانطلاقا من أهمية العنصر البشري وتنميته للقيام بمهامه في دورة عجلة التنمية، نجد أن الكويت التي يقطن على أراضيها أكثر من ربع مليون2 من عديمي الجنسية البدون إلا أنها تهمشهم وتمنعهم من المساهمة في التنمية المستدامة للبلد. ومن صور هذا المنع والقيود نجد أن الكويت لا تسمح سوى لـ 100 من الطلبة عديمي الجنسية للالتحاق بجامعة الكويت9 سنويا، مما يعني بقاء أكثر من 4000 طالب وطالبة متخرج من الثانوية العامة سنويا بلا تعليم جامعي بسبب قيود الجهاز المركزي المفروضة على البدون بل إن هذه القيود تمتد وتضع العراقيل أمام تعليمهم الأساسي في مراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وهذا الأمر عدا عن أنه مخالف لاتفاقيات حقوق الطفل والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإنها معالجة مضرة بالكويت ومجتمعها قبل أن تضر البدون أنفسهم، وكذلك ما نشهده من عرقلة توظيف حملة الشهادات منهم ومنع استلام رواتب من توظف منهم، بل وتلاحق القيود حتى من رغب في العمل الخاص منهم بعدم منحه حق التملك وحق إدارة أعماله ومنحهم الرخص اللازمة للعمل بشكل خاص بعيداً عن القيود في القطاع العام.

النظام الاقتصادي الحديث قائم على فكرة “Laissez-faire” 3 وهي فكرة تقوم على أساس رفع كل (أو معظم) تدخلات الساسة والمشرعين بتشريع قوانين وقيود على الاقتصاد وحرية الأفراد، فكل قيد على حرية الإنسان ستترتب عليه مشاكل وتعقيدات لا حصر لها ولها انعكاسات خطيرة على الاقتصاد وعلى أفراد المجتمع، فكيف إذا كانت هذه القيود على تماس مباشر بكل احتياجات الفرد الأساسية وحقه في التعليم والعمل! فبدلا من تحديد احتياجات السوق الكويتية للعمالة الماهرة في قطاع معين كالصحة مثلا، ودعم التدريب والتعليم سواء في التدريب المهني (في الوظائف الفنية مثل فني مختبرات، وأشعة، وتعقيم والتمريض العام) أو التعليم في مجالات الطب والتمريض بكل تخصصاته والعلوم الطبية، بحيث يكون لدينا عمالة ماهرة للحاجات الأساسية Must-to-have ونستقطب العمالة الماهرة للحاجات الأخرى بحيث نحقق اكتفاءً وطنيا في العناصر البشرية في مجتمع نكون قادرين فيه على مواجهة الأزمات العالمية أو حتى المحلية. لا سيما وأن دول العالم تستقطب الكفاءات والعمالة الماهرة لتوطينها في أراضيها خدمة لها ولنهضتها، وسط استقالات جماعية في قطاعات مختلفة من المتخصصين من وزارة الصحة لدول أخرى، لأننا كدولة فشلنا في استقطاب هذه المهارات وتوطينها.

ختاماً في ظل تنافس الدول في توطين العمالة الماهرة والتي تسعى الدول إلى توطينها إما من خلال منحها الجنسية كما في الدول الغربية أو الإقامة الذهبية كما تفعل الإمارات وغيرها من الدول، نجد أن العمالة الماهرة قد تهاجر في أول فرصة للخارج للحصول لا على عوائد مالية فقط، بل وللاستقرار الوظيفي والنفسي له ولأسرته من خلال ضمان جنسية من دولة غربية تضمن له حقوقه وحرياته، مما سينعكس على جودة الخدمات والمنتجات في الكويت بسبب هذا التسريب، وهذا شيء ملموس في معظم القطاعات في الكويت بحسب المؤشرات العالمية. وكذلك في ظل المخاطر العالمية سواء أكانت حروبا أو أوبئة أو كوارث طبيعية قد تحرمنا من حاجاتنا الأساسية وتعطل وتعرقل احتياجات المجتمع في حال امتناع أو هجرة العمالة الماهرة لبلدانهم الأصلية. يتضح جليا لنا أهمية احتواء عديمي الجنسية ورفع كافة القيود عنهم لما فيه من الخير المباشر للمجتمع الكويتي واقتصاده وتطور خدماته وجودتها.

                                                                               

______________________________

المراجع

1.    د. قطاف فيروز ود. شنافي نوال، دور المهارات في تحقيق ميزة تنافسية للمؤسسة الاقتصادية، المجلة الجزائرية للاقتصاد والمالية، العدد 4 سبتمبر 2015.

> ]تم الدخول عليه بتاريخ 16/02/2022[.

2.    Hrw.org. 2022. THE BEDOONS OF KUWAIT. [online] Available at: [Accessed 16 February 2022].

3.    Gaspard, Toufick. A Political Economy of Lebanon 1948–2002: The Limits of Laissez-faire. Boston: Brill, 2004. ISBN 978-9004132597

<، ]تم الدخول عليها بتاريخ 18/02/2022[.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد