dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
حارس أمن! - محمد سالم

حارس أمن! - محمد سالم

  • قبل الكلام:

    نشرت في أغسطس 2012 مقالًا في مدونتي الشخصية بعنوان: (تبحث عن وظيفة؟ لا تفعل!)

    وقتها كان الدافع -وما زال- تزايد أعداد أبنائنا خريجي الثانوية العامة الذين، على الأغلب، لا يعلمون ما يفعلون في حياتهم، وأين يتجهون، وكيف.

    أعيد نقل أفكار ذلك المقال بلغة أبسط مخففًا من التعريفات والتنظير مركّزًا على الأمثلة.

    في عام 2012 توقعت أن النموذج المستقبلي سيكون العمل من البيت. لم تفاجئني الجائحة، فهئندا، منذ عام 2015، أعمل من البيت.

    (ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟)

    هذا السؤال الذي حصلتَ بعد إجابته على كثير من التشجيع، لا بد وأنك تعرف الآن أنه كان لا معنى له. خاصة بعد التشجيع الذي حصلت عليه دون تحضير لما يمكن أن يعترضك!

    وحتمًا لم تُجِب: حارس أمن، أو بائع خضار، أو مشرفة في حضانة أطفال أو سكرتيرة.. أليس كذلك؟

    (لا تفهموني غلط). أي مهنة شريفة هي مهنة. ولكن هل هي (مهنة) أو مجرد وظيفة؟!

    أما قولك إنه الخيار “الوحيد”، فهذا غير صحيح، وسأسوق بعض الأمثلة.

    (تقدر تشتغل حارس أمن)، لا شك، لكن هل يا ترى يتوافق هذا العمل مع قدراتك البدنية ومهاراتك العقلية وتطلعاتك الوظيفية؟

    أهذه الوظيفة هي (حلمك) الفعلي؛ فأنت خبير في فنون الدفاع عن النفس، لديك حس أمني، أو خبرة أمنية معينة، وتحب بأن تكون الوظيفة بوابتك للتخصص والترقي والوصول إلى مجال التدريب عليها، أو بدء خط حماية المؤسسات والشخصيات كعمل خاص أو متخصص؟

    هذا هو الفرق بين (المهنة والحرفة) والوظيفة:

    من يمتلك صوتًا جميلًا لن يترك فرصة لتعلم العزف على آلة معينة، ويحاول -وإن على أضيق نطاق- استثمار موهبته والمحافظة عليها وتطويرها، حتى ولو اقتصر الأمر على الإنشاد بين العائلة والأصدقاء.

    المثال السابق نموذج للقدرات التي تدفع صاحبها دفعًا إلى تجويدها واستثمارها، وكل إنسان منا لديه طاقات كامنة ومهارات، قد تكون ظاهرة أو غائبة عنه. وتحتاج إلى تحريك.

    إلى متى وأنت (حارس أمن) أو (كول سنتر) أو موظفة حضانة؟

    حارس الأمن مثال على الحالة، وحتى لا يظن حراس الأمن أني أستنقص من شأنهم أو أستهدفهم بشكل خاص، سأستعدي أيضًا بائعي الخضار!

    عزيزي بائع الخضار في الشارع تحت الشمس: هل تظن أن هذا النموذج مستدام؟ أو آمن؟ ما هو مستقبل هذا العمل؟

    أنا لا أحبطك، ولا أقول لك أن ما تفعله غير مجدٍ، فهذه خبرة مهمة: التعرف على أماكن الشراء ومقارنة أسعارها، ونقاط البيع، والمحافظة على البضاعة وفترات تخزينها وتصريفها. ولكن ماذا بعد اكتساب الخبرة -على افتراض أنك تحب ما تفعل، وتفعله بإقبال واندفاع؟

    هل ترى، بعد أن تكتسب المزيد من المعرفة والخبرة وتكبر في العمر وتتعب من الجلوس في الشارع تحت حر الصيف، إمكانية للانتقال إلى تجارة الجملة مثلًا؟

    هل تستطيع مثلًا تكوين شبكة مع أصدقائك من 20 موزعا ميتقًا ابتداءً، تقومون بتوصيل الإنتاج الزراعي المحلي الطازج والموسمي عالي الجودة إلى المنازل مباشرة بأسعار تنافسية؟

    أم تأخذ عملك أبعد من ذلك فتصبح المورد الأساس لمحلات العصير وتجهيزات المناسبات مثلًا؟

    هذا ما أعنيه بالنموذج المستدام، والخبرة المبنية على التخصص، وحب نوع ما من العمل. 

    العناية بالمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وحضانات الأطفال مهن أساسية ونادرة. ولكن إن لم تتوفر مؤسسة محترمة تقدر جهود العاملين، وتسلمك أجرك على أساس عادل، فلا داعي لتضييع الوقت فيها. إن كنت فعلًا مختصًا وتعدُّ نفسك موهوبًا في هذه المهنة ولا تستطيع التفكير بتركها، فيمكنك العمل على مشروع خاص أو التقدم للهجرة في آخر المطاف، إن وجدت الطريق مسدودًا تمامًا؛ فهي مهن مطلوبة بكثرة في الخارج، طالما لن تحصل على الإنصاف والفرصة إلا هناك.

    أن تكون لديك عربة بقالة أو مأكولات فهي هواية جميلة، لكنها لن توفر دخلًا محترمًا يكفي أسرتك إلا إن كنت توفر طعامًا استثنائيًا. إن كنت تعمل في هذا المجال فبالتأكيد تعلم أن هناك عربات طعام ومختصين في تدخين اللحوم -على سبيل المثال- توضع مواقعهم على خرائط السياحة وزيارة بعض المدن، وهذا النموذج مستدام إلى حد أنها عربات تعمل منذ عشرات السنين.


    الوظيفة Expired! – انتهت صلاحيتها

    أقول أيضًا إن هذه الوظائف ليست الخيار الوحيد.

    علينا، نحن بالذات، أن نفهم أن (الوظيفة) انتهت في العالم المعاصر، وحلت محلها (الحرفة) و (المهنة) و (الخبرة) و (الكفاءة).

    لا مانع من تبديد بعض الوقت في وظيفة لا تحبها. لكن بشرطين: التخطيط لأن تكون هذه الوظيفة (مؤقتة)، ويكون عندك خطة تساعد هذه الوظيفة في الوصول إليها.

    مثال: العمل كحارس أمن لفترة محددة للتمكن من تسديد رسوم الدراسة الجامعية.

    ما عدا ذلك، أنت تبدد عمرك وطاقاتك وأعصابك في نفس الوقت!

    حارس أمن أو بائع جوال، وظائف كهذه لا تختلف، بالنسبة إلى مجتمعنا، عن طبيب بشري أو ممرض أو مهندس أو طبيب أسنان.

    مطلوب من كافة المتنعمين منا ببعض المهارات والكفاءات السعي للتميز وعدم الاكتفاء بالمتاح. إن كانت اهتماماتك الطب البشري، فلن تكفيك الإجازة والزمالة، بل حتى التخصص النادر قد لا يكون كافيًا!

    وإن كنت لا تصدق ما أقول، جرب الاطلاع على مواقع الهجرة للدول المتقدمة، وتعرّف على الوظائف المطلوبة في عالم اليوم، والتي لديها فرصة في المستقبل.

    هذا هو الفرق الجوهري بين المهنة والوظيفة، بالإضافة إلى فروقات بات يعرفها الكثير من شبابنا الذين يمارسون ما لا يحبون، مجبرين عليه جرّاء الإرهاق، والإجهاد النفسي، والعصبي، والقلق، والإحباط، بالإضافة إلى ضعف الدخل.

    ما أقترحه هو العمل فيما تحب حتى لا تضطر للعمل أبدًا، فيكون كل عمل ضمن اهتمامك ومهاراتك كالهواية الممتعة التي تقبل عليها وتبدع فيها، ومن يدري؟ لعلّ في هذا الإقبال والمعرفة خيرا كثيرا لك.

    وما أركز عليه في هذا المجال هو التخصص.

    بقي التسويق. فـ "كيف تسوق نفسك" مهارة مختلفة كليًا. وأنت تعمل على تجويد ما تفعل وما تصلح له، ستتحرك مهارات التسويق لديك بشكل تلقائي، ولن يعوزك إلا القليل من مهارات التسويق الخاصة، وربما بعض التمويل المحدود. ولنترك ذلك لوقته. إلا أنك مع الوقت ستدرك أن أسوأ شيء يمكن أن تكتبه: بدون يبحث عن عمل!

     

    العائق الأصعب، سهل التجاوز!

    العائق الأهم أمامنا جميعًا هو المؤسسة: وجود مؤسسة توافق على تعيينك، واشتراطات وموافقات وإجازات تصدر عن مؤسسة أخرى لتتمكن من مزاولة العمل الذي تختاره، واشتراطات تضعها مؤسسة أخرى للراغبين في التقدم لمثل هذا العمل.

    المؤسسة قيدٌ يضيّق فرص حصول البدون على عمل مناسب. هكذا نرى العديد من شبابنا يكتبون بإحباط: هذه شهادتي معلقة على الجدار، أو نائمة في الدرج، دون فائدة.

    كما أن الحكومات، في كل العالم، تصغر وقطاعاتها يجري تخصيصها، وتخفّض عمالتها. والحكومة عندنا بدأت بالفعل تشجّع المواطنين على الاتجاه للقطاع الخاص.

     

    حتى لا نبتعد كثيرًا.. أمثلة:

    إن كنت تقرأ هذه الكلمات فلا بد أن يكون بين يديك كمبيوتر صغير، وهو بالفعل بين أيدي معظم الناس. فما الذي يمنع من التعرف عليه أكثر وإتقانه والتخصص فيه. لا شك أنه سيبقى بين أيدي الناس طويلًا كأداة إنتاج أو عمل أو تسويق.


    * الطباعة (صف الحروف والتنضيد):

    يمكنك أن تبدأ بدراسة التنضيد (الصف والإخراج). فلا شك أن هناك من يحتاج لطباعة مادة مطولة بسرعة، وفي موعد محدد. وأنت تجيد استخدام أصابعك.. أليس كذلك؟!


     * ماذا عن البرمجة؟

    تصميم البرامج والألعاب للكمبيوتر أو الأجهزة المحمولة لا تحتاج موافقة أحد عدا متاجر أبل وجوجل. هذه أبواب لأيدي الملايين من الناس ومحافظهم! (لا أرمي إلى تهكيرها أبدًا). والطريق لإتقانها يسير في جامعات مفتوحة على الشبكة ومواد متاحة على يوتيوب وبعض المنتديات.


     * الإخراج والتصميم:

    وإن لم تكن مهتمًا بتصميم البرامج، فقد تكون مهتمًا بتصميم المطبوعات أو الصوتيات والمرئيات. هذا عمل يمكن التميز فيه من خلال مؤسسة أو خارج المؤسسات كمبدع مستقل. ناهيك أن المهارات السابقة تساعدك في المهنة اللاحقة.


     *  صناعة المحتوى وإدارة وسائل التواصل:

    هذه المهنة لم تكن بهذا الانتشار حين كتبت المقال الأساسي في عام 2012، فماذا عنها الآن؟ إن كنت مهتمًا فعليك الدخول فورًا، فلا تدري ماذا يمكن أن تكون اتجاهات العمل غدًا… وعليك تعلم المرونة في اكتساب المهارات، وتوظيفها بالسرعة الكافية.

    •  تصميم المواقع وصيانتها.
    • (هندسة الكمبيوتر، تركيب وتجميع الأجزاء، صيانة الهواتف المتنقلة والأجهزة الذكية وبرمجتها..الخ)
    • التصوير بشقيه الصحافي والفني وبنوعيه الفوتوغرافي والسينمائي.
    • الكتابة الفنية والكتابة المتخصصة: ما زلنا إلى الآن نعاني ندرة كتاّب العمود الصحفي من كويتيين، وكويتيين بدون، علاوة على ندرة الكتّاب اللامعين. هؤلاء يعدّون مؤسسات إعلامية بذواتهم.
    •  الترجمة المتخصصة.
    • الرسم الفني والتشكيليين علاوة على التعامل مع تطبيقات الرسم ثلاثي الأبعاد المواكب للأفلام الكارتونية أو الألعاب الإلكترونية.
    • صيانة المعدات.
    •  التمديدات الكهربائية.
    • مقاولات البناء والمسح الارضي.
    •  تصميم الأزياء: الهوت كوتور مهنة راقية ومرغوبة ولا ترتبط بسن أو جنس ولها آفاق واسعة سقفها العالم، فلا تقف عند إتقان الخياطة فقط بل اقتحم مجال الاحتراف.
    • رئيس الطهاة: برغم أن القطاع الفندقي هو قطاع مغلق وله جامعاته ومعاهده الخاصة إلا أن الطاهي المميز مرحب به للعمل في أي من الفنادق أو المطاعم العالمية وفقًا لإمكاناته وإبداعه.
    • تركيب العطور: كن متميزًا.
    • قطاع العقار: البيع والشراء والتأجير وخدمات الصيانة.
    • صالونات الحلاقة الراقية للرجال وصالونات المكياج للسيدات.
    • هندسة الصوت وهندسة الصورة و "الدي جي".
    • الطهي وإعداد الحلويات.


    الزبدة:

    آلاف الحِرف تنتظرك. إن كنت لا تعرف قواك ومهاراتك الكامنة بعد، فيمكنك سؤال أهلك وأقاربك وأصدقائك. بعضهم يعرفونك أكثر من نفسك.

    لا تضرب رأسك بالجدار، ولا تستسلم لمصاصي الدماء.. فتّش في مهاراتك الخاصة واعمل على تطويرها بالدراسة والبحث وحاول استثمارها. تعرّف على نفسك قبل البحث عن (وظيفة) جامدة تقتل فيك الشغف والإبداع وتسلبك الحياة قطرةً قطرة.

    بالتوفيق لك.


    يمكن الرجوع للمقال الرئيسي، إن رغبت.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد