dark_mode
  • الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
بيــوت بــدون نوافــذ! - بشائر

بيــوت بــدون نوافــذ! - بشائر

*الرسمة لإيمان الفهد.

‏لا زلت أذكر صدى ضحكات الأطفال عندما سمعوا إجابتي لسؤال معلّمة الفصل: "عن أحلامكم وماذا تتمنون؟" وكانت إجابتي: "أن يكبر بيتنا وتصبح لدينا نافذة".

‏بسذاجة الأطفال هكذا أجبت!

‏ظننتُ أن البيوت تكبر مع أصحابها، وأن بيتنا الصغير سيصبح مثل البيوت الشاهقة التي كنتُ أراها خارج منطقتنا، تلك البيوت التي تعلو وتعلو إلا بيتنا لا يزال صغيراً، مثله مثل البيوت المصفحة التي كل شبر فيها مستغل جيداً من أصحابه، ويشغل كل شبر فيه حيزاً من الألم والأمل، البيوت التي تحمل بداخلها الكثير من القصص والطموح ودعاء الأمهات والأحلام الصغيرة، لكن الأحلام تُقتل في مهدها قبل أن تكبر، وتحلّق خارج النوافذ، فكيف بالبيوت التي (بدون) نوافذ!

‏نعم هي بيوت حديدية -حقيقةً- متشبثة بأرضها، شامخة رغم صغر حجمها، لها تاريخٌ أكبر من تلك القصور الكبيرة، شهدت الكثير وصمدت رغم كل العواصف الهوجاء والفيضانات التي كادت تغرقها إلا أنها نجت! كأنها تشبه أصحابها، هل فعلاً البيوت تشبه أصحابها؟

‏هل تهرم وتموت مثلنا؟ أم أنها باقية شاهدة على كل ما حدث ولم يحدث؟!

‏كنت أتسلل خلسةً في بيتنا بعيدًا عن الأعين، وأُمسك الطباشير وأرسم نافذة على الحائط وأغمض عينيَّ وأتخيل مرور أشعة الشمس إلى داخلي لتحمل روحي خارج هذه العتمة، إلا أنه لم تكن هناك سوى العتمة والوهم!

‏لم أفهم معنى كلمة نافذة تمامًا إلا عندما توغّلتُ في الحياة، فرأيتُ أنها ليست مجرد شكلٍ أو ضوءٍ ينفذ إلينا أو نسمة هواء نتنفس من خلالها، فهمت معناها الحسي جيدًا؛ لأنني حتى عندما كنت صغيرة كنت أُخطئ فيها لفظيًا بقول (نافدة)؛ كأنني أُهيِّئ نفسي للصبر الذي سينفد مني مع مرور الوقت!

نفذ فيّ الظلم قهراً بالتمييز العنصري، وتنفست رائحة الكره والاحتقار عمداً مع سابق الإصرار والتّرصّد، وكأن ما حلمت به يتخطّى حواجز شكلها المربع، أو حتى إن كانت مثلثة الشكل أو أيًّا كان شكلها.. لا يهم! فحلمي ما زال مستمرًا، وتكفيني هذه النافدة وتُبقيني بعيدًا عن خارجها، تُغنيني عن نورهم الوهمي المتلوّن بألف نور من الإنسانية، أو من هوائهم الذي تنفذ منه رائحة العنصرية النتنة.

‏لقد هشموا زجاج نوافذنا قبل أن نراها، وجعلونا هوامشَ دورها الثانوي يقتصر على ذكر مصدره، نحن المصدر لا المرجع يا سادة، تذكروا ذلك!

‏ المهشّم المهمّش في بيوت بلا نوافذ..

‏نعم.. البدون هو المهشّم مهما حاول أن يتلاحم، ومهمّش في أطراف صفحاتهم لا يذكرونه إلا عند الضرورة القصوى، ومن ثمّ يرجع إلى الهامش حيث وضعوه هم، لا نحن!

‏لكن بيوتنا تحتاج جدّا إلى نوافذ كي ننفذ منها عنهم!

‏وما زال بيتنا صغيرا لكنني لم أعد صغيرة، كبرتُ وكبرتْ أحلامي، وأنا حتى الآن.. أتمنى بيتا بنافذة!

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد