dark_mode
  • الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
أحمد العونان والضحك من أجل القضية - شيخة البهاويد

أحمد العونان والضحك من أجل القضية - شيخة البهاويد

«جوازي ٧ صفحات، ٤ صفحات إرشادات، وصفحة كلمة وزير الداخلية، وقاعد أطقطق بالصفحتين، لي ختم على الصفحة كأنه طاقني بسكين»

       أحمد العونان من مسرحية «كشتة»

منذ فترة ليست ببعيدة، على الشاشات الكويتية، والرسمية منها بالأخص، يُمنع بشكل صارم التطرق لقضية البدون، أو حتى الحديث عنها بشكل عابر. لا ننسى أبدًا المقطع الذي حُذف من مسلسل «العافور» للفنان الراحل عبد الحسين عبد الرضا أثناء عرضه على تلفزيون الكويت والذي تطرق فيه إلى عبارات قليلة عن أحقية البدون في التوظيف، وغيرها من المشاهد والأعمال الفنية التي تُمنع فيها أي إشارة إلى هذه القضية الأهم في الكويت.

على الجانب الآخر فإن المسرح له مساحة أكبر في حرية تناول هذه القضية، ولأن المسرح الكويتي مسرح كوميدي ذو خط واحد فليس هناك مجال للتناول الجدي للموضوع، لكن هل يجب أن يكون التناول جديًا؟ وهل المقالات والندوات والحملات والاعتصامات الجدية أدت غرضها؟

الكوميديا منذ ظهورها في التاريخ البشري استخدمت كسلاح للحديث عما لا يمكن الحديث عنه تراجيديًا، أو لإيصال فكرة يصعب إيصالها في الفن الجاد سواء لثقل هذا النوع الفني وقلة جمهوره أو لرقابة صارمة تركز الضوء عليه.

بالضحك يمكننا دائمًا الوصول لأكبر الشرائح الممكنة من الناس بفئاتهم المتنوعة، وبالسخرية يمكننا هدم أصنام وكسر حواجز وإلحاق إيجاع ناعم لقضايا ضخمة.

في قضية البدون على المسرح الكويتي، يبدو لي أن الفنان أحمد العونان يقدم دورًا مهمًا قد يدري أو لا يدري عن أهميته، العونان عبر الضحك حول أحوال البدون وما يواجهه بصفته ابن القضية والمواقف التي تحصل له، ينقل الخطاب من كونه مأساة إلى كونه مهزلة.

خطاب المأساة الإنسانية وعرضها طوال الفترات الماضية لم تجدِ نفعًا، ولم تفد قضية البدون إلا على مستوى إنساني وخيري ضيق يتمحور حول التعاطف وتقديم المساعدات من المجتمع وحديث الساسة عن القضية باعتبارها أمر محزن في كويت الإنسانية.

خطاب المهزلة يشرح القضية ويكشف التفاصيل اليومية الغريبة التي يواجهها الفرد البدون، ويجعل ممن يملك إصدار هذه القرارات أضحوكة لتفاهة ما يقترفه.

في مشهد آخر من مسرحية «كشتة» يدور حوار حول الجهاز المركزي للبدون ويتحدث العونان عن رئيس الجهاز قائلًا: «هذا يوصل البدون لي السيارة ويبوس راسه، يقوله أمانة أي حلم مو زين أو كابوس بلغني، محتاج مصرف محتاج شي أمانة، ويبكي، دق علي مرة بالليل قال ها كم درجة حرارتك؟ قلتله ٣٨، قال أشوه لي صارت ٤٠ دق علي طمني».

مثل هذه السخرية من قسوة الجهاز المركزي وضغطه على البدون بقيادة رئيسه السابق، أكثر إيصالًا للفكرة بعشرات المرات من الندوات والمقالات. شرائح عمرية تتابع مثل هذه الأعمال الفنية ليس لديها اهتمام بالأحداث السياسية، وتفتقد للكثير من المعرفة بتفاصيل ما يحدث، قد لا تكون معرفتها بقضية البدون إلا كونهم مجموعة من الأشخاص المفتقدين لأوراق رسمية ويعانون الفقر، دون فهم لمسألة القمع المؤسسي، وبالسخرية يصلهم فهم أعمق مما يقدمه المفكرون والساسة والمثقفون.

الدور الذي يلعبه العونان في المسرح بتناول قضية البدون في كل عمل مسرحي له يطبّع وجود البدون في ذهنية الأفراد من الجمهور المتابع، حيث يعمل على تكريس وجود البدون كجزء من المجتمع في العقل الجمعي وسط محاولات الدولة للعزل الاجتماعي عبر إبعاد المناطق السكنية لهم وإخراجهم من المدارس الحكومية وغيره.

قد يبدو هذا التحليل كأنه يحمّل الفنان أكثر مما يحتمل، وقد يكون ما يقدمه أبسط مما يتناوله هذا التحليل، لكن هناك أهمية شديدة العلاقة بجوانب أخرى للقضية بخلاف طرحها في الخطاب الشائع.

أثناء عملي مع بعض الزملاء المصريين في مصر، والذين لا يتابعون القضايا الخليجية مُتابعة كبيرة، ولم يزوروا الكويت من قبل، كنت أتابع مسرحية «مبروك ما ياكم» في وقت الاستراحة من العمل، ظهر أثناء ذلك مشهد يدعو فيه أحد الممثلين للبقية لأن يكونوا من المؤمنين، فيؤمّن الجميع بعده «آمين»، والصالحين، ويؤمّنون «آمين»، والكويتيين، فرفع العونان صوته وحيدًا «آميييين».

المفاجأة هنا أن الزملاء المصريين جميعًا ضحكوا، كان استغرابي شديدًا، هل فهمتم المقصد؟ قال أحدهم: طبعًا يقصد أنه بدون.

لا يتابع هؤلاء من خارج الكويت قضايا سياسية تخصنا، يسمعون عن كلمة «بدون» بين حين وآخر كقضية يتحدث عنها الكويتيون على السوشيال ميديا، لكن العونان، وحده، استطاع أن يوصلها إليهم ضحكًا، تبعها أسئلتهم لي عن وضع أصحاب القضية.

يفعل الضحك ما لا تفعله الفلسفة.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد