dark_mode
  • السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
آد هوك - د. فايز الفايز

آد هوك - د. فايز الفايز

إن لم تكن لديك خطة، ستكون جزءًا من خطة أحد ما – تيرينس ماكينا

قد يختلف البعض في مدى أهمية التخطيط، وقد يرون أن التخطيط ضروري للحكومات والشركات الكبرى من باب أنه كلما ازدادت مسؤولياتك وحجم ثرواتك، ازدادت بالضرورة حاجتك لخطة مُحكمة قادرة على إدارتها واستغلالها الاستغلال الأمثل وتفادي الخسائر. قد يبدو هذا الاستنتاج منطقيًا ولكن حاجة الطبقات المتدنية من الشعوب للتخطيط أهم وأكثر إلحاحاً من حاجة الطبقات العليا من المجتمع، وذلك أن الطبقات العليا للمجتمع وإن لم تخطط فإنها تستند على وسادة من الثروة تجعل تأثرها من سقوطها أقل حدة وضررًا، في حين أنّ فشل الطبقات الدنيا من المجتمع من ذوي الدخل المحدود بشكل عام وعديمي الجنسية بشكل خاص سيجعل من سقوطهم أشبه ما يكون بسقوط شخص لا يكسو جلده سوى العظام فوق سطح من الكونكريت. ولهذا نرى لجوء البعض للانتحار في أول أزمة مالية أو اجتماعية يمر بها، لأنه فعليا نفدت ذخيرته من الصبر والتحمل في وسط "يخطط" فيه الآخر لجعل ظروفه صعبة وقاهرة، جاعلاً كل مقاومة عبارة عن مزيد من القهر والمعاناة المستمرة.

أقول ذلك وأنا أرى الجمود الذي خيّم على المعارضة منذ عشر سنوات، وعلى البدون منذ 35 عاماً أي منذ عام 1986، فإن كانت خطة التصدي للمعارضة غير معلنة، إلا أن ملامحها تبدو جلية للمتابع، حيث إن خطة التصدي للبدون تم تسريبها في صحيفة الطليعة والكل يعلم تفاصيلها وأدواتها وأهدافها وآليات تنفيذها! وإن امتلكت المعارضة شيئًا من الحماية والوفرة المالية أو شبكة علاقات تقيهم قسوة السقوط، فقد بلغت آثار الخطة المطبقة ضد البدون مداها مع افتقار معظمهم لوسائل الحماية الفردية أو المجتمعية، ولهذا فإن حاجتهم لتفكيك الخطة المطبقة ضدهم أولى وأهم.

معظم سياسات المعارضة الشعبية وسياسات البدون للأسف كانت قائمة على ردود الأفعال، بحيث كانت الحكومة دائمًا هي المبادر أولًا، ويتبعها ردة فعل المعارضة والبدون ثانيًا، والتي غالبًا ما توقعتها الحكومة، ولا أستبعد أنها كانت تريدها في أوقات ما، لإلهاء الرأي العام عن قصة أكبر أو "مخطط" آخر يجري العمل عليه. سياسة ردود الأفعال يطلق عليهاAd-hoc  أي رد الفعل اللحظي غير المدروس والذي غالبًا ما يقوده العقل الجمعي الغاضب والذي سرعان ما يتلاشى غضبه وأثره بعد يومين أو ثلاثة بالكثير، في حين أنّ "الفعل" الحكومي يأتي ضمن خطة عليا مرسومة ويجري تسويقها وتنفيذها بهدوء وطول نفس لا تملكه جموع المعارضة أو البدون على حد سواء.

خطة التضييق على البدون تقوم على سياسة الضغط الاقتصادي والاجتماعي على عديمي الجنسية بهدف التضييق عليهم لإجبارهم على الهجرة أو تعديل أوضاعهم والمبالغة في عقوبة المتظاهرين وتطبيق سياسة العقاب الجماعي بحيث لو تظاهر شخص ما يتم وضع قيد أمني على العائلة الممتدة كافة بهدف قمع حراكهم، ومنع الصحف من التحدث عن قضية البدون، وشراء بعض المؤثرين في وسائل التواصل بهدف مجابهة البدون وحراكهم السلمي المطالب بحقوقهم.

أما خطة مواجهة المعارضة فهي قائمة على عدة عناصر، وبالرغم من أنها لم تُنشر، إلا أن أبرز ملامحها الظاهرة هي التفريق بين المعارضة، وسحب الجنسيات من بعض القيادات والتلميح بسحبها من الآخرين، والمبالغة بعقاب رموز المعارضة في سبيل ردع الجموع التابعة لهم، وقمع الجهات الإعلامية المحسوبة على المعارضة بهدف قمع أصواتها كما حصل في إغلاق صحيفة وتلفزيون عالم اليوم.

ومن الضعف بمكان أن يبقى خطاب البدون رهين "التحلطم" والبكائيات والمناشدات، ويبقى خطاب المعارضة رهين استجداء العفو. وأضعف الخطط هي تفكيك الخطة القائمة ضد البدون وضد المعارضة، والمبادرة بالفعل بكل الطرق السلمية بدلًا من سياسة ردود الفعل.

ما هي المرجعية والوثيقة الوطنية المجمع عليها من جميع المكونات السياسية والاجتماعية والطلابية سواءً للمعارضة أو البدون؟ وعلى صعيد الإعلام: أين الإعلام البديل في المدونات واليوتيوب والفضائيات؟ أين البرامج الساخرة مثل برامج "البرنامج" و"جو شو" وغيرهما من البرامج ذوات الصدى الواسع في العالم العربي؟ ما هي استراتيجية الإعلام البديل؟ ما هي أدواته؟ وما هي أهدافه؟ وكذلك على الصعيد السياسي: أين المعارضة في الداخل ومن المهاجرين سواء من المعارضين أو البدون من التحالفات السياسية.

وكما قال نورمن شوارسكوف قائد عاصفة الصحراء لتحرير الكويت: العَرَق في السِلم يحفظ الدماء في الحرب، وها نحن منذ 35 سنة في مجابهة سياسات التضييق بلا خطة ولا تخطيط، هادرين أرواح أحبائنا وكراماتهم دون أن يكون لنا خطة متكاملة أو مرجعية في مواجهة سياسات تضييقهم.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد