dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
التنمية الهدامة - هديل بدر بوقريص

التنمية الهدامة - هديل بدر بوقريص


لطالما كان هناك انفصال عن الواقع على مستوى المجالات جميعها في الكويت لا سيما فيما يتعلق بالمبادئ وتطبيقها، والقوانين ومواءمتها، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان ومدى إمكانية تمريرها إلى القانون المحلي واعتمادها بشكل مطلق ونهائي.

ولن أتوقف عند أي اتفاقية بعينها بل سأنتقل فورًا إلى التعهد الذي كانت الكويت طرفًا أممياً فيه وعملت على تبنيه منذ إطلاق نداء الأمم المتحدة فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة، حيث تبنت دولة الكويت وبشكل رسمي أهداف التنمية المستدامة في سبتمبر من عام 2015، وأدمجت هذه الأهداف بخطتها الإنمائية الأولى كرؤية دولة الكويت لعام 2035، وعملت على قدم وساق لتبرز عملها في إنجاح التزاماتها، فوجدنا البرامج التلفزيونة والإذاعية بل وحتى مبنى أبراج الكويت تتزين بتلك الأهداف، وما أكثر خطواتنا المتسارعة نحو التزيين الخارجي!

ولما كان من أبرز هواياتنا في الكويت هي تشكيل لجان، تم تشكيل اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة والمرصد الوطني للتنمية المستدامة، حيث قامت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية بالشراكة مع الإدارة المركزية للإحصاء " بتنظيم 13 ورشة عمل وطنية استهدفت أكثر من 66 جهة حكومية وغير حكومية وقطاع خاص"  كجدول عمل ضمن خطة التنمية الوطنية 2015-2020.

هل تصدق بأن كل هذا انفصال حقيقي عن الواقع، فقبل رفع أي شعار لنسأل ما هي آليات تطبيقها على أرض الواقع وتحويلها إلى حقيقة؟ سؤال كهذا يحتاج منا وقفة. ستقول بأن ما قلته للتو أعلاه يبدو بأنه عمل مؤسسي يسعى إلى هذا التحقيق، لكن؛ من فضلك، ترجل من مكانك وتفضل معنا إلى الميدان.

وسأخبرك لماذا وصمتها بكل جرأة بعدم الواقعية وما علاقتها بقضية البدون في الكويت.

أهداف التنمية المستدامة سبعة عشر، وسأختار منها ما يمس مقالنا هذا حيث لا يسع المقام لذكرها كلها:

 

1- القضاء على الفقر

ستبتسم، أعلم، واسمح لي أن اقتبس هنا عبارة من الدكتورة ابتهال الخطيب حين ذكرت مرة بأنها "لم ترَ دولة تتعمد صنع الفقر والإفقار كما يحدث هنا في الكويت ومع البدون تحديدًا.

عمل الجهاز المركزي على قدم وساق لسنوات لمنع الكويتيين البدون من الحصول على وظيفة في أجهزة الدولة ولاحقهم إلى القطاع الخاص ثم إلى العمل الحر، فدأب على إصدار قرارات من شأنها فرض حصار اقتصادي عليهم ومنعهم من تحصيل لقمة العيش بأي شكل من الأشكال، دون أن تسعى الدولة بمؤسساتها كافة إلى منعه من تطبيق هذه الاستراتيجية منعدمة الإنسانية، بل نجدها تنساق وبكل انسيابية مع قراراته، وآخرها القرار الصادر عام 2018 وبإيعاز من البنك المركزي ذاته بعدم السماح لهم بسحب أموالهم الخاصة من حساباتهم البنكية الشخصية إلا ببطاقة صالحة والتي يتحكم بمدى صلاحيتها الجهاز ذاته بل وهو المسؤول الأول عن عدم صدورها منذ سنوات، فأصبح من النادر جدًا أن نجد بطاقة صالحة إلا بعد توقيع الشخص تعهد (على بياض) بتقديم أوراق ثبوتية تثبت بأنه ليس بدونًا بل يحمل جنسية أخرى وإلا ستبقى أمواله محتجزة لدى البنوك إلى أجل غير مسمى ورغم أنه من حر ماله لكن بشكل أو بآخر لا حق له به.. تخيل!

وفي ضوء هذا القرار التعسفي وتزامنًا مع خطة الكويت لتحقيق أهداف التنمية المستدامة منذ عام 2015 والمنفصلة كما ذكرت عن الواقع تم توقيف رواتب العسكريين في الجيش الكويتي من البدون لأكثر من مرة، كما تم فصل الكثير من الشباب العامل في القطاع الخاص ومنعهم من سحب أموالهم. فهذا أول اختبار سقطنا به مع أول هدف!


2- القضاء التام على الجوع

وهو البند المتصل بشكل مباشر بالقضاء على الفقر وهما من أهم حقوقنا الأساسية كبشر ناهيك عن كونها أهداف أممية، فعدم تمكن البدون من الوصول إلى حسابه البنكي سينقله فورًا إلى خانة العوز والفاقة، ويدفعه للبحث عن طرق لإطعام أسرته، علمًا أن أزمة الحسابات البنكية التي خلقها الجهاز ممتدة إلى عامنا الحالي 2021. وبعد أزمة الوباء كوفيد 19 عانت الأسر الأمرين في توفير احتياجاتها الأساسية من مأكل ومشرب ودفع رسوم الإيجار، حيث إن الدولة لا توفر لهم مساكن أيضا، بل يعيشون لسنوات طويلة في مساكن متهالكة وغير صالحة وهذا ما يتناقض مع المبدأ الحادي عشر عبر بناء مدن ومجتمعات محلية مستدامة. وهذا هو سقوطنا الثاني.


3- الصحة الجيدة والرفاه

كيف نبدأ وكيف ننتهي من هذا الملف، ففي العام نفسه- أي في عام 2018- قام الجهاز المركزي بمخاطبة وزارة الصحة كما خاطب أجهزة الدولة كافة بعدم استقبال أو ضمان علاج أي من البدون إلا ببطاقة صالحة، بل وصلت الأمور إلى إلغاء عدد من البيانات الشخصية وكأنهم لم يكونوا على النظام قط بعد تغيير أرقام هوياتهم واستبدالها بهويات جديدة من قبل الجهاز دون علم منهم بوجودها بعد التوقيع على تلك التعهدات التي سبق وذكرتها.

فامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالمناشدات لاستكمال العلاج أو المساهمة به من قبل الخيرين أو البحث عن طبيب متطوع لم يخن قسمه. وكم من حالة حُرمت من العلاج لسنوات وتوفي المريض نتيجة هذا الحرمان؟! فقط لأن العلاج يأتي تبعًا للهوية في بلد الإنسانية! ومازالت هذه المناشدات مستمرة حتى يومنا هذا ولا جديد في الملف الصحي للبدون، فكيف نتحدث عن تطبيق تلك الأهداف والحكومة تقوم بفصل الكويتيين البدون عن تطبيقها الحقيقي لتلك الأهداف؟ هل يمكن أن نميز على الهوية ونحن ندعي- برغبتنا ودون إجبار من أي طرف- تبني مثل هذه التعهدات؟ سقوط ثالث.


4- التعليم الجيد:

وأخيرًا- وليس طبعًا الهدف الأخير لكن المساحة لا تسعفنا للتعريج على جميع الأهداف- سأتطرق للهدف الرابع وهو التعليم الجيد،  والذي يُعتبر أحد أكثر الوسائل قوةً وثباتًا لتحقيق التنمية المستدامة كما هو مذكور في موقع الأمم المتحدة.

قبل سنة من وضع تلك الخطة عام 2015- وأعني سنة 2014- تصدرت أزمة تعليم الطلاب الكويتيين البدون الملف الإنساني في الكويت، حيث ظهرت أزمة جديدة اختلقها الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية كغيرها من الأزمات عبر أوامر صادرة في مايو من نفس السنة لوزارة التربية بعدم تسجيل أي طالب من الكويتيين البدون- بلا استثناء- في المدارس إلا ببطاقة صالحة أو شهادة ميلاد مصدقة من وزارة الصحة. وللعلم فإن معظم الأطفال البدون لا يحملون شهادة ميلاد بل بلاغ ولادة وهو مستند غير مقبول لإتمام أي معاملة رسمية، حيث ذكرت صحيفة القبس الكويتية بتاريخ  12 مارس 2016 بأن هناك 15 ألف طفل بدون لا يحملون شهادات ميلاد.

وفي عام 2014، في سنة الأزمة التعليمية نفسها التي لم تتوقف حتى لحظة كتابة المقال (بالتزامن مع خطة حكومة دولة الكويت لتحقيق أهداف التنمية المستدامة)، وفي تصريح اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2014، كشف النائب السابق عبد الحميد دشتي عن مشكلة- قد تتفاقم حسب قوله في العام المقبل (أي 2015)- حيث وُجد 4656 طالبًا من البدون لا يحملون شهادات ميلاد وحُمِل أولياء أمورهم على توقيع تعهدات باستكمال الإجراءات المتعلقة بمستنداتهم (والتي حتى اليوم لا ندري من أين سيأتون بها)، كما رفضت اللجنة التشريعية في المجلس مقترح تدريس الطلاب البدون في المدارس الحكومية. وهذه ليست المرة الأولى التي يُحرم فيها الطلاب البدون من الدراسة في المدارس الحكومية، فبعد الغزو الغاشم أُخرج جميع الطُلاب من المدارس وأُجبر أولياء أمورهم على دفع رسوم دراسية للمدارس الأهلية إلى يومنا هذا. ولهذا اضطر الكثير من الآباء للمفاضلة بين أبنائهم وبناتهم وتقديم تعليم الأولاد على تعليم الفتيات أو دفع الرسوم الدراسية لأحد الأبناء لعام وتعليق دراسته في العام التالي لأن الرسوم في هذا العام ستكون من نصيب تعليم أخيه أو أخته وهكذا.

وهذه ليست نهاية المعاناة التي تخلقها الحكومة ذاتها التي أعلنت تبنيها لأهداف التنمية المستدامة ورصدت الميزانيات وسخرت الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة رافعة  شعار " لن يتخلف أحد عن الركب" كشعار أخلاقي و نبيل ووضعت استراتيجيات وخطط ورصدت كل كلمة يمكن استخدامها بكل أناقة لتجميل هذا الملف؛ لكنني كإنسان بسيط حين أقوم بربط كل ما يقال بكل ما يحدث أجد أن هذه الفقاعات كسابقاتها مجرد بهرجة وزينة تتناسب مع الأعياد الوطنية والمناسبات الأممية التي أسمع بها ولا أراها، وكالحفلات الخاصة لمبنى بيت الأمم المتحدة في الكويت المتعالي والذي يجد بأن النزول معنا إلى الأرض تلطيخ لسجادته الحمراء الزاهية المخصصة لاستقبال كبار الشخصيات فقط، ويغلق بابه طوال العام أمام الكويتيين البدون، ويستقبلهم عبر الهاتف الداخلي (جهاز الإنتركوم) عند البوابة، بل إن شعار"لن يتخلف أحد عن الركب" يصيبني بالضحك إلى درجة البكاء حيث يبدو وكأن الركب هذا يقصد به الدرجة الأولى وليست الدرجة السياحية أو المسحوقين الذين لن يتمكنوا من دفع ثمن التذكرة فهي ليست مجانية على الإطلاق.

وستتحول مع الوقت أهداف التنمية المستدامة إلى أهداف التنمية الهدامة وسيتخلف الجميع عن الركب إن استمرت الدولة بالانفصال عن الواقع وعدم الاعتراف بوجود أكثر من 200 ألف إنسان يعانون بسبب الحرمان من الهوية المُستحقة.

 

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد