dark_mode
  • الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
لسان المعلمين البدون يشكو ويلات الزمان ويغني - جاسم محمد الشمري

لسان المعلمين البدون يشكو ويلات الزمان ويغني - جاسم محمد الشمري

لسان المعلمين البدون يشكو ويلات الزمان ويغني: 

"قم للمعلم وفه التبجيلا .... إلا البدون فإنه مغبون"... 

"قم للمعلم وفه التبجيلا ... كاد المعلم أن يكون رسولا":

حفظنا هذا البيت صغارا حتى كاد أن يكون جزءا من ثقافتنا التي تربينا عليها وهو الأمر الذي دفع كثيرين من أبناء البدون لاختيار مهنة التعليم على اعتبار أنها وظيفة مرموقة وتحقق لهم ما يطمحون إليه من استقرار وظيفي واجتماعي في مجتمع يضن عليهم بأيسر سبل الاستقرار وطلب الرزق خاصة لأولئك الذين ولدوا لآباء أو أجداد عملت الدولة على دمجهم في كادرها القانوني والوظيفي أبناء لهذا الوطن دون أن تسبغ عليهم الأهلية لمواطنة كاملة الدسم.

وعلى مدى الثلاثين عاما الماضية لم تستطع الحكومات المتعاقبة تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكادر التعليمي وظلت تستعين بخبرات الدول الأخرى إذ بلغت نسبتهم 39% من حجم العمالة الإجمالية وفقا لإحصاءات الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وبإجمالي يصل إلى أكثر من 28 ألفا من أصل 71 ألفا تقريبا يعملون في حقل التعليم، وهو ما يطرح سؤالا يظل حاضرا عن عدم الاستعانة بأبناء البدون في هذا الحقل الهام في الدولة.

في سبعينيات القرن الماضي كان متاحا لأبناء البدون الانخراط في كلية التربية ومعهد المعلمين ولم يكن يعيق انخراطهم في المهنة أي عثرة بيروقراطية، وأستذكر في هذا الإطار معلمنا الأستاذ مغشغش زايد في متوسطة عبد الله بن سهيل في ثمانينيات القرن الماضي وحرصه على تزويدنا بكل متطلبات العملية التعليمية والتربوية حينها. إلا أن نهج التمييز بحسب ما قال لي في اتصال هاتفي معه، وهو يمضي إلى عقده الثامن بخبرة متراكمة فٌرِط بها، كان موجودا من قبل غير أنه أصبح أكثر قسوة، ويضيف الأستاذ مغشغش الذي وصل إلى مرتبة مدرس أول لقسم الاجتماعيات إن المعلم البدون كان يعين على الدرجة السابعة في حين يعين زميله الوافد على الخامسة والكويتي على الرابعة ويقول إن تسريب الكفاءات نهج مستمر على مدى العقود رغم أن الدولة صرفت أموال طائلة علينا وفي النهاية لم تستفد من هذه الخبرات.

ومن باب إحقاق الحق يستذكر كيف كانت الرعاية الأبوية للدولة حينما دخل في عام تسعة وخمسين المرحلة الابتدائية ومقدار ما كان يصرف على التلاميذ حينها من وجبات غذائية وملابس وكتب ودفاتر وغيرها واستمر ذلك متاحا إلى أوائل الثمانينيات. إلا أن ذلك كان يستدعي أن تحصد الدولة ثمار هذا الاستثمار طاقات خلاقة وهو ما لم يحدث على الأقل بالنسبة للبدون الذي وجدوا أنفسهم مهمشين، وفي مجال التربية والتعليم- الذي دخله منتصف سبعينيات القرن الماضي- كان الوضع، كما يقول، قدرا من التفرقة رغم أن الدولة حينها كانت بحاجة ماسة إلى كل يد عاملة من أبنائها.

ويضيف الأستاذ مغشغش أن التعامل في فترة ما قبل تسعينيات القرن الماضي ربما كان أفضل نوعا ما؛ حيث يحصل المتميز من المعلمين البدون على ترقية كما يمنح بيتا في المساكن الشعبية وله حق التمتع بالإجازة حال ابتعاثه لتمثيل البلاد في مسابقات إقليمية أو دولية. إلا أنه يعود ليقرر حقيقة غائبة أو تغافل عنها كثيرون أن معلمين من البدون وجدوا أنفسهم ضمن المسرحين من الخدمة في ثمانينات القرن الماضي بسبب ما قيل حينها من اكتفاء الدولة بمواطنيها في المجالات التي كانوا يشغلونها ثم جاءت الطامة الكبرى حينما سرح البقية الباقية بسبب الغزو العراقي الجائر ولم يعد هؤلاء إلى أعمالهم مطلقا ويتحسر ضاحكا كيف أنه فوت فرص الالتحاق بالعسكرية حيث كان على أقل تقدير سيحظى بمكافأة نهاية خدمة مجزية.

المعلمة والناشطة عَروب العنزي كتبت على موقع التواصل الإلكتروني تويتر أن رسائل مناشدة وصلتها من المعلمين البدون للالتفات لموضوع عقودهم بعد حديثها عن معاناتها الشخصية مع تجديد العقد، مشيرة إلى أن هناك من يعاني بصمت. وأنهم يترقبون رؤية تمثل تغييرا ملموسا بهذا الصدد من ذوي الشأن متمثلا في وزارة التربية ومجلس الوزراء ورئيس اللجنة التعليمية بمجلس الوزراء.

عروب لخصت مطالب المعلمين البدون في ثلاث نقاط أولها أن رواتبهم بلا أي زيادة وأنه لا يُصرف لهم بدل مراقبة وتصحيح اختبارات ولا مكافآت ولا نهاية خدمة وأن العقد يتجدد سنويًا عن طريق الوزارة وكل ٣ سنوات يحتاج إلى موافقة من ديوان الخدمة والتي تستغرق ٣ شهور تنقطع فيها رواتبهم إلى أن تأتي هذه الموافقة.

وفي تواصل معها سألتها لماذا برأيها يعامل المعلم البدون بشيء من التعسف؛ فردت بالقول إن ذلك مرده سياسة التضييق؛ حيث وجود جهات خارج الوزارة تتدخل في عملها وتعاملها وتعاقدها مع المعلم البدون ابتداءً من صياغة العقد في سياق أجر مقابل عمل بدون أي مساواة مع المعلم الكويتي والخليجي والمقيم ثم اشتراط الموافقة على تجديد هذا العقد سنوياً من جهات خارج الوزارة أيضا بعد شهور طويلة يتم قطع الراتب فيها ويحاسب المعلم لو تغيب خلالها ويعتبر ذلك بمثابة انقطاع عن العمل، وغيرها من التدخلات الكثيرة.

سألتها: إن كانت ترى أن المعلمين البدون كفاءات تحتاجها الدولة، فأجابت: نعم، بلا شك، وبشهادة الجميع من مسؤولين ومعلمين يشيدون دائماً بالمعلمين البدون وكفاءتهم.

وفي رد على سؤال: عن العقبات التي توضع أمام المعلم البدون قالت عروب إن العقبات التي توضع أمام المعلم البدون كثيرة أولها انقطاع الراتب شهور طويلة وبشكل متكرر مما يصعب الحياة ويتسبب في وجود ديون وضغوط على المعلم وأسرته، ثانياً حاجته المتكررة للاستئذان من عمله والغياب أحياناً لينجز المراجعات الكثيرة التي تتجاوز عدد الاستئذانات المسموحة له أصلاً. وثالثاً: قلة الراتب بالنسبة لطبيعة عمله التي تتطلب مصاريف كثيرة من مكافآت للطلبة وهدايا وأنشطة إلزامية من قبل الإدارات المدرسية وأجهزة إلكترونية يحتاجها للشرح مثل الجهاز المحمول وجهاز العرض وغيرها وهذه الأمور ضرورة للتعليم وليست رفاهية أو اختيار، فقد يكون جهاز العرض في الصف الدراسي بحاجة لوصلة معينة لربطه بالحاسب المحمول للمعلم فإما أن يشتري وصلة خاصة أو يغير حاسبه المحمول، وهذا ما حدث معي سارعت مساءً لشراء حاسب محمول جديد اتش بي عن طريق الأقساط حتى أشرح لحصصي في الصباح التالي رغم عدم وجود مشكلة أخرى في الحاسب المحمول القديم الأمر الذي تركني في مأزق مادي حرج.

وعن المطلوب ليشعر المعلم البدون بالاستقرار الوظيفي: ردت بأن المطلوب وقفة جادة من وزارة التربية لمنع التدخلات في تعاقدها مع المعلمين البدون وعمل عقد دائم لهم ومساواتهم بالخليجيين في الراتب والحقوق والآلية التي يتم بها التعاقد.

وتضيف بضرورة وضع أولوية للتعليم، شارحة أن تواجد المعلم البدون في مكان عمله أفضل وأجدى من إجباره على التنقل بين جهة وأخرى لإنجاز معاملاته وإرهاقه بها.

المعلمة غدير أجابت عن السبب الذي برأيها يعامل المعلم البدون بشيء من التعسف بالقول إنها أوامر الجهاز المركزي ولا يستطيع أحد أن يتعداها وتضيف أن كثيرا من المدراء أكدوا بعد تجربتهم العمل مع معلمين بدون أن هؤلاء أكثر كفاءة وإخلاصا من غيرهم ولكنهم لا يستطيعون الوقوف أمام قرارات الدولة متمثلة بالجهاز الذي تحولت مهمته إلى عرقلة حياة البدون ومستقبلهم في كافة المجالات.

وتتابع في رد على ما إذا كانت ترى أن المعلمين البدون كفاءات تحتاجها الدولة بالقول: بالطبع المعلم البدون ابن هذا البلد، يعرف كيف يتعامل مع الطالب، يعرف البيئة ويعرف العادات، وغير ذلك هو مجتهد ومكافح أكثر من غيره، وعنده ضمير وغيرة على هذا البلد، ويحبه أكثر من الآخرين ولذلك يبدع في عمله من أجل بلده.

وعن العقبات التي توضع أمام المعلم البدون تجيب الأستاذة غدير إنها تتمثل في الجهاز المركزي وشروطه المعقدة المتمثلة بتجديد البطاقة الأمنية وكذلك عدم وجود عقد ثابت له كما أن الراتب الذي يتقاضاه أقل من غيره وغير مجز بالنظر إلى طبيعة المهام المطلوبة منه.

أخيرا تدعو الأستاذة غدير إلى أن يعامل المعلم البدون معاملة أي معلم آخر سواء كان هذا الآخر كويتيا أو وافدا ليشعر بالاستقرار الوظيفي طالما أنهم يؤدون العمل ذاته وعليهم ذات المسؤوليات ما يستوجب أن يتساووا بالحقوق أيضاً.

تحتفي الأمم بمتميزيها وحينما تكون الحاجة إلى الأيدي العاملة في تزايد تحرص هذه الأمم على الاستفادة من كل طاقة لسد هذه الاحتياجات، إلا هنا، حيث يتعمد البعض تعطيل الكفاءات وتجميد الاستعانة بهم أو دمجهم في مجال الاحتياج ضنا من هؤلاء ببعض مكتسبات يتحصل عليها هؤلاء في حين أن هذا الاستثمار الأمثل سيعود نفعا على الوطن أولا وأخيرا.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد