dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
باب مؤصد لغرفة ضيقة - جاسم محمد الشمري

باب مؤصد لغرفة ضيقة - جاسم محمد الشمري

ملعونٌ هذا الباب.. أدور حول نفسي ضجرًا.. قلقًا.. لهيبٌ يستعر داخلي.. تسكنني رغبةٌ في تمزيق جلدي للخروج منه.. لا أعلم كم مضى من وقت وأنا أحاول فتح هذا الباب اللعين.. ولكنه مؤصدٌ بقوة.. في سلسلة المفاتيح التي بحوزتي عدد غير قليل.. وصلت إلى واحد وخمسين منها.. وكلها لم تفلح في كسر سطوة هذا الباب.. لا أعلم كم بقي منها في هذه السلسلة.. غير أني متيقن أن ما جربته أكثر بكثير مما تبقى.

الغرفة التي أتحرك في مساحتها ضيقة علي.. لفرط ضيقها لا أقوى على الاستلقاء.. إن أردت النوم نمت قاعدًا أو واقفًا.. وإن فكرت في تمديد جسمي فإن قدماي تظلان معلقتان على الجدار.

لست متيقنا كم من الوقت مضى على وجودي هنا.. لا أعلم أيضا متى جئت.. ولمَ.. هل أنا حبيس جرم ما في زمن سحيق غير هذا الزمن.. لا علم لي.. أتحسس هذه الجدران الملساء.. هل سقطت في بئر عميقة لا قرار لها وأني أتوهم وجودي في غرفة ضيقة محكمة الإغلاق بباب موصد بقسوة.

أصرخ مستغيثًا.. هل من أحد؟؟ لا جواب يأتي رغم أني أسمع عشرات الأصوات خارج هذه الغرفة اللعينة.. ضحكاتٌ تتهادى.. صخبٌ يتزايد.. ضجيجٌ يتعالى.. صراخٌ ونشيج.. بكاءٌ وعويل.. ثم صمتٌ يلف المكان.. أضرب رأسي بأقرب جدار لي وكلها بالمناسبة قريبة جدًا.. لعل الضجيج في رأسي.. لعلني في كابوس يجثم على أنفاسي.. أضرب رأسي مرة أخرى.. أشعر أن دمًا ينزف.. أستعير ضحكة من خارج هذه الغرفة الضيقة.. الحمدلله أني على قيد الحياة.. يزيد ضحكي.. الحياة.. وما هي الحياة في هذه الغرفة الضيقة؟ أنفاس تتصاعد فقط.. وما هي الحياة إن لم أقوَ على فتح هذا الباب اللعين؟

عند كل صباح، أعد كما طفولتي.. حدرة بدرة.. قلي ربي عند العشرة.. واحد.. اثنين .. ثلاث.. أرب.. خمس.. ست.. سب   ث..  تسعة.. عشرة.. يقع إصبعي عند مفتاح في هذه السلسلة. أمسكه برفق متوسلًا أن يكون هو.. أضعه في ثقب الباب اللعين.. أحاول أن أديره فلا يستجيب.. أضرب بقدمي الباب.. يتورم إصبعي.. ألعن الباب والغرفة والمفتاح والسلسلة.. وإصبعي أيضا.. أستند إلى الجدار لعل صبحًا قريبًا يحمل لي فرجًا.

آه.. ربما لم أنتبه من قبل إلى أن هذه الغرفة الضيقة بلا سقف.. أو أن الأمر لم يكن بتلك الأهمية لأعير له بالًا.. جدران الغرفة عالية بما يمنعني من التفكير في ارتقائها للخروج من هنا.. غير أن الملفت في كل ذلك أني أجد عند كل مطلع فجر فتات خبز مرمي بالقرب مني وقنينة ماء.. ربما من في الخارج يعلم أني هنا.. ولكنه لا يريد لي الخروج.. لماذا؟؟ هل يخشى مني أو علي؟؟ هل أجرمت بحقه فيعاقبني؟؟ أم أنه يمنع عني أذىً ما؟؟ وما هو الأذى أكثر مما أنا فيه؟؟ مخبولٌ أنا.. ربما.. وربما كان هذا مشفى للمجانين!! آه.. تمنيته كذلك.. على الأقل سيزورني طبيب في عزلتي ليتأكد من قواي العقلية..

تلك الليلة نمت كما لم أنم من قبل.. عند الفجر وجدت إلى جواري كيسًا من الخبز الطازج وثلاث قناني ماء بارد.. فتحت إحداها وشربت ما فيها دفعة واحدة.. تناولت السلسلة اللعينة.. حدرة بدرة.. قلي ربي عند العشرة... واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة.. أمسكت بالمفتاح الثالث والخمسين.. قبلته برفق.. وضعته أمام أنفي.. رجوته أن يكون.. وبيد مرتعشة أدخلته القفل اللعين.. أدرته إلى اليمين.. استجاب.. لم أصدق.. أدرته إلى اليسار.. استجاب.. قفزت عاليًا.. وأخيًرا.. سأكون حرًا طليقًا.. وأخيرًا سيفتح لي هذا الباب اللعين.. عاودت الكرة غير مصدق.. أدرته يمنة ويسرة.. يمنة ويسرة.. وأخيرًا إلى اليمين مرة ومرتين حتى سمعت المزلاج يصل إلى نهايته.. أحنيت مقبض الباب إلى الأسفل.. سحبت الباب إلي.. لم أصدق أني سأخرج من هنا.. سأقبل أول رأس أجدها في الخارج.. فهو حتما من كان يرسل لي فتات الخبز وقطرات الماء.. حينما وضعت قدمي خارج الغرفة أغلق الباب خلفي.. وجدتني في غرفة ضيقة.. أمامي (أبوابٌ مؤصدة).. وخلفي (باب مؤصد) نسيت سلسلة مفاتيحي وراءه.


بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد