dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
هل سرقنا صوت البدون؟ - شيخة البهاويد

هل سرقنا صوت البدون؟ - شيخة البهاويد


عرضت قبل فترة ندوة إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي تحدث فيها بعض الأكاديميين الكويتيين عن أوضاع العمالة المهاجرة (أو ما يسمون بالوافدين) والبدون والعنصرية الموجهة ضدهم، تلاها نقاش شديد الحدة بين بعض الناشطين حول عدم احتواء الندوة على أي من العمالة المهاجرة أو البدون للتحدث باسمهم حول قضية تخصهم، وجد المتناقشون المعارضون لهذه الندوة بأنه استعلاء ثقافي يهمش أصحاب هذه القضايا ويسرق أصواتهم ويتحدث باسمهم، فهل فعلًا سرقنا أصواتهم؟

ليس هذا النوع من النقاشات جديد في الدوائر العالمية المهتمة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، فقد سبق وأن دارت النقاشات نفسها حول مؤتمرات تتحدث عن حقوق المرأة يتسيد فيها الرجال الحديث وليس بينهم امرأة واحدة، في العالم أيضًا ليس مقبولًا على الإطلاق الحديث عن حقوق السود من البيض فقط، وهي وجهة نظر شديدة الاعتبار، إذ أنه لا يمكن أن يتحدث عن القضية أحدٌ كصاحبها، ولا يمكن للمتعاطف أو المؤيد أن يوصل الفكرة بنفس قدرة صاحب المشكلة.

سرقة الأصوات مسألة حساسة جدًا، تعطي انطباعًا بأن الأعلى أقدر على تحرير الأدنى، وبأن الأغلبية أقدر على الحديث من الأقلية، وأن الحديث باسم الآخر استعلاء يوحي بتعامل أبوي يأخذ الطفل من يديه ليعطيه حقه.

لكن دعنا نتحدث حول واقع البدون في الكويت، منذ الحراك السياسي في ٢٠١١ والذي تزامن معه وتلاه حراكٌ لقضية البدون من أصحاب القضية الواقع عليهم الظلم، خرجت الاعتصامات، وحصلت الاعتقالات والزج بالسجون والوصول للمحاكم وقرارات الإبعاد وتقارير من هيومن رايتس ووتش تتحدث عن عمليات تعذيب داخل الحجز، بالإضافة إلى قيود أمنية صارمة فرضها الجهاز على الناشطين والمتظاهرين أو حتى من يكتب باسمه على تويتر، أدت هذه القيود الأمنية إلى إيقافات عن الدراسة وسحب جوازات السفر والامتناع عن تجديد البطاقات المدنية والأوراق الرسمية، وتلتها قرارات صارمة لمعاقبة من يتحدث أو ينشط حول القضية.

بعد الحراك وتوابعه التي لا تزال قائمة حتى اليوم ونحن في عام ٢٠٢١ ويتحملها الأفراد البدون من الناشطين- صار الحديث من قبل أبناء القضية على وسائل التواصل إما بحذر شديد أو بأسماء مستعارة خشية العقاب الذي يطال كل أقارب الشخص، وصار القمع مشددًا، والإسكات أكثر اتساعًا، والتخويف أكثر إرهابًا، أدى إلى تخوف فئة كبيرة من البدون من الدخول في أي مساحة عامة أو إعلامية والنقاش في القضية خشية العقوبات التي تؤدي إلى شلل في ممارسة الحياة الطبيعية بسبب سياسات الجهاز المركزي في المعاقبة.

اليوم ونحن نعمل في الإعلام لإيصال صوت الأقليات والمهضومة حقوقهم، كيف يمكن إيصال صوت البدون وسط كل هذه العواقب؟

نحن أمام خيارين، إما أن نصمت عن القضية حتى لا نتهم بسرقة أصوات أصحابها، وهم غير قادرين على إيصال أصواتهم أصلًا للأسباب المذكورة أعلاه فتموت القضية، أو أن يتحدث المواطن المحصن نوعًا ما من هذه الممارسات ليوصل صوت المقموعة أصواتهم بقدر ما يمكن ويتهم هنا بسرقة صوت البدون والاستعلاء والتهميش.

أتفهم مبررات من يرون بأهمية أن يكون صاحب القضية هو من يتحدث عنها، وهذا مهم جدًا، لكن أليس هذا رميًا للناس في النار وتعريضًا لهم للخطر؟ أليس من واجب من يملك الامتيازات الحديث عمن لا يملكها حتى يمكنه من أن يعبر عن صوته الخاص ثم يتراجع ليستطيع صاحب القضية الحديث عن نفسه؟

في قضية السود والبيض في أمريكا، ليس من المنطقي أن يتحدث الأبيض باسم الأسود طالما أن الأسود له القدرة على الحديث عن نفسه، لكن هل يملك البدون هنا الحديث عن نفسه دون أن يرمي بحياته وحياة عائلته في جحيم جديد أكثر مما هو فيه؟ أليس من واجب الكويتي أن يكون في الواجهة لحماية هذا الفرد المقموع؟ وألّا يعتبر حمايته هذه استعلاء؟ أليس من واجبه أن يجعل من القضية حية وموجودة؟

أعمل شخصيًا في عملي الصحفي على تمكين أكبر قدر ممكن من البدون من الحديث عن قضيتهم بأنفسهم مع توفير حماية لازمة كواجب مهني وأخلاقي عليّ، وذلك عن طريق إخفاء الاسم الحقيقي للكاتب بالتعاون معه، واعتباره مصدرًا لا يجب الحديث مع أحد عن هويته الحقيقية. لدينا هنا بعض الخيارات الممكنة لإيصال القضية من البدون أنفسهم، لكن في المساحات العامة التي تتطلب إظهار الهوية الحقيقية فمن المهم أن نحمي ظهره وإن كان خياره الشخصي الظهور بغض النظر عن العواقب فهو بطبيعة الحال أولى من غيره في الحديث عن القضية.

التنظير حول سرقة الصوت ليس في كل الأحوال فهم لواقع قاسٍ، يجب أن نكون أكثر مرونة من القواعد التنظيرية، وأكثر فهمًا للواقع وتبعاته، وبالتأكيد نتمنى أن يأتي اليوم الذي نصمت نحن- بصفتنا متمتّعين بحقوق المواطنة- لأن البدون وقتها قادرون على الحديث بشكل حر حول قضاياهم، وحتى يأتي هذا اليوم لا نملك إلا أن نحيي القضية ونضع كتفنا بأكتافهم.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد