dark_mode
  • الأربعاء ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٤
البدون في دوامة الأوراق- هديل الشمري

البدون في دوامة الأوراق- هديل الشمري


في حديث مع أحد الأصدقاء الذي لا يملك خلفية كافية عن مجتمع البدون، وقادته الصدفة إلى التعرف على إنسانة من هذا المجتمع، سألني بشغف عن حياة البدون وكأن الموضوع لا يتجاوز قصة حزينة. بعد الحديث عن البدون ومدى صعوبة حياتهم، طرح سؤالاً: "شكلج مو بدون، شلون عايشين؟"

لا يزعجني هذا السؤال إطلاقاً، فبعد سماع كل هذه الكوارث يحق له عدم الاستيعاب، إنما يزعجني حقيقةً وضع صورة نمطية للبدون، يعاني منها الفرد البدون. ولا ألوم الشعب، فهذا الشعب الذي "يتحلطم" مع منتصف كل شهر على الراتب، كيف له أن ينظر للبدون الذي لا يملك دخلًا معظم الأوقات؟

عانى مجتمع البدون على مدار سنوات طويلة من إفقار ممنهج، وإذا سألتني أنا (هديل) لمَ الإفقار؟ سأقول بكل بساطة: الحياة تعتمد على المال مهما حاولنا تجميل الواقع، ففارغ الجيب، فارغ الحياة. فلا تصلح الحياة وأنت مديون وأطفالك محرومون، أما ممتلئ الجيب فيستطيع الصمود بكل الظروف.

من لا يملك أصغر مقومات الحياة فهو لا يملك الوقت ولا القوة للمطالبة ولا حتى زيارة دكتور نفسي يخفف من صعوبة ظروفه النفسية. إذا، ما أسهل طريق لقذف الإنسان في البحر حتى يغرق؟! تجعله في نهاية الشهر يبحث عن طريق حلال يسدد به إيجار المنزل بدلاً من الانشغال بالمطالبة بحقوقه المدنية، لأنه قد يُطرد في أي وقت هو وعائلته في الشارع. 

كنا صغارا يعلمنا أبي عدم تكرار الخطأ بالتهديد بقطع المصروف وكنا نعرف قيمة المال ولا نعاود الخطأ. هذا الطريق يشبه القفز فوق الزجاج حتى لا تجرح قدميك، تكمل صديقتي هذه بتعجب: "ما تمشي لج إعانة؟ شلون تداومين وليش ما تمشي أصلا؟"

أضحك. أخفي في فمي أنني محرومة من مكافأة التخصص النادر والتفوق وأن الإعانة الجامعية هذه تعتبر راتباً صعب التوفر بالنسبة لحالات كثيرة من البدون! لكني أخفف من حدة كلامي. أضيف: البدون أغلبهم متعلمون ومن يحرم من التعليم يمارس التعليم الذاتي، إلا أن التعليم لا يسعف مجتمع البدون. يقولون إن الشهادة ترفع من دخل الفرد، لكن في حالات البدون، الشهادة تقتله. فها هو يعمل مع المواطن الكويتي والأجنبي براتب أقل منهم بكثير، وربما يصل إلى ربع راتب الموظف الكويتي، فيقولون حسد، لكن هل "الحسد" مرادف للقبول والرضا بالظلم؟

ليس حسداً، لكنه يعمل ذات العمل وبذات الجهد ويكون محروما من العلاوات، ومهما اجتهد يمضي العمر في ذات المكان، فلا تكبر إلا خيباته ولا يحمل في جيبه إلا الخسارات، وما إن يتجه إلى التجارة، يجب أن يبحث عن سند له يسجل الممتلكات باسمه، ويصطدم بصعوبة إيجاد شخص ثقة لا يخون به في ليلة ظلماء.

حياة البدون صعبة حتى في وجود المال، تبحث عن عون، تبحث عن سند، وما إن تنتهي بطاقته يسرح من العمل وإن لم يسرح من عمله ينزل الراتب لكن لا يستطيع سحبه من البنوك ويبقى مجمد بلا فائدة، حائر لا يعرف كيف يعمل، فيرغم على التوقيع على ما لا يناسبه من أجل بطاقة يستطيع إكمال حياته فيها! فمن يقول إن المال لا يربط الأقدام لا يعرف قيمته.

قبل فترة شاهدت عرضا لإحدى المسابقات الوطنية، سارعت للتسجيل بفرحة الكاتب المحب للكتابة والمشاركة وجمالية الجوائز، وفي أول شرط للتسجيل، سكبت دموعي كأني أتذكر مدى صعوبة أن تكون بدون، فحتى في "المسابقات" تحتاج إلى الدماء الزرقاء وتلك الجنسية السوداء! الشرط (كويتي أو من أم كويتية). وهل هي جريمة أن تكون بدوناً حتى في مجرد مسابقة؟ البدون في حالات كثيرة محروم حتى من المشاركة بالمسابقات المالية، فهذه المسابقات تخص الكويتي الذي يحب وطنه ويستطيع الكتابة عنه بشغف… فهل هذا الإفقار متعمد أم محض صدفة؟  أكمل الكتابة وأنا أقول إنه من السهل القول أن هناك بدوناً يعملون في أعمال غير شرعية ونساء يفضلن الزواج من كويتي أو أي جنسية أخرى ولا يكملن الزواج مع رجل كويتي لا يقدرهن وليس لأنها حصلت على غايتها -الحصول على الجنسية-  كما يدعي البعض، فحتى هذا الزواج يحمل الكثير من الشوائب في وجود طرف ضعيف مع طرف قوي، ورجل يبحث عن زوجة كويتية لحماية أبنائه من شبح البدون من الأم والأب فيصبح أطفاله مسحوقين من كل الأطراف. 

ولكني أضيف أن زواج البدون من امرأة كويتية لا ينجب سوى الكثير من الألم في الظلم الواقع على الكويتية وأبنائها من الزواج من غير كويتي لكن يفضل البطاقة الصالحة على غير الصالحة وفتات المعاملات، فهل كان هذا هو ذنب الفرد البدون أم ذنب من ساهم بخلق كل فكر ينقذه من دوامه الأوراق، البدون مجبر على الركض مدى الحياة.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد