dark_mode
  • السبت ٢٧ / يوليو / ٢٠٢٤
البدون في قبضة تهمة.. تزوير في محضر رسمي.. من المسؤول ومن يغيث المتضررين؟! – أحمد عبد الله

البدون في قبضة تهمة.. تزوير في محضر رسمي.. من المسؤول ومن يغيث المتضررين؟! – أحمد عبد الله

المعضلة الواضحة دون ستار يغطيها أزمة آلاف من البدون الذين وجدوا أنفسهم مكبلين بانتماء لا يمثلهم ولا دليلا ملموسا عليه يبرر إيقاف معاملاتهم ودفعهم قسرا إلى تعديل أوضاعهم القانونية بناء على ما لا يملكون من إثبات.

محمد رزق ببنت وذهب لاستخراج شهادة ميلاد لها.. في المكتب المعني بمعاملات البدون قدم أوراقه صورا ضوئية عن بلاغ الولادة وبطاقته الأمنية وبطاقة زوجته وعقد زواجهما.. أخذت الموظفة الأوراق وطلبت منه المراجعة بعد شهر إلى أن يأتي رد الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية.. 
محمد أدرج في بطاقته الأمنية أنه سعودي الجنسية تبعا لابن العم. يقول: لم تكن هذه مشكلة فالبطاقة أصلا بحسب ما هو مثبت بها لا تعتبر هوية شخصية وتستخدم فقط للغرض المخصص لها والنص على أنها بطاقة مراجعة للجهاز المركزي وعليه لم يكن ذلك هاجسا حقيقيا. نعم، لدي ابن عم سعودي ولكن ما الضير في ذلك وعشرات المواطنين يفتخرون بأن لهم انتماءات عائلية ممتدة إلى خارج حدود الوطن ويتساءل: هل وجود قريب يحمل جنسية محددة مبررا للسلطة لاعتباري مواطنا لتلك الدولة دون أن يكون لدي أي إثبات منها؟! ويضيف: لم تكن هذه مشكلة لأن كل الأوراق الثبوتية التي أحصل عليها من الدولة لم يكن مدرجا بها ذلك، إجازة القيادة وشهادات ميلاد أطفالي قبل هذه البنت وعليه كنت مطمئنا إلى أن وردني اتصال من تلك الموظفة بعد شهر تقريبا من تقديم أوراقي لها تخبرني بأن رد الجهاز وصل وأن المدرج لديهم أني سعودي فهل تريد استخراج شهادة ميلاد لابنتك بجنسية سعودية؟! 

يضيف: تلعثمت قليلا، ثم أجبتها: بلا. لا أريد فأنا لست سعوديا ولا أمتلك ما يثبت ذلك.
ابنة محمد هذه بلغت من العمر حاليا سنة ونصف ولا شهادة ميلاد لها وغيرها كثير وجدوا أنهم مرغمين على الاعتراف بجنسيات لا ينتمون لها.
بعض هذه المنحنيات حادة وجارحة. أبو عبد الله يعمل عسكريا منذ أكثر من خمس وثلاثين عاما وهو في منتصف الخمسينيات تقريبا من عمره يعيش حالة من التيه حيث كان والده وأهله من البدو الذين اختاروا التمدن في ستينيات القرن الماضي والتحق أخوه عسكريا في الجيش وبعد سنتين من اندحار الاحتلال العراقي وجد أخوه أن لا سبيل له للعيش مواطنا ناقص الأهلية في الكويت فاختار الهجرة إلى العراق. يقول أبو عبد الله: كل أهلي وعائلتي وإخواني وأبناء عمومتي هنا إلا هذا الأخ الذي ضاق صدره فرحل. ما ذنبي أن يقيد لي بأني عراقي تبعا لأخي الذي هاجر؟
ويشدد على أنه هاجر ولم يكن مواطنا عراقيا من قبل هجرته تلك. 

ولإن كانت أزمة أبوعبد الله تراجيديا فإن إبراهيم يروي كوميديا سوداء عاشها مع أسرته حينما أظهرت بيانات الجهاز أن لديهم قريبا يمني الجنسية.
يقول إبراهيم: نعم كان لدي ابن عم قرر استخراج جواز يمني في تسعينيات القرن الماضي للهجرة عبره إلى كندا. يضيف: أصبح ابن عمي هذا كنديا وامتلك تجارة له هناك وكان يزور الكويت بين فترة وأخرى وعدل وضعه إلى كندي بحسب الجنسية التي اكتسبها بعد هجرته. يضيف: غير أن الجهاز يصر على أننا يمنيين بحسب ابن عمي الذي لم يعد كذلك.

وفي بداية الألفية الثالثة عاش كثير من العسكريين ظروفا قاسية منشؤها ضغط مورس بحقهم ملخصه اختيار تعديل وضعه القانوني باكتساب أي جنسية من أي بلد كان أو تسريحه من العمل. التسريح من العمل يعني أن تعيش مئات الأسر ضنكا بانقطاع دخلها الشهري في حين أن جوازا مكتسبا سيكون قناة لاستمرار هذا الدخل خاصة. هكذا اختار بعض هؤلاء الاستجابة لهذه الضغوط فاستخرجوا جوازات تبين بعد حين أن لا أصل لها فباتوا معلقين بين ضفتين، لا هم بدون ولا هم منتسبون لأوطان حقيقية. الأزمة لم تقف عند حدود هؤلاء إذ بحسب ربط الأسر ببعضها البعض أصبح لزاما على كل أقارب هؤلاء أن ينتسبوا إلى جنسية قريبهم الوهمية.

أحدهم رفع قضية ضد والده مدعيا أنه ورطهم باختياره اكتساب جنسية بلد عربي لم يعد له فكاك منها. ويقول ناصر الذي يعيش أزمة مشابهة إذ كان والده من ضمن عشرات حصلوا على جواز إفريقي: أغلب هذه الجوازات مزورة.. لماذا لا يريدون تصديق أن لا وطن لنا إلا هنا؟! هذه الصحراء هي أرضنا التي كان آباؤنا إلى وقت قريب يذرعونها بحركة دائرية أحيانا أو بندولية أحيانا أخرى. ويضيف: أعجب من سياسي يربط بين حق الانتماء للوطن وبين المكتسبات التي تحققها المواطنة في ظروف الوفرة. هذه قلة عقل. ماذا لو قلت الموارد هل ستكون الفكرة ذاتها هي السائدة؟
هذا التداخل الذي أحدثه التعامل المضطرب مع هذا الملف عقد أوضاع كثيرين ومنح الفرصة لمن يحاولون اختزال المواطنة بفئات دون غيرها في التأكيد على أن البدون ملف مفتعل لأناس طامعين في اكتساب المواطنة بما فيها من امتيازات لا أكثر من ذلك.

ابنة محمد لا تزال بلا شهادة ميلاد. ومثلها كثيرون تجلت أزمتهم هذا العام حينما لم تقبل وزارة التربية تسجيلهم في المدارس الحكومية أو الخاصة وينتظرون قرارا يسمح لهم بذلك. ويضحك محمد بأسى: كيف أحصل على الجنسية السعودية لأتحرر من هذا الهم؟  
            

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد