dark_mode
  • الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
حين رسم بيكاسو لوحة

حين رسم بيكاسو لوحة "البدون" – فهد حمزة

في عام ١٩٠٣م في مدينة مدريد إسبانيا تحركت ريشة الرسام الإسباني المبدع "بيكاسو" لترسم ملامح حزنه وإحساسه بعدم الانتماء في لوحة أطلق عليها اسم "لاعب الغيتار المسن The old Guitarist" التي تنتمي لما يطلق عليه "الفترة الزرقاء" في حياة بيكاسو والتي تلت فترة انتحار صديقه "كالوس كاسيغماس".

لم يختصر الفنان في تلك اللوحة انتحار صديقه فقط بل شكل بتلك الملامح لوحة شاملة لشتى المراحل والأحاسيس الزرقاء التي يمر بها الإنسان في حياته.

فهي اليوم وبعد مرور أكثر من قرن من مولدها على يد هذا الفنان لا زالت تمثل كل حزن عالق بلا أمل.

هل اليوم بإمكاني أن أقص بين خطوطها وتدرجات ألوانها كيف أنني أرى فيها "حين رسم بيكاسو البدون".

إن قضية "البدون" وعدم الانتماء قضية مستمرة في الكويت منذ ستين عاما،  أعيت كل من كان ضحية لها كما أعيت كل من دافع عنها، خلقت وكبرت بلا أمل.

كأنها ذلك المسن في اللوحة أرهق جسده وتهاوى، شاب شعره، هزل كيانه، متكئًا في زرقة إحباطه بلا طاقة في جسده.

 نرى أن ذلك المسن يحاول جاهدا ان يداعب أوتار جيتاره محاولا إيجاد المواساة بين نغماته و وتأبى يده أن تتحرك، حيث أن قيود النفس قد أصابت الجسد بالشلل، ذلك الشلل الذي تسلل من رأسه المثقل بتساؤلات بين "اللا أدري" و "اللا أكون".

هو لا يبالي بملابسه الممزقة أو حتى إحساس الجوع الشديد الذي أوضحه الفنان بذلك الجسد الأزرق الشاحب، فنرى ذلك الجوع لشيء ما.. والرغبة في الموت، فهو بالكاد يقنع نفسه بعدم اللحاق "بكاسيغماس" والانتحار فتلك هي الفكرة الوحيدة التي تسيطر عليه الآن والتي محركها الأول هو إحساسه بأن "العالم لا يكترث"، نراه في محاولة جاهدة قد حضن آلته الموسيقية "الغيتار" التي رأى بها أمله الأخير في إصدار نغمات موسيقية دافئة علها تعطيه دافعا للاستمرار، علها تعطيه بصيص من النور حيث فقد القدرة على الرؤية… فملامح المستقبل لديه مشوشة.

مثل هذا المسن كمثل ذاك الذي يعيش على حافة القبول، ذاك الذي عاش في دائرة قيود شتى عنوانها "بدون".

إن لكل إنسان الحق في الانتماء إلى أرض وأهل وأحباب ورمل وبحر وحتى حجر.. من حقه أن يكون جزءا مما أحس انه جزءا منه، فـ "البدون" ولد، وترعرع، وعاش وسيموت هنا هو وآباؤه وأبناؤه ومن يدعي غير هذا فهو مجرد مدّع.

لن أقوم بسرد إحصائيات أو دلائل كما لن أقوم بتسطير قوانين وإدراج دساتير حتى أقنع شخصا ما بأن للآخر الحق بأن يعيش، فمن يسرد قصص واهية عن طمع هذه الفئة بمنزل هو أحق منه به أو مُرتب هو أولى منه به هي قصص منبعها الجشع والأنانية، فردانية مشبعة بالنرجسية وشعور بتميز هو بالحقيقة فارغ تماما من أي تميز، ومثل هؤلاء لا تنقصهم أي إحصائية فهم يملكون كل الحقائق وهم من يدنسونها.

نعود إلى لوحة "بيكاسو" التي عبر بها من خلال خطوطه وتداخل ألوانها عن بؤس المنبوذين، كما عبر لنا ذلك العبقري أنه مع كل هذا الانكسار والفقدان كان الأمل لا يزال خلفه، والذي تجسد على شكل امرأة مخفية في لوحته، ذات ملامح حادة وكأنها تمثل العزيمة والمثابرة في الاستمرار.  لكن هناك رأي آخر لبعض العلماء يقول عن تلك المرأة في اللوحة إنها مجرد لوحة أخرى قديمة غير مرتبطة باللوحة الأساسية حيث كان "بيكاسو" فقيرا مما يضطره إلى إعادة استخدام "الكانفاس" أكثر من مرة للرسم.

فهل حقا رأى "بيكاسو" أن هناك أمل وأن هذا العالم يكترث لقضايا عدم الانتماء.. أم أنه كان أفقر من أن يضع حقيقة "أن العالم لا يكترث" على "كانفاس جديد"؟!

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد