dark_mode
  • الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
التضييق المعيشي على البدون.. معالجة ملف أم تعميق مشكلة؟ - جاسم محمد الشمري

التضييق المعيشي على البدون.. معالجة ملف أم تعميق مشكلة؟ - جاسم محمد الشمري


·       هل تصبح العودة إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي سقف الطموح؟

·       الزعبي: سوء الأحوال قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت، ومن أجل أمن البلاد والعباد يجب الوصول إلى حلول لهذه المشكلة.

·       السعيد: التضييق فكرة تمثل سوء تقدير للقضية منبعها فرضية خاطئة أن الفرد البدون هو لا محالة مزور ومدلس.

·       الهاجري: التضييق سياسة فاشلة ولكنها مستمرة هدفها أن يصل البدون إلى حالة من اليأس.

 

ضمن نسق الانتصار النيابي والشعبي لقضايا فئة من المواطنين، وفي فورة التوجد على الأحوال المعيشية للمتقاعدين، لم يكن حدث تسريح عدد من العسكريين البدون بالأمر الذي يمكن أن يعني إلا أصحابه والقلة المرتبطين بهم على اعتبار أن أكثرية أبناء هذه الفئة هم ضمن شريحة من يعيشون حياة الكفاف منذ ثلاثة عقود على الأقل.

مفارقة مبكية بعض الشيء أن تصدح منابر خطبائنا بالنصح النبوي في عدم جواز أن تبات شبعانا وجارك جائع ثم تئن وسائل الإعلام في تبيان ضنك العيش الذي يعيش تحت وطأته المتقاعدون، وغير بعيد عن ذلك آلاف الأسر التي تطحنها دورة الحياة بقسوة لتوفر فقط أجرة سكنها الشهري.

العمل غير متاح لأن الجهة التنفيذية وضعت ضمن خطوط معالجاتها لملف البدون أن حصارا اقتصاديا ومعيشيا قد يفضي إلى ذوبان هذه الفئة شيئا فشيئا ليس في المجتمع الذي تنتمي إليه وإنما على هامشه ليختار أفرادها انتماءا آخر وهو السبب الذي خسر هؤلاء العسكريون المسرحون وظائفهم بسببه.

حالة التضييق المعيشي هذه هل هي الحل أم أنها مشكلة إضافية تذكرنا بقصة ذلك الرجل الذي اشتكى لجحا ضيق البيت الذي يسكنه فنصحه بشراء خروف فضاق عليه البيت أكثر فأعاد نصحه بشراء حمار أجلكم الله فزاد البيت ضيقا فنصحه في الثالثة بشراء بقرة فازداد الضيق ضيق، وحينها جاء الحل: بع الخروف، فانفرجت أسارير الرجل بعض الشيء، ثم نصيحة ببيع الحمار فتوسعت الدار بعض الشيء وحينما باع في النصح الثالث البقرة شعر الرجل بأنه في سعة من أمره، وهنا هل يريد القائمون على المعالجات التنفيذية العودة بالبدون إلى التأسي على عقود الستينيات والسبعينيات ومنتصف الثمانينيات حينما كانت الحالة المعيشية لهم ميسورة رغم أنهم فاقدو المواطنة، ولا يقارن حالهم بمواطنيهم.

صلب السؤال الذي خطر لي: هل بالفعل حالة التضييق التي تمارس على الفرد البدون ستؤدي إلى معالجة القضية؟ وهنا يجيبني أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت الأستاذ الدكتور علي الزعبي قائلا: "إن التضييق ليس حلا ولن يكون حلا"، مضيفا: هو مغامرة غبية مفادها إجبار الطرف الآخر (البدون) على الاستسلام لكونهم لا ينتمون إلى هذا الوطن، وهذا أمر مستبعد جداً لأن غالبيتهم لا يملك وطنا آخر غير الكويت. 

الدكتور الزعبي يرى أن سوء الأحوال الاقتصادية والصحية والاجتماعية والتعليمية والسكنية قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت؛ ليستخلص أنه ومن أجل أمن البلاد والعباد يجب الوصول إلى حلول لهذه المشكلة، ولا يجب أن تركن على جنب من خلال تسويف غير منطقي!

ويضيف أن الحل، من وجهة نظره، يكمن في العودة أولا، وقبل كل شيء، إلى وضع ما قبل الغزو في عام 1990، حيث كان البدون يدرسون في مدارس الدولة ومعاهدها وجامعاتها، ويتعالجون بمستوصفاتها ومستشفياتها، ويعملون في الدوائر الحكومية، ويحصلون على حق رخصة القيادة وجواز السفر، وغيرها ثم، بعد ذلك، تشكيل هيئة وطنية مستقلة هدفها حلحلة هذه المشكلة من خلال سياسات قابلة للتنفيذ، أهمها تجنيس حملة إحصاء عام 1965، ووضع خطط مستقبلية لتجنيس المستحقين.

الباحثة والناشطة الحقوقية الدكتورة سلوى السعيد ترى فيما إذا كانت حالة التضييق التي تمارس على الفرد البدون ستؤدي إلى معالجة القضية أن الفكرة بحد ذاتها تمثل سوء تقدير للقضية، نابعة من فرضية خاطئة بأن الفرد البدون هو لا محالة مزور ومدلس وبالتالي فإن ممارسة الضغط سيؤدي إلى إنهاكه نفسيا واقتصاديا واجتماعيا ويدفعه إلى التوقف عن المطالبة بحقوقه.

وتضيف: هذا الهامش يمكن أن يؤدي إلى تغيير لدى شريحة صغيرة تضطر تحت وطأة الضغط للإدلاء بمعلومات أو تقديم مستندات، ولكن ذلك لا بد أن يطال بضرره شرائح أخرى كبيرة سيتضاعف لديها الشعور بالمظلومية وربما تؤدي إلى نتائج معاكسة وتخلق مشاعر سلبية تجاه من تسبب بتلك المظالم والانتهاكات لحقوق الإنسان.

السعيد وجدت أن سؤالها عما إذا كان برأيها أن هذه الحالة من التضييق ستؤدي إلى ردة فعل عكسية تجاه المجتمع عند الجيل الذي تربى تحت وطأتها سؤال جوهري ومهم وتشرح قائلة: بقدر ما تعودت الأجيال السابقة من الكويتيين البدون على فكرة كونها جزءا لا يتجزأ من المجتمع الكويتي لكونها انخرطت في الدراسة والعمل مع المواطنين وكانت التباينات تكاد تكون غير مرئية، وتكونت صداقات ووشائج إنسانية عميقة فذلك يجعل من الصعب اتخاذ موقف حاد تجاه المجتمع والمنظومة السياسية، وتتابع: على العكس من الجيل الذي ولد وسط تلك الضغوط، فعلى اختلاف الإمكانات والقدرات الاقتصادية والمعيشية وصعوبة تلقي التعليم أو الحصول على فرصة عمل أو تلقي الرعاية الصحية أعتقد أن ذلك- وعلى عكس الجيل السابق- خلق مجتمعا موازيا لا يملك الكثير من القواسم المشتركة وبالتالي ستكون فرصة وجود استقطاب ثنائي أكبر ولذلك نجد تعالي النزعات العنصرية من جهة والشعور بالمظلومية من جهة أخرى وهي مؤشرات ربما لنزاعات أكبر فيما لو توفر المناخ السياسي الملائم. وتضيف أن هذا سيكون مؤسفا جداً لا سيما أن القرار السياسي نفسه أصبح أكثر انعزالا عن المجتمع وهمومه، فلم تعد كثير من قضايا الشعب وأزماته الطاحنة كقضية المهجرين من أصحاب الرأي أو سحب الجنسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تواجهها الشرائح ذات الدخل المتدني تدخل في  اهتمامات دائرة صنع القرار ولذلك فما بالنا بقضية الكويتيين البدون التي لا تشكل أولوية لدى صانع القرار على أهميتها القصوى مع الأسف الشديد.

أستاذة العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتورة حنان الهاجري توجه بحديثها إلى أنه في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه وبغض النظر عن الفئة المستهدفة بالتضييق، فإن كل حقوق الإنسان مهما كانت صفته أتت لتحفظ كرامته واستمراره في الحياة، وبالتالي جميعها حقوق أصيلة ولا يمكن التنازل عنها أو حرمان البشر منها، مضيفة بالقول: كما وأنه مرفوض تقييد هذه الحقوق فإنه مرفوض أيضا أن يتم التضييق على أي من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الناس في أي بلد.

وترى الدكتورة الهاجري أن الكويت طرف في معاهدات واتفاقات دولية تعنى بالشأن الإنساني ومنذ عقود ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك هي طرف  في الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري الذي يعني جزئيا أن يتم تقييد الحريات أو الحقوق بسبب النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ورغم ذلك، تتابع: نرى أن الممارسات التي تنتهجها السلطة في الكويت تخالف وبشكل مباشر التزامات الكويت المتوقعة تجاه هذه المعاهدة التي صادقت عليها منذ ستينيات القرن الماضي. وترى الدكتورة الهاجري أن التضييق ورغم فشله المتكرر والواضح ولسنوات طوال وعبر مراحل متعددة وباستخدام أساليب تصاعدية في إجحافها لا يزال يستخدم وبإصرار غير مبرر من قبل الإدارة المسلطة على رقاب "البدون" في الكويت ومن قبل الحكومة بشكل عام.

وتشرح أن السبب هو أن من يدير المعالجة يديرها بعقلية تقليدية عنصرية رتيبة، لها نهج متخلف في أدواته وليست لديه القدرة على استيعاب الواقع والتعلم من الأخطاء وحل المشاكل وإدارة الأزمات.

وتصف الهاجري التضييق بأنه سياسة فاشلة ولكنها مستمرة، الهدف منها كما يرى المسؤول عن معالجة أوضاع البدون أن يصل البدون إلى حالة من اليأس الذي يؤدى به إلى الاعتراف على نفسه، وسواء جاء الاعتراف بحمل جنسية أخرى حقيقيا أم كان بدافع الخلاص من العذاب اليومي الذي يواجهه فإن النتيجة ستصب لصالح هذه الجهة ومن يؤمن بأساليبها غير الإنسانية.

وتردف: إن ما هو مؤلم هنا أن هناك رغبة تدميرية لحياة "البدون" من قبل المسؤولين، فالأمر يتعلق بتضييق يطال كل ما هو أساسي لاستمرار الحياة، من الحق في الحصول على الخدمات الصحية، مرورا بحق التعليم واستخراج شهادة ميلاد أو وفاة أو الحق بالزواج وتكوين أسرة، إلى أن يعترف " البدون" الذي لا يعرف وطنا سوى الكويت بأنه ينتمي لبلد آخر.

وتجيب على تساؤل حول ما إذا كانت حالة التضييق هذه ستؤدي إلى نتائج عكسية تجاه المجتمع بالقول: حتى الآن التضييق سبب انفجارا إلى الداخل، حيث آذى "البدون" نفسه والمقربين منه عن طريق اختيار مغادرة الحياة بهدوء. مضيفة: يختار البدون أن ينتحر دون أن يترجم غضبه تجاه الآخرين بالعنف لأنه ليس كمن يقيد حقوقه من العنصريين، فهو لا يرى "الآخر" مختلفا عنه، بل يراه ابن بلده وبالتالي يفضل قتل نفسه والخلاص من واقع لا يطاق على أن يتسبب "انتقامه" في أذية وطنه.

وعليه تستبعد الهاجري أن تشهد حالة انفجار إلى خارج حدود النفس والمقربين إلا في نطاق ضيق، رغم أن الظلم وصل العظم، ولو تعرض أي إنسان عاقل لجزء مما يتعرض له البدون يوميا وبطريقة ممنهجة ومتعمدة ولعقود من الزمن لفقد صوابه وقدرته على التمييز بين الحق والباطل.

وفيما إذا كانت حالة التضييق تستهدف الوصول بهم إلى حالة من اليأس ترى الدكتورة الهاجري أن كل المؤشرات تبين أن اليأس مرحلة بعيدة المنال لمن ينتظرها مترصدا البدون، فعلى الرغم من كل الظروف التي لا تطاق، ما زلنا نرى أبناء البدون يواصلون تعليمهم، على أمل، يبحثون عن وظيفة، على أمل، يعملون لساعات طوال وتحت ظروف غير إنسانية مقابل أجر بسيط، على أمل، يتزوجون عبر قنوات ظالمة وبطرق مبتكرة ويرزقون بأطفال يربونهم على حب الوطن، على أمل، يخرجون في مظاهرات، يعتصمون ويضربون على الطعام، على أمل، يكملون الدراسات العليا، على أمل، يصدرون النشرات الحقوقية ويثقفون أنفسهم، على أمل، ويهاجرون، على أمل العودة إلى الوطن.

علي- وهو أحد البدون في عقده السادس- يعمل بجهد للانتهاء من دراسته الأكاديمية يرى أن التضييق لن يفضي إلى معالجة وإنما إلى قبول الفتات من الحلول ويرى أنه بشكل كبير نجح في ذلك، مضيفا أن التضييق سيرتد على الأجيال القادمة وبنتائج قد تكون كارثية أهمها الكفر بمسلمات اجتماعية ودينية وأخلاقية.

وهنا نعود إلى قصة جحا وصديقه المتبرم من ضيق بيته، فهل سيكون سقف طموح البدون العودة إلى وضع سابق مفاده: دعونا نمر، دعونا نعيش.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد