dark_mode
  • الأربعاء ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٤
نساء البدون ..  فرصٌ تنتقيها لهن البطاقة لا الحياة! - ضحى

نساء البدون .. فرصٌ تنتقيها لهن البطاقة لا الحياة! - ضحى

 

تخفت أصوات نساء البدون حتى يكاد لا يُسمع عنهن شيء، هذا إذا استثنينا  الأشهر القليلة الماضية التي بدأت أثناءها أصوات هؤلاء النساء تعلو مُشيرةً إلى وجودهن الذي طالما تم تجاهله. تعاني نساء البدون مما تعانيه نساء العالم، لا شكّ في ذلك، لكن أن تكوني امرأة عديمة جنسية وفي الكويت في آن واحد فهذا ما لا يمكن الإشارة إليه إلا بوصفه مأساة. هؤلاء النساء اللاتي يحاوطهن الحرمان من كل صوب، واللاتي يتعرضن لانتهاكات مضاعفة، يتم حرمانهن من ممارسة حقهن في الحياة منذ طفولتهن، وحتى أن يتولاهن الله برحمته، دون أن يُسمع لهن صوت.


ولا يخفى على أحدٍ كيف أصبحت البطاقة الأمنيّة تتحكم بمصير الفرد البدون، بحيث تكون فرصته في الحياة ممكنة أو معدومة بعمر هذه البطاقة؛ هل بطاقتك منتهية الصلاحية أم لا تزال تُسعفك على الخوض في محاولات واهمة من أجل العيش؟ بفضل سياسة الجهاز المركزي وعمله على العبث بملفات البدون، من خلال  تلفيق مؤشرات جنسية لأسر البدون ووضعها في أسفل البطاقة ومن ثم إجبارهم على التوقيع عليها قبل استلامها، أصبحت هذه الأسر مهددة بتعديل وضعها لاعترافهم -القسري- بجنسياتهم الملّفقة، في حين رفضت أسر أخرى تجديد البطاقة والبقاء ببطاقةٍ منتهية الصلاحية.


لم تقف مأساة البطاقة عند حرمان العديد من نساء البدون- بل أكثرهن- من إكمال تعليمهن الجامعي وحتى الثانوي أو من حصولهن على وظائف فحسب، بل أصبحت هذه البطاقة أيضا تُشكّل الميزة الأولى التي تميّز البنت البدون في حال قرر أحدهم التقدّم للزواج منها: "عندها بطاقة صالحة"؟ كان الزواج هو الفرصة الوحيدة لتواصل حياة نساء البدون سيرها بعد أن تعرّض جيل أمهاتنا لعمليات التجهيل القسري في تسعينيات القرن الماضي وبقين دون تعليم ثم أصبحن أمهات في أعمار صغيرة جدًا، وبالرغم من ذلك، حتى هذا السير الذي يحركه الزواج حُرمت منه بنات البدون الآن. ليس من شأن أحد أن يذكر لنا أن الزواج ليس الغاية الأسمى في هذه الحياة، فمن حق كل امرأة ترغب في تكوين أسرة أن تتزوج ما دامت فرصتها بالزواج  من رجل محترم متاحة، لكن أن تُعدم هذه الفرصة أيضًا وتصبح مستحيلة لنساء لا يملكن أدنى قدرة على تغيير حياتهن بفرص كالتي تملكها نساء أُخريات من خلال الدراسة والعمل والتواصل وصناعة المشاريع، فهذا كثير، كثير جدا.


كثيرات من نساء البدون محرومات من الزواج الآن بفضل صلاحية البطاقة التي أصبحت كابوسا يُقلق كل رجل أراد تكوين أسرة خالية من القيود، آملًا بتكوين مستقبل مقبول لعيش أبنائه، لا تهدده زوجة لا تملك بطاقة صالحة. أصبح الزواج فرصة ذهبية لابتزاز أسر البدون من أجل إجبارهم على تجديد بطاقاتهم وتوقيعهم على الانتماء لجنسيات لا ينتمون إليها. ناهيك عن  أن كثيرا منهنّ سلّمن أمرهنّ لقدرهنّ وتزوّجن من شباب بدون لا يملك كلّ منهما تلك البطاقة، فهذا الزواج- بطبيعة الحال- من دون عقد رسمي، وبالتالي ينجبن أطفالًا دون شهادة ميلاد، ومن ثم يُحرم هذا الطفل من حقه في التعليم .. ويظل البدون في دائرة الحرمان التي لا تتوقف عن سلب حقوقه جيلا بعد جيل. وجدير بالذكر أن عدم وجود بطاقة صالحة دفع بعضهنّ إلى الزواج عبر ما يُعرف ب "زواج شكوى"، وهو أن  يضطّر والد الفتاة بالإبلاغ عن الزوج مدّعيا أنّ زوج المستقبل واقع ابنته كي تستخرج لهم المحكمة عقدا رسميا! إنّ هذا الانتهاك- والذي يحمل إهانة لكلا الطرفين- أشد  وقعا على المرأة البدون من الرجل البدون الذي لا ينتقص منه شيء في عرف مجتمعاتنا. في المقابل، حتى مسألة الطلاق تصعُب على كثيرات ممن قد يكنّ معنفات في بيوت أزواجهن؛ فقلة قليلة من الأسر توافق على استقبال ابنتهن المطلقة برفقة أولادها في بيت من الصفيح، والذي  ربما يقطنه خمس أسر أو أكثر.


رغم  كل ذلك، تحاول هؤلاء النساء الحصول على عملٍ يعينهن وأسرهن على العيش، فنجدهن يعملن في المعاهد التعليمية التي هي في حقيقتها تجارية أكثر من كونها تعليمية والتي يُسجّل فيها الأهل أبناءهم من أجل الخلاص منهم فحسب. تستنزف هذه الوظائف كل طاقات هؤلاء النساء وتجبرهن على تولي مهام عدّة في وقت واحد، حيث نجد البنت البدون تعمل مُعلمة وسكرتيرة ومربية أطفال ومسؤولة انتظار، وحارسة لفض الشغب والنزاعات، وكل هذه الأعمال طوال الأسبوع وبراتب لا يتجاوز المائة دينارا كويتيا، وهو قابل للتأجيل أو حتى القطع، وأما هي فقابلة للطرد أو الاستغناء متى ما طالبت بالمزيد، فقائمة الفتيات اللاتي ينتظرن حصولهن على هذه الوظيفة بهذا الراتب تطول، -ولا ملامة عليهن- فكلهن لديهن حاجاتهن التي لا يُسدّ منها سوى جزء بسيط ومع ذلك يقبلن. أما من تحمل شهادة وتبحث عن فرص للعمل في القطاعات الخاصة، فهذه القطاعات ترفض توظيف نساء البدون لأن معظمهن من بنات القبائل اللاتي يرتدين العباية والنقاب، ولا تتحبّذ تلك القطاعات هذه الهيئة. كما أن منهن من لديها بطاقة صالحة ويعملن معلمات في المدارس الحكومية، لكنهن يحصلن على راتب يعادل ربع راتب المعلمة الكويتية، وهن أيضًا محرومات من إجازة الوضع والأمومة، كما تنقطع رواتبهن بسبب انتهاء صلاحية البطاقة، ومثلهن الممرضات. منهن من يحاول العمل من خلال مشاريع منزلية، إلا أن الكثيرات لا يستطعن إما لرفض الأهل، وإما لعدم توفّر رأس المال الذي إذا توفّر فسيكون الأولى فيه  سداد قسط مدرسي غير مدفوع على الدوام.


لا يقتصر همّ البحث عن عملٍ على الشابات من نساء البدون فقط، بل يتعدّاه إلى الأمهات البدون والجدّات ، فكثيرا منهن افترشن بسطات لبيع مختلف البضاعات النسائية، ولا يمكن تجاوز مشهدهن وهن يفترشن بسطاتهن عند مستشفى الجهراء أو عند الأسواق الشعبية في منطقة الجليب! منهن من مضى بها العمر وهي تعمل ببيع البضاعة النسائية متنقلةً بين البيوت. هؤلاء النساء تشهد لهن بيوت الصفيح؛ كيف جعلنها قائمة حتى الآن وكيف استطعن من خلال عملهن تعليم أولادهن وبناتهن وتوفير حياة ميسورة دون طلب المعونة من أحد. أما آن لهؤلاء العجائز أن ينعمن بالراحة؟ أما آن أن يرقدن بأمان في بيوتهن تزّين أيديهن الحناء دون أن يحتجن إلى نذرٍ ينذرنه لخروج معتقل من السجن أو فرج كربة ما عن أبنائهن؟ تُخبرني صديقة: " أمي عمرها ما تحنّت إلا لنذر وعمرها ما لبست خاتم ذهب إلا وباعته بنفس السنة". كل المشاهد التي تعبرنا يوميًا تبيّن حجم الحرمان الذي يتفاقم عليهن وعلى البدون جميعا، وتشهد منصة تويتر كيف تحاول هؤلاء النسوة العيش. إن كن مراهقات، أو متزوجات، أو أمهات، فكلهن في سعي دائم لسد حاجات أسرهن بالحصول على عملٍ، أو سداد قسط مدرسي أو جامعي، أو طلب العلاج، أو شراء حاجيات المنزل، كلهن في سعي دائم، ورغم كل ذلك، شهدنا في الآونة الأخيرة ما تعرّضت له  المساعدات الاجتماعية من حظر ومبالغة في التحذير منها!


قائمة الحرمان تطول، ورغم كل هذه الظروف، لا تنقطع مآثر هؤلاء النساء الصابرات والعاملات بصمتٍ، واللاتي يتجاهلهن الكثير،  فها هو صوتهنّ يُسمع رغم طول الأنين المكتوم، وها هو نضالهنّ يظهر على السطح رغم إخفائه عن المشهد لزمن طويل .

 

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد