dark_mode
  • السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
عند معاناة البدون فقط يحضر السؤال: هل فقدت الإنسانية ظلال غيمتها هنا ولماذا؟!! - جاسم الشمري

عند معاناة البدون فقط يحضر السؤال: هل فقدت الإنسانية ظلال غيمتها هنا ولماذا؟!! - جاسم الشمري


البدون من مناشدة لأخرى يمضي قطار يومه بطيئا منهكا ولا حياة لمن ترجو.
لماذا لا تكون القضايا الإنسانية أولوية في مجتمع يشار إليه بها عالميا؟
البعض يؤكد: السياسات الإقصائية الممتدة منذ عقود تجاه البدون فصلته بشكل أو بآخر عن مجتمعه.
الكارثة أن النبذ الممنهج حوّل البدون من وضع قانوني إلى صفة اجتماعية.

بحكم عملي في الشأن الإعلامي أقضي وقتا لا بأس به في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي وما تجود به من أحداث وما إذا كانت تستحق المتابعة أو الذكر وما بين خبر وآخر يقفز إلى واجهتي مناشدة تقطر ألما عن طالب يحتاج إلى مبلغ بسيط يكمل به رسوم دراسته الجامعية أو أسرة تراكم عليها إيجار مسكنها أو رب أسرة أنهكه عناء البحث عما يسد به رمق أطفاله ويحتاج إلى من يدعم بقاء أطفاله على مقاعد الدراسة لأن المدرسة المتهالكة تريد حلب دمه حينما رأت أن أهل الخير تكفلوا بمصاريف أبنائه الدراسية الأساسية فكان لا بد من رسوم إضافية يدفعها هذا المتعب المتعثر.
ودوما هنا الحديث عن البدون الذين صار شعار مرحلتهم الراهنة المناشدات.. ولا شيء سواها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

وكان السؤال الذي يقفز إلى ذهني مع كل مناشدة أراها: هل ضاقت الكويت بما رحبت به من إنسانية أن تستوعب هذه الجموع التي لم تعرف موطنا لها غيرها؟ وهل استظل العالم بإنسانية الكويت وحينما وصل الأمر إلى البدون جف الضرع أو كاد وانقشعت غيمة هذه الإنسانية عن مجتمع أقصي أو تكاد تُقصى شريحة من مواطنيه عاشت مر أيامه ولم تطل من حلاوته إلا النذر اليسير على حين غفلة من متنفذيه؟
ليست المناشدات فقط هي ما يقلق في حالة التبلد الإنساني التي باتت سمة واضحة عند كثيرين، إذ وعلى مدى أشهر عدة نشر الناشطون عن قضية الطفل الذي يحتاج إلى إخلاء طبي ورغم كل التفاصيل لم ترتق لأن تكون أولوية على قضية سياسي اختار النضال ولم يستطع تحمل عواقبه وتبعاته، وعلى هذا قس مثلا أن يمر خبر توجيه اللجان الخيرية إلى منع مساعدة المحتاجين من أبناء هذه الشريحة إلا بشروط مجحفة أو بمقايضة أقل ما توصف به أنها ابتزاز أو استمراء تأخير الرواتب المتدنية للموظفين العاملين على عقود الشركات المتعاقدة مع وزارات الدولة لأشهر طويلة أو أن لا تكون ظاهرة اختيار الانتحار وإزهاق روح مقدمة على ما سواها لينتفض المجتمع باحثا عن أسباب الخلل دراسة واستقصاء ومعالجة حتى لا يؤكل كما آكل الثور الأبيض.

تساؤلات عدة ومضت أمامي، أولها عن الأسباب المفضية إلى ألا تجد قضايا البدون المعيشية التفاعل الذي تستحقه وهل هناك خلل اجتماعي يحد من إبداء هذا التعاطف وهل يمكن القول أن هناك خشية ما من إبداء التعاطف مرادها إبقاء مسافة فاصلة بين المجتمعين وهل بالفعل بات مجتمع البدون منفصلا بهمومه وقضاياه عن المجتمع الكويتي؟

القانوني علي المراد - 50 عاما – يُرجع غياب التعاطف عن قضايا البدون إلى 3 مبررات سياسية واقتصادية واجتماعية ويضيف أن الأول منها هو الأهم، لا سيما وأن السياسيين على قوله يرون بأن هذه الفئة لا تمثل عاملا مساعدا لهم في الحصول على الأدوار السياسية في الدولة نظرا لعدم تأثيرهم المباشر بصناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية ولا يمثلون رقما يساهم بشكل أو بآخر في إيصال ذلك السياسي إلى مبتغاه. ويضيف: أما الاقتصادي فهو امتلاك طبقة التجار مفاصل القرار والتأثير المباشر على توجه الحكومة في حلحلة بعض الملفات العالقة والتي لا تخدم تجارتهم أو مكاسبهم المالية، بينما الاجتماعي، يردف بأسى، هو الذي وسم المجتمع للأسف بالوسم العنصري رغم وجود بعض أفراده ممن يمثلون منارة للشعور الإنساني وأيقونة للمجتمع المتسامح الذي يتسع للجميع دون تفرقة أو نظرة ضيقة ترتكز على مبدأ أنا ومن بعدي الطوفان. ويتابع قائلا: نعم، الخلل الاجتماعي في عدم التعاطف موجود لأن المجتمع لا يؤمن بالديمقراطية ولا بحرية الإنسان وحقوقه مهما كان لونه أو جنسه ولكنه يروج لهذه المسميات للاستهلاك الإعلامي فقط، وهنا يتضح الخلل الذي وصل إلى فئات المجتمع الواحد فأصبحت كل طائفة تحارب الأخرى وكل مذهب يترصد للآخر وهكذا إلى ما لا نهاية.  
المراد يضيف أن المجتمع البدوني، إن صحت التسمية، نبذ من المجتمع الأم وفق خطة ممنهجة وفي مختلف مناحي الحياة فيه ليصل هذا النبذ إلى الحد الذي يجعل الفرد البدون يتحول من وضع قانوني إلى صفة اجتماعية وهذا أمر كارثي أن يكون البدون في نظر قلة معينة شخصا غير معرف نسبا أو أصلا أو إنسانا في نهاية المطاف.

الدكتور محمد الشمري – 36 عاما – والذي لا يعمل حتى الآن بوظيفة مستقرة وفق إفادته لنا ويصف عمله بأنه: على باب الله- يرد على تساؤل حول السبب الذي يراه مبررا حتى لا تجد قضايا البدون المعيشية التفاعل الذي تستحقه بأنه وببساطة لأننا نعيش في مجتمع قضت الريعية على كل ما تبقى فيه من قيم الانتصار للمظلوم وإحساس الإنسان بمعاناة أخيه الإنسان وباتت الأمور المادية هي الأهم وصار الفرد في الكويت ينشغل بأمر نفسه فقط في أفضل الأحوال ويكون عوناً على المظلومين في أسوأها.
ويتابع إن السياسات الحكومية واللوبي العنصري ومحاولة شيطنة البدون وتصويرهم على أنهم مجموعة مزورين ومندسين أسهمت بخلق فجوة بين البدون كفئة وبين فئات المجتمع الأخرى التي تغلب عليها السذاجة حيث تتلقى المعلومة دون البحث عن حقيقتها للأسف!
ثم يضيف ردا على سؤال إن كان يمكن القول إن هناك خشية ما من إبداء التعاطف مرادها إبقاء مسافة فاصلة بين المجتمعين وهل بالفعل بات مجتمع البدون منفصلا بهمومه وقضاياه عن المجتمع الكويتي بالقول: بالتأكيد هناك خشية من التعاطف مع البدون لأسباب عديدة منها على سبيل المثال الجانب الأمني حيث تعرض مناصرو البدون (وهم قلة) للملاحقات السياسية حتى أن بعض المواطنين الكويتيين سُجنوا بسبب قضايا تتعلق بحراك البدون ومطالبهم السلمية لنيل حقوقهم. 
ويتابع: إن مجتمع البدون جزء أصيل من المجتمع الكويتي لكن السياسات الحكومية الممتدة منذ عقود تجاه هذه الفئة فصلته بشكل أو بآخر عن مجتمعه الأم فصارت هموم البدون وقضاياه لا تهم سوى البدون وفئة قليلة من مناصريهم، أما المجتمع فكل مشغول بما يمسه شخصياً؛ أصحاب القروض مشغولون بإسقاط قروضهم وأصحاب طلبات الإسكان مشغولون بالحصول على سكن بأسرع وقت إلى آخره من القضايا المتعددة.

راشد المغرد الناشط في ملف البدون والذي لم يشأ إعطاء تفاصيل أكثر من اسمه كتب لي ردا بعد التواصل معه عبر تويتر إن قضية البدون لم تكن يومًا أولوية عند أحد، لا الحكومة ولا المجتمع، ولذلك من الطبيعي ألا تجد التفاعل المستحق، بل إن الأدهى من ذلك أن هنالك من يستكثر التفاعل والتعاطف البسيط مع القضية. ويرد على ما إذا كان هناك خلل اجتماعي يحد من إبداء هذا التعاطف: أن بالتأكيد هنالك بالفعل خلل في هذا المجتمع، لأن من الواجب أن ينتفض لمثل هذه القضية، والغريب أن جزءا كبيرا من المجتمع يصدق رواية الحكومة والعنصريين في قضية البدون، ولا يكلف عناء البحث "البسيط" لمعرفة الحقيقة.
ويسترسل إجابةً عن تساؤل حول ما إذا كان يمكن القول إن هناك خشية ما من إبداء التعاطف مرادها إبقاء مسافة فاصلة بين المجتمعين وهل بالفعل بات مجتمع البدون منفصلا بهمومه وقضاياه عن المجتمع الكويتي، كاتبا: الحقيقة أن البدون عانوا لفترات طويلة من هذه المسافة الفاصلة، لكن الأمور بدأت في التغيير في السنوات الأخيرة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت القضية أكثر وضوحًا، وبات من المؤكد أن انفصال مجتمع البدون يعود لأسباب عنصرية بحتة ومخطط لها، ومع ذلك يثبت أبناء البدون في مناسبات عدة أنهم جزء من نسيج هذا المجتمع.

وحينما كنت أعد هذا التقرير كان الطفل الذي أشرت له في أوله قد احتضنته يد العناية السعودية في حين ظل تويتر يعج بعشرات المناشدات من معوزين جل أمنياتهم توفير مبلغ يسددون به إيجار مسكنهم المتأخر بعدما سدت في وجوههم أبواب الرزق أو كادت في مجتمع يستقبل أكثر من ثلاثة ملايين وافدًا لم يحتاروا في إيجاد عمل لهم أو موطأ رزق لهم وأسرهم هنا أو في بلادهم.   

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد