dark_mode
  • الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
مقاربة للصفات النفسية المشتركة بين مناصري ترامب ومناهضي عديمي الجنسية - السؤال الأكثر حضورًا في المشهد المحلي: لماذا يكره ترامبيو الكويت البدون؟ - جاسم محمد الشمري

مقاربة للصفات النفسية المشتركة بين مناصري ترامب ومناهضي عديمي الجنسية - السؤال الأكثر حضورًا في المشهد المحلي: لماذا يكره ترامبيو الكويت البدون؟ - جاسم محمد الشمري

 

في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وحين لم تكن هناك فترة زمنية بعيدة عن نشوء أزمة البدون بشكلها الطاغي الآن، قرأت مقالةً لكاتب- كان يعد علمًا حينها- يدعو بها الحكومة إلى منع البدون من ارتداء الزي الوطني المتمثل بالدشداشة والغترة والعقال؛ مبررًا مطالبته تلك بتمييز المواطنين على من سواهم.

وعلى سطحية تلك المطالبة إلا أنها تعكس حالةَ رفضٍ غير مبرر للبدون أخذت بالتمدد على مدى الثلاثين سنة اللاحقة، لتصل إلى طغيان مشاعر مناهضة لوجود البدون في المجتمع الكويتي من قبل شريحة اجتماعية هي في الأغلب من تخرج إلى المجتمع النافذين في صياغة واتخاذ القرار السياسي المحلي في مجمل القضايا المطروحة على الساحة.

وما بين ثلاثين عامًا كانت كافية ليخرج أحدهم منافحًا عن الزي الوطني وثلاثين أخرى لتخرج مجاميع تدّعي الدفاع عن النسيج الوطني مرت قضية البدون بتداعيات ليس أقلها نشوء جيلين على الأقل في كنف الحاجة والتشظي بين وطن يدفعك إلى غربة وغربة تحرك في النفس ذكريات الوطن.

قرأت مؤخرًا بحثًا مترجمًا على موقع الجزيرة نت منقول عن موقع سيكولوجي تودي يحلل به عالم الأعصاب بوبي أزاريان طريقة تفكير أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب وفيه يخلص إلى أن هناك أربع عشرة صفة نفسية تجمع عشاق ترامب، والحق أن ما لفت انتباهي أن بعضًا منها قد يتجسد جليًا في الفئة الرافضة لوجود البدون ضمن النسيج الاجتماعي للكويت- وطنهم الذي لا يحيدون عنه قيد أنملة.


الصفة الأولى: النزعة العملية كأخلاقية ترامبية

من ذلك ما عرفه العالم أزاريان بـ النزعة العملية كأخلاقية ترامبية ويعرفها على أنها "بالنسبة لبعض الأثرياء شأن مالي"، ويشرحها بأن "ترامب يعرض تخفيضات على الضرائب للأثرياء ويريد التخلص من قرار حكومي يحدّ من جني الأموال لرجال الأعمال، حتى عندما يكون ذلك القرار موجودًا بهدف حماية البيئة. أما آخرون، من أمثال عمّال "السترات الزرق"، تروقهم حقيقة أن الرئيس يُحاول إعادة الوظائف إلى أميركا من أماكن مثل الصين. والبعض، وهم بالفعل غير عنصريين، يريدون ببساطة سنّ قوانين ضد الهجرة، لأنهم يعرفون أن بلادا بأبواب مشرعة ستكون غير قابلة للاستمرار."

ويردف الباحث أن "هؤلاء الأشخاص وضعوا مخاوفهم الخاصّة قبل الوازع الأخلاقي". بالنسبة إليهم، لا تهمهم أفعال ترامب بقدر ما يهمهم النهج الذي ينادي به، ومثل هؤلاء لا يمكن إلا أن تجدهم في الواقع الكويتي ضمن مجاميع ترى أن إدخال البدون في الدائرة الاقتصادية المحلية يضر بمكاسبهم فيها وهم بذلك يشيرون دومًا إلى أنه لولا ما تقدمه الجنسية الكويتية من مزايا لما وجدنا هذا التكالب على اكتسابها.

وهؤلاء لا يشكل الحس الوطني فارقًا لديهم، بمعنى أنهم لا يعترفون مطلقًا بأن البدون يمتلكون مشاعر وطنية وانتماءً حقيقيًا لهذا الوطن وكل ما يعنيهم ألا تتوسع دائرة المشاركة بامتيازات المواطنة فتقل هذه الامتيازات أو تضمحل. وهذا نهجٌ نفعي لا يبني وطنًا مستقرًا ولا يمثل المؤمنون به ردءًا أمام أخطار محتملة قد يواجهها هذا الوطن؛ لأنهم وببساطة بمجرد أن ينضب معين هذا الوطن سيتحولون إلى وطن آخر.. ولعلّنا لا نتجنّى على هؤلاء حين نقول إنّ كثيرا منهم يعمرّ في دول أخرى ويتملّك أراض وعقارات وموارد دخل له تحسبًا لنضوب موارد هذا الوطن.

 

الصفة الثانية: الخوف

ومن هذه الصفات عامل الخوف، إذ يقرر الباحث المذكور أن المحافظين أكثر حساسية للتهديد ويشرح بأن العلم أظهر "أن الدماغ المحافظ تكون لديه استجابة خوف مفرط عندما يُواجه محفزات يراها مصدر تهديد. ويستشهد بدراسة نشرت في العام 2008 في "مجلة العلم" "وجدت أن لدى المحافظين رد فعل نفسيا أقوى إزاء مصادر الضجيج المخيفة والصور الدموية مقارنة بالليبراليين". وهذه الدراسة "لتفاعل الدّماغ وجدت أن أولئك الذين يميلون إلى اليمين السياسي لديهم لوزية دماغية أكبر حجما، وهي جزء من الدماغ ينشط كهربيًا في حالات الخوف والقلق". ويضيف وجدت دراسة تصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تعود لعام 2014 أن من الممكن التنبؤ ما إذا كان المرء محافظا أو ليبراليا بمجرد النظر إلى نشاط الدماغ خلال مشاهدة لقطات مقززة أو مخيفة، أو أجساد مشوهة. بشكل محدد فإن أدمغة أولئك الذين يقرّون بأنهم محافظون ولّدت نشاطًا إجماليًا أعلى عند الاستجابة للصور المزعجة. هذه الاستجابات الدماغية هي تلقائية ولا يؤثر فيها المنطق أو العقل"؛ ليخلص إلى أنه "طالما أن ترامب يواصل تصوير المهاجرين المسلمين واللاتينيين كتهديدات محدقة، فإن أدمغة الكثير من المحافظين ستُبرق طوعا وتماما مثلما تفعل مصابيح إنارة يتحكم فيها مفتاح كهربائي." ويقرر أن "الخوف يُبقي أتباعه في حالة نشاط وتركيز على الأمان. وحينما تعتقد أنك وجدت مخلصك، فإنّك تصبح أقل اكتراثا بملاحظاته المهينة والتقسيمية."

والآن ما رأي أصحابنا في أن هذه الصفة تتحقق في أولئك الذين يرون البدون خطرًا عليهم لمجرد أن قلة صورتهم كذلك وبالتالي برقت أدمغة هؤلاء المحافظين دون اكتراث لملاحظات هذه القلة وما إذا كانت مهنية أو واقعية.

وهنا يجب الإشارة إلى أن البدون لم يتواجد في البلاد بمحض الصدفة وإنما هي أراض كان أجدادهم يستوطنونها قبل عقود من تاريخ إعلان الدولة الحديثة، يسرحون ويمرحون فيها شمالًا وجنوبًا. وهنا تحضرني طرفة أن أولئك الذين يتداعون إلى البحث في وثائق البدون المطمورة في صحراء الكويت سوف لن يجدوا في أفضل الأحوال إلا رفات أجداد هؤلاء البدون المدفونة هنا وهناك بفعل التنقل الذي كانت سمة حياة البادية التي عاشها هؤلاء.

وهؤلاء المحافظون سوف لن يقنعهم على الإطلاق حقيقة أن الحكومة أو السلطة بشكل عام هي من أوجد أزمة البدون حينما أغلقت لجان التجنيس وتركت آلافًا من المواطنين دون هوية، وقبل ذلك حينما فتحت تلك اللجان لم تواكبها حملة توعية بأهمية وضرورة الحصول على الهوية الوطنية للبقاء في الوطن، وبعد ذلك حينما قبلت بإضفاء شرعية قانونية عرفية على وجودهم، قانونية بتسميتهم بادية الكويت وعرفية بقبولهم في وظائف حكومية وفي جهات أمنية حساسة، ثم أضفت على كل ذلك تسويفًا مستمرًا بوعود أن القضية ستحل في غضون أشهر محدودة على مدى أكثر من خمسين عامًا لاحقة.

 

الصفة الثالثة: قوة التذكير بالفناء والتهديد الوجودي

يحدد الباحث أزاريان صفة أخرى في بحثه من صفات أتباع ترامب وهي قوة التذكير بالفناء والتهديد الوجودي المحدق، وعنها يقول: "هناك نظرية مدعومة جيدًا من علم النفس الاجتماعي، تُعرف بـ "نظرية إدارة الذعر"، وهي تفسر أسباب فعالية اتجار ترامب بالخوف. تقوم النظرية على حقيقة مؤداها أن البشر لديهم وعي مميز بحقيقة أنّهم فانون. إنّ حتمية موت الإنسان تخلق رعبًا وجوديا وقلقا يئزُّ تحت السطح. لكي يتمكّنوا من إدارة هذا الذعر، يتبنّى البشر آراء ثقافية عالمية، كالأديان، والأيديولوجيات السياسية، والهويات القومية، التي تعمل بمنزلة عازل يبث في الحياة القيمةَ والمعنى."

إنَّ نظرية إدارة الذعر تتنبأ بأن الناس عندما يتم تذكيرهم بفنائهم، وهو ما يحدث عبر الاتجار بالخوف، فإنهم سرعان ما سيُدافعون عن أولئك الذين يشاركونهم رؤية العالم والهوية الإثنية والقومية، ويتصرفون بعدائية أكبر إزاء أولئك المختلفين عنهم." و"عبر تعزيز المخاوف الوجودية باستمرار، قد يكون ترامب يخلق حالة نفسية تجعل الدماغ يستجيب على نحو إيجابي أكثر منه سلبي للتصريحات المتعصبة والخطابات التقسيمية. وإن كان المرء يفتقر إلى المعرفة والذكاء الكافيين، فإنه سيظل جاهلًا بأن الشخص الفلاني يفتقد للكفاءة في أداء مهمة ما."

نظرية إدارة الذعر هذه هي ما يمكن أن تفسر حالة العداء المتفشية عند شريحة ليست بالبسيطة في المجتمع الكويتي تجاه البدون، وربما كان ( إثارة للفتنة  يجب التصحيح شعار ((كلونا البدو)) الذي أطلقه مرشح في حملته الانتخابية للبرلمان في فترة سابقة مرآة عاكسة لآلية تعامل السلطة مع البدون، فهم يرون أن هذه الفئة امتداد سكاني للبدو وبالتالي فإن استيعابهم في منظومة الوطن وإسباغ المواطنة عليهم سيزيد من عدد هؤلاء البدو الذين أكلوا الأخضر واليابس وفقًا لنظرية المرشح السالف ذكره. إن نظرية إدارة الذعر هي عامل إضافي لعزل البدون عن واقعهم. وهنا يمكن أيضا أن يصدق أمر التقسيم الفئوي، بمعنى خشية فئة من البدو أيضا أن تتفوق عليهم فئة أخرى عدديًا من الفئات التي يشكل أبناء البدون الغلبة فيها، وبالتالي يقفون موقف الرافض لوجود هؤلاء للحد من احتمالية هذا التفوق العددي.

 

الصفة الرابعة: تأثير دانينغ – كيرغر

يرى الباحث من خلال تأثير دانينغ – كيرغر، والذي ينص على أن الناس عادة ما يبالغون في تقدير خبراتهم السياسية، أن "بعض من يدعمون ترامب إما تعوزهم المعلومات وإما أنّ لديهم معلومات خاطئة حيال القضايا المتداولة". وبالتالي "عندما يخبرهم ترامب أن الجريمة على أشدها في الولايات المتحدة، أو أن الاقتصاد هو أسوأ مما كان عليه في أي وقت مضى، فإنهم ببساطة يصدقونه." ويضيف "إن تأثير دانينغ كيرغر يفسر كيف أن المشكلة ليست فقط في أنهم يتلقون معلومات خاطئة، وإنما أنهم غير واعين كليا لمسألة تلقيهم معلومات خاطئة. وهو ما يخلق مشكلة إضافية."

وفي تصوري أن إسقاط هذا التأثير على المناهضين للبدون يفسر العديد من مواقفهم تجاهها، حيث لا تنقصهم المعلومات فحسب، بل لديهم أيضًا معلومات خاطئة، وبالتالي يكون الجهل مركبا من منطلق أنه لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم، لذا أسلم عقله لقلة تسيّر قناعاته وفق أهوائها، ومما قد يزيد الطين بِلّة أن تكون هذه القلة هي ممن لا يعلمون ولا يعلمون أنهم لا يعلمون أيضا، وهنا يتخذ منحى التعامل مع القضية مسارًا متعرجًا وحادًا لا انفراج له.

ومن بعض هذه الأغاليط افتراض أن حصول أحدهم على جنسية بلد ما يؤدي إلى اقتران جميع أقاربه بهذه الجنسية دون بحث أقدمية التواجد أو اختيار أحد الأطراف الارتحال من الكويت إلى وجهة أخرى، وهنا لا بد أن أستحضر ما قاله الباحث في أن الدراسات أظهرت أن "الأشخاص الذين تعوزهم الخبرة في بعض نواحي المعرفة عادة ما يُعانون من تحيز إدراكي يحول دون إدراكهم بأنهم يفتقرون للخبرة." ويضيف أن دافيد دانينغ- بصفته عالم نفس- "يورد هذا الأمر في افتتاحيته لصحيفة "بوليتيكو"، قائلًا: "إن المعرفة والذكاء المطلوبين  كي تبلي حسنا في مهمة ما هي في العادة ذاتها الصفات المطلوبة لكي تُدرك أن شخصا ما غير بارع في أداء تلك المهمة. وإن كان المرء يفتقر إلى المعرفة والذكاء الكافيين، فإنه سيظل جاهلا بأن الشخص الفلاني يفتقد للكفاءة في أداء مهمة ما". فإذا كان متلقي المعلومة عن البدون يفتقر إلى المعرفة والذكاء الكافيين لتمييز الغث من السمين، فإنه حتمًا سيظل جاهلًا أن فلانًا من الناس يفتقد للكفاءة في أداء المهمة الموكلة إليه لحل هذه القضية المزمنة أو البحث عن حلول لها.

 

الصفة الخامسة: الحرمان النسبي

ويرى الباحث هنا أن "الحرمان النسبي يشير إلى تجربة الحرمان من شيء يعتقد الناس أنهم جديرون به. إنه السخط الذي يشعر به الإنسان عندما يقارن مكانته في الحياة بمكانة أشخاص آخرين يشعر أنهم مكافئون له أو و من منزلة أدنى إلا أنهم وبشكل غير منصف يحظون بحياة أكثر نجاحا منه."

يضيف الباحث أيضا أن "من بين التفسيرات الشائعة لجماهيرية ترامب ضمن الناخبين غير المتعصبين هو الاقتصاد. لا شك أنَّ بعض داعمي ترامب غاضبون ببساطة لأنّ الوظائف الأميركية هي من نصيب الصين والمكسيك. وهو على وجه التحديد أمر متفهَّم، وإن كان هؤلاء الأوفياء عادة ما يتجاهلون حقيقة مؤداها أن بعض هذه الوظائف تذهب إلى بلدان أخرى بسبب الوتيرة المتسارعة للأتمتة. إنَّ أنصار ترامب هؤلاء يمرون بحرمان نسبي، وهو منتشر في الولايات الفاصلة (الولايات التي تحسم التصويت) مثل ولاية أوهايو وميشيغان وبنسلفانيا. هذا النوع من الحرمان يُشار إليه بوصفه "نسبيًا" كنقيض لـ "قاطع"، لأن الشعور به عادة ما يستند إلى إدراك واهم بالجدارة."

فهل يمر مناهضو البدون هنا بهذا الحرمان النسبي؟! الحقيقة أن القراءة الواعية تشير إلى أن كثيرا من هؤلاء البدون كانوا يستنكفون العيش في بيوت الطين ويعيبون على أهل الحاضرة حياتهم تلك، ويرى كثيرٌ منهم أيضا أنهم أرفع نسبا وأعز شأنا في حياة التنقل والارتحال من أولئك الذين جاوروا البحر وامتهنوا العيش على ما يهبه لهم، وبالتالي فإن مجرد التفكير أن من كان يترفع عنك منذ سنوات مضت بات اليوم تحت حكم يدك، يدفعك ألا تمنحه الفرصة للاستقواء ثانية بعد تغير الظروف الموجبة لذلك وتغير المراكز المجتمعية. وعليه فإن الحرمان النسبي هنا يتحدد في أن من كان يرى نفسه أقل شأنا فيما مضى بات هو الشأن كله الآن، وليس من المنطق في شيء أن يتخلى عن تلك المكانة التي اكتسبها لصالح منح الحقوق لمن يعتقد أنهم سيكونون أفضل حالًا منه إن كانوا في مرتبته.  

 

الصفة السادسة: قلة الانفتاح على آخرين غير متشابهين

"التواصل البين جماعاتي"- بحسب الباحث- "مصطلح يشير إلى التواصل مع أعضاء جماعة أخرى من خارج جماعة الفرد، وهو ما أثبت بالتجربة أنه يحد من التحيز". وقد خلص إلى أنه "من المهم ملاحظة وجود دليل متزايد على أنَّ مناصري ترامب البِيض قد اختبروا تواصلًا أقل وبشكل ملحوظ من الأميركيين الآخرين"، و"على سبيل المثال، وجدت دراسة من عام 2016 أن ’…العزل الإثني والعرقي للبيض عن الجماعات الأخرى على المستوى المناطقي هو أحد أقوى المتكهِّنات بدعم ترامب´، وقد واصل هذا التلازُم حضوره حتى في ظل وجود عشرات المتغيرات الأخرى ]في الدراسة[. واتّساقًا مع هذه النتيجة، وجد الباحثون أنفسهم أن دعم ترامب ارتفع كلّما كان المصوِّت أبعد عن الحدود المكسيكية. هذه التحيزات العرقية قد تكون مستترة أكثر منها واضحة."

وكان قانون الجنسية الكويتية الذي وُضع قبل إعلان استقلال الدولة عام 1959 أقرب إلى وعاء تمتزج فيه المكونات الاجتماعية لتصير شكلًا واحدًا يسهم في بناء الدولة دون تمايز، ولما كان الجميع يعيشون متقاربين في أحياء سكنية، لم يكن الجدل واردًا على الأرجح حول أحقية الآخر في المواطنة، هذا الجدل الذي طفا على السطح حينما بدأ العزل المناطقي ينتشر في البلاد، ولتكون مناطق البلاد كانتونات مغلقة على فئات دون أخرى وكان قدر البدون أن يُعزلوا ابتداء ببيوت العشيش في الجهراء والصيهد والمقوع بعيدًا عن (قصور المواطنين) في المناطق القريبة منهم، ثم لاحقًا في تيماء والصليبية.

لم يقف هذا العزل عند حدود السكن فحسب، بل امتد إلى التعليم أيضًا حين قررت الحكومة بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي منع البدون- ما عدا فئة محددة- من دخول المدارس الحكومية التي كانت متاحة للأغلبية منهم قبل ذلك التاريخ، لتجد الأجيال اللاحقة- التي نشأت في التسعينيات والألفية الثالثة- نفسها معزولةً تمامًا عن الاحتكاك بشركائهم في الوطن، والذين تكرست لديهم نزعة الشك في صدق مواطنة هؤلاء أو كذب الادعاءات بشأنهم

 

الصفة السابعة: النرجسية الجماعية

"النرجسية الجماعية عبارة عن اعتقاد غير واقعي مشترك بعظمة جماعة المرء القومية. وهو عادة ما يطرأ عندما ترى الجماعة التي تعتقد أنها تُمثّل "الهوية الحقّة" لبلد ما، أي "الجماعة الداخلية" وهي في هذه الحالة الأميركيون البيض، بأنَّها تخسر امتيازاتها لصالح جماعات خارجية تتقدم عليها "دون وجه حق". إنَّ هذه الظاهرة النفسية ترتبط بالحرمان النسبي" المشار إليها في فقرات سابقة. ويضيف الباحث أن دراسة

نُشرت "في مجلة علم النفس الاجتماعي وعلم الشخصية وجدت رابطا مباشرا بين النرجسية القومية الجماعية وبين دعم دونالد ترامب. هذا التلازم اكتشفه باحثون بجامعة وارسو، والذين أجروا مسحًا على 400 أميركي بسلسلة من الأسئلة حول المعتقدات السياسية والاجتماعية. وفي حين أن نرجسية الفرد تسبب العدوانية إزاء الأفراد، فإنَّ النرجسية الجماعية تتضمن مواقف سلبية وعدوانية إزاء الجماعات "الدخيلة" (الجماعات الخارجية)، التي تُرى بوصفها تهديدًا."

"إنَّ دونالد ترامب يؤجج النرجسية الجماعية بخطابه مفرط القوموية المناهض للمهاجرين والنخب. وبإشارته إلى مناصريه، وهي جماعة بأغلبية بيضاء، بأنهم "وطنيون حقيقيّون" أو "أميركيّون حقيقيون"، فإنه يعزز اتجاها من الشعبوية يلخّص "سياسات الهوية"، وهو مصطلح يرتبط عادة باليسار السياسي. إنَّ سياسات الهوية الخاصة باليسار، وإن كان يُساء فهمها أحيانا، تهدف بشكل عام إلى تحقيق المساواة. في حين أن اليمين يستندُ ]من خلال هذه السياسات[ إلى الاعتقاد بأن قومية المرء أو عرقه متفوقان أو أنَّهما يخوّلانه الحصول على النجاح والثروة لا لسبب آخر غير الهوية."

ولعل السطر الأخير يأخذنا قسرًا إلى القول إن الباحث هنا لا يتحدث إلا عن تلك الجماعة في الكويت ممن يناهضون شركائهم في الوطن ويؤمنون أن الوطنية لباس خاص بهم دون غيرهم ويخوّل لهم الاستئثار بخيرات الدولة دون حسيب أو رقيب ودون أي مشاركة من أطراف يرونها دخيلة عليهم. لا يمكن مع هؤلاء بأي حال إقناعهم بخطأ تصورهم عن المواطنة. وهنا يحضرني رد عضو برلماني قدم مقترحَ قانونٍ مشوهًا لمعالجة ملف البدون في إجابته عن سؤال إعلامي من البدون يرى أنه يستحق المواطنة، حيث سأله إن كان مُلزمًا بالحصول على جنسية أخرى كخطة أولى مشروطة للحصول على الجنسية الكويتية، فجاءت الإجابة: "نعم عليك ذلك". إن من العسير إقناع شخص كهذا بأن ما يقوله يفتقر إلى المنطق القانوني ابتداء قبل أن يفتقر إلى المنطق الإنساني،، ذلك أنه ينطلق من قاعدة ثابتة بأن الوطن رقعة جغرافية محدودة بعائلات محدودة احتاجت السلطة بتهور منها في مرحلة من مراحل بناء الدولة إلى ضمّ آخرين وصار لزامًا عليها الآن إغلاق أبواب الوطن بالضبة والمفتاح.  

 

الصفة الثامنة: الشخصية السلطوية

ومن الصفات التي حددها الباحث الشخصية السلطوية والتي قال إنها "تشير إلى مؤازرة أو دعم الطاعة الصارمة للسلطة على حساب الحرية الشخصية"، مضيفًا أنه "عادة ما ترتبط بشحّ الاهتمام بآراء وحاجات الآخرين". واستطرد بأن "الشخصية السلطوية عادة ما تشخَّص باعتقاد وجوب الطاعة التامة والكلية للسلطة". وعليه فإن "أولئك الذين لديهم هذا النوع من الشخصية عادة ما يظهرون العدوانية تجاه الجماعات الخارجية، والخنوع للسلطة ومقاومة التجارب الجديدة، وتكون لديهم نظرة شديدة الهرمية للمجتمع. السلطوية عادة ما يولدها الخوف، وتجعل من الأسهل على القادة الذين يبالغون في تهديدهم أو تخويفهم الحصول على الولاء."

وما أشبه هذا الوصف بما يجده البدون من شركائهم في الوطن، إذ تتجسد الشخصية السلطوية ابتداءً بالرافضين لوجود البدون بين ظهرانيهم بدعوى أنهم يشكلون تهديدًا للنسيج الوطني، والذين حمل لواءهم أولئك السلطويون الذين لا يعيرون بالًا لآراء الآخرين وحاجاتهم، فهم يناصرون السلطة فقط لأنها ترى في وجود البدون خطرًا وجوديًا يهدد البلاد وقد استجابوا لذلك من منطق وجوب الطاعة الكلية والتامة للسلطة رغم إيمان كثيرين أن البدون شركاء لهم في الوطن، أو أن قضيتهم - على أقل تقدير - مشكلة خلقتها السلطة بإهمالها القانوني والإداري ويجب أن تتحمل وحدها تبعات معالجتها لا أن تحملها للبدون ليعالجوا وضعًا غريبًا وجد الجيل الثالث والرابع منهم نفسه مكبلًا به.

 

وأخيرًا فإن معالجة ملف البدون يبدأ أولًا بمعالجة نفسية لكل هؤلاء الذين يقفون حجرَ عثْرةٍ أمام حصول عديمي الجنسية على حقهم البديهي في المواطنة في بلدٍ لا يعرفون غيره موطئَ قدمٍ لهم منذ عقود مضت، حتى قبل إعلان الدولة بشكلها الحديث. 

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد