dark_mode
  • السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
المماطلة في إقرار قانون الحقوق المدنية والإنسانية - إيمان جوهر حيات

المماطلة في إقرار قانون الحقوق المدنية والإنسانية - إيمان جوهر حيات

من وظائف الدولة في الأنظمة الدستورية هي حماية حقوق وحريات أفراد المجتمع، احترام وتعزيز مفهوم العدالة الاجتماعية، وتحقيق الصالح العام، والدستور هو الوثيقة التي تنظم كافة العلاقات بين أفراد المجتمع وكذلك علاقتهم بالسلطة التي تحددها منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات والحريات المفترض صونها وحمايتها واحترامها من قبل أعضاء السلطة ليس فقط من خلال القسم بل من خلال الالتزام بنصوص الدستور الميثاق الذي على أساسه تشكلت الدولة وأصبحت كيان معترف به دوليا ومرتبط بمواثيق ومعاهدات ملزمة بموجب أحكام المادة 70 من دستور 1962. 

قضية البدون التي لا يراها البعض للأسف أولوية هي باكورة الإخفاق في فهم مضمون ومعنى الدولة المدنية الدستورية، فرغم ما أبرمته دولة الكويت من اتفاقيات كالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادر بها القانون رقم 33 لسنة 1968 بتاريخ 1 يوليو 1968، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها والتي انضمت الكويت إليها بموجب المرسوم بالقانون رقم 5 لسنة 1977 الصادر بتاريخ 27 يناير 1977، واتفاقية حقوق الطفل الدولية الصادر بها المرسوم رقم 104 لسنة 1991 بتاريخ 25 سبتمبر 1991، والاتفاقية الموقعة بين الكويت ومنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة والتي تم التصديق عليها بموجب المرسوم الصادر في 6 يوليو 1969، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر بها القانون رقم 12 لسنة 1995 بتاريخ 3 أبريل 1996، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر بها القانون رقم 11 لسنة 1995 بتاريخ 3 أبريل 1996 وغيرها، إلا أن السلطة ما زالت تنكر بشكل ملحوظ  وجود هؤلاء البشر بل وتعمدت إلى تغيير مسماهم من بدون إلى مقيمين بصورة غير قانونية للتملص من المساءلة الدولية التي تلزمها باحترام وتطبيق ما تم إبرامه من مواثيق، ويكفينا مراجعة بعض ردود السلطة في استعراض سجل الكويت لحقوق الإنسان من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 05 فبراير 2020.

حيث أوصت ألمانيا الكويت "بتسريع العملية التشريعية لحل قضية البدون، من خلال منح الجنسية الكويتية لأهل البدون ، وضمان الوصول غير التمييزي إلى الخدمات الاجتماعية ، وضمان أن يمارسوا حقوقهم في حرية التنقل، والتجمع السلمي، والرأي والتعبير"، وحثت أيرلندا الكويت على الانضمام إلى اتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية لعام 1961.
وتم الإشارة إلى سبب آخر مهم أدى لتفاقم قضية انعدام الجنسية في الكويت وهو أن المرأة الكويتية لا يحق لها أن تنقل جنسيتها إلى أطفالها مما أدى إلى عدد من الأطفال الذين يولدون عديمي الجنسية. ونتيجة لذلك، صدرت ما لا يقل عن 13 توصية تحث الكويت على "إزالة جميع الأحكام التمييزية بين الجنسين من قانون الجنسية" من أجل "ضمان أن تتمكن المرأة من نقل جنسيتها، على قدم المساواة مع الرجل، إلى زوجها وأطفالها". 
وعللت الكويت رفضها لتوصيات الاستعراض الدوري الشامل في 24 يوليو 2020 بأنه "لا يوجد أشخاص عديمي الجنسية" في البلاد ولكن فقط "مقيمين غير شرعيين". وقد نفت السلطات منذ فترة طويلة حق أكثر من 100.000 من البدون في الجنسية والخدمات العامة الأخرى المقدمة لمواطنيها، كما رفضت الكويت توصية أيرلندا بالانضمام إلى اتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية.
ورفضت الكويت توصيات الدول الأعضاء بمنح المرأة الحق في نقل جنسيتها إلى أطفالها. على الرغم من أن السلطات قبلت جزئياً توصية إيطاليا وشيلي بتجريم العنف المنزلي، فقد رفضت التوصية لضمان المساواة الكاملة بين الرجال والنساء وتجريم العنف الجنسي والاغتصاب الزوجي. 
نعم، السلطة هي من ترفض مساواة المرأة بشريكها الرجل، فلماذا نلوم بعض أعضاء مجلس الأمة على توجهاتهم المتعصبة التي قد يكونوا مؤمنين بها بينما السلطة هي من تشجعهم وتتبنى أفكارهم وتتعدى على المادة 29 من الدستور التي تنص على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين! 

وكذلك في التقرير الدوري الرابع المقدم من دولة الكويت بموجب المادة 40 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بتاريخ 18 نوفمبر 2020، أكدت الكويت في توصية رقم (11) :البند (أ-ب) :19_20: أنه لا يوجد ما يسمى بمصطلح "عديمي الجنسية" أو "البدون" حيث أن هذه المصطلحات ينصرف مفهومها إلى الأشخاص الذين ليس لديهم جنسية ينتمون إليها، وهذا ما يتعارض مع وضع ومفهوم المقيمين بصورة غير قانونية الذين دخلوا الكويت بصورة غير مشروعة وأخفوا المستندات الدالة على جنسياتهم الأصلية طمعاً في الجنسية الكويتية وما توفره من مميزات، وأكدت أن المسمى الرسمي المعتمد هو "المقيمين بصورة غير قانونية" بموجب المرسوم الصادر بإنشاء الجهاز المركزي رقم (2010/467).
وعليه يتبين سبب الصمت عن قضية الجوازات المزورة أو الوهمية التي تم إصدارها للبدون وبعلم السلطة ولم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني حيالها حتى تاريخه، تحويل البدون إلى مقيمين غير شرعيين؛ وقمع حقوقهم بالمطالبة في الجنسية… أليس هذا ما يبدو! 

وبعد ذلك ونتيجة لفقدان الأمل الذي أصاب شريحة كبيرة من البدون بسبب الإنكار المستمر لوجودهم والمماطلة في إقرار أبسط حقوقهم الإنسانية، توجه بعض أبنائهم للانتحار لأجل الخلاص من هذا الثقل الكبير الذي يجثو على صدورهم، وانتفض بعض أعضاء مجلس الأمة لما حدث من حالات انتحار متكررة بين أبناء البدون وأعلن 5 نواب في تاريخ 20 مايو 2021 في جريدة الجريدة عن تقدمهم باقتراح بقانون في شأن الحقوق القانونية والمدنية لغير محددي الجنسية.
ويقضي الاقتراح بمنح فئة غير محددي الجنسية الحقوق المدنية والإنسانية الأساسية وفي مقدمتها التعليم والعلاج والعمل والزواج وحرية التنقل في الداخل والسفر للخارج.
ومن تلك اللحظة بدأت المماطلة تطول وتتمدد، حيث تم رفع جلسة 25 مايو 2021 لعدم حضور الحكومة بحجة جلوس النواب على مقاعد الوزراء، وفي 03-06-2021 أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم رفع جلسة المجلس الخاصة لعدم حضور الحكومة، والمقرر من خلالها مناقشة تعديل قانون المحكمة الإدارية فيما يخص بسط سلطة القضاء على المسائل المتعلقة بالجنسية. 
وبدأت تتصاعد مطالب بعض أعضاء مجلس الأمة وخاصة بإقرار الحقوق المدنية والإنسانية للبدون، ولكن ومرة أخرى حسب ما نشر في كونا في 8 يونيو 2021 أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق علي الغانم رفع جلسة المجلس العادية لعدم حضور الحكومة بسبب جلوس النواب على المقاعد! 
ورغم كل هذا التصعيد غير المسبوق عقدت الجلسة الخاصة 21 يونيو 2021 وتم إقرار الميزانية العامة للدولة وتقديرات الإيرادات والمصروفات الواردة بها، كما وافق على ميزانيات الجهات ذات الميزانيات الملحقة والمستقلة، وأحيلت إلى الحكومة.
وبعدها استمر مسلسل رفع الجلسات، حيث أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في 30 يونيو 2021 رفع جلسة المجلس الخاصة لعدم حضور الحكومة بحجة عدم التنسيق. والتي كان على جدول أعمالها بنود حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة والمشاريع الإسكانية ومعوقاتها وتضرر المواطنين من النصب العقاري وارتفاع أسعار البناء ومشروع قانون التمويل العقاري واقتراحات بقوانين بتعديلات قانون إنشاء الدائرة الإدارية والاقتراحات بقوانين بشأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة واستقالة النائب يوسف الفضالة، 
وتم فض دور الانعقاد العادي الأول للفصل التشريعي السادس عشر في الأول من يوليو 2021 ولم تتضرر فقط حقوق البدون بل أصبحت حقوق المواطن تحت رحمة المهاترات السياسية المنعدمة الأفق. 

 
وافقت لجنة شؤون غير محددي الجنسية بتاريخ 24 أكتوبر 2021 في اجتماعها الختامي عن دور الانعقاد الأول على قانون بمنح حقوق مدنية لفئة غير محددي الجنسية كمنح بطاقة مدنية تكفل العلاج المجاني والتعليم واستخراج شهادات الميلاد والوفاة ورخص القيادة والجوازات المؤقتة السماح باللجوء لجميع المحاكم المختصة وتحرير وتوثيق الوكالات وعقود الزواج وحصر الإرث وتلك بكل تأكيد حقوق إنسانية مستحقة ومن المفترض أن تكون مكفولة في بلد تدعي الإنسانية، ولكن دعونا نجاري هذه الأحداث لنفهم كيف يدار هذا البلد؟! 
امتعاض واضح لتلك الحقوق الإنسانية من قبل الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع البدون والداخلية، حيث نشرت جريدة الرأي في 7 نوفمبر 2021 انتقاد الجهاز المركزي الذي يرى عدم مواءمة ما ورد في الاقتراحات من خلال إقرار حقوق ومزايا لا تصح، وأضافت «الداخلية»: أن اقتراحات استخراج رخص القيادة وجوازات السفر للفئة مزايا متحققة! 
ومع ذلك تم إدراج تقرير لجنة غير محددي الجنسية البرلماني بجدول أعمال متخم بالاستجوابات رغم تحفظ الحكومة، عبر ممثلي الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع البدون، وقدم الجهاز مذكرة مكتوبة يرى من خلالها عدم الأخذ بالاقتراحات، حيث يشوب الاقتراحات بعض المثالب الدستورية والقانونية، منها استحداث فئة ثالثة تحت مسمى (غير محددي الجنسية) واقتراح حقوق مزدوجة لها تجمع بين الحقوق المقررة للمواطنين والأخرى المقررة للأجانب، مما ينشئ مركزاً قانونياً ثالثاً لتلك الفئة واعترافاً صريحاً بوجودها الأمر الذي يدفع المجتمع الدولي إلى الضغط على الكويت للانضمام لاتفاقية وضع الأشخاص عديمي الجنسية لعام 1954، وكذلك اتفاقيات خفض حالات انعدام الجنسية لعام 1961، فضلاً عن ضغط منظمات حقوق الإنسان الدولية وبالتالي تصنف الكويت ضمن الدول التي تمارس التمييز العنصري على فئة غير محددي الجنسية، وهو أمر يسهم في الضغط عليها لمنحهم الجنسية الكويتية.
كل هذه الضجة والكتب والتصريحات انتهت بعد رفع الجلسة العادية التي كان مقرر انعقادها 9 نوفمبر 2021، وتعليق المجلس جلساته وعدم اكتمال النصاب نتيجة لاستقالة الحكومة، والانتظار لحين تشكيل الحكومة الجديدة! 
وفي 4 يناير 2022 في جريدة الرأي يرفع رئيس مجلس الأمة الجلسة التي تخللها مشادات وسجالات حول عدد من القضايا، وأكد الغانم أنه «نظرا لاستقالة الحكومة فإن هذه الاستجوابات وما صحبها من طلبات تسحب من جدول الأعمال بما فيها طلب تأجيل المزمع منها»، قائلاً: «أوضح من كده مافيش».
واستمرت لعبة الكر والفر تتكرر بتكتيكات مختلفة والمتضرر الوحيد هو المجتمع الذي تفاقمت مشاكله وهمومه، وتلاشت ثقته في مصداقية برلمانه وحكومته وهذا هو الخطر الذي أودى بكثير من الدول إلى الهاوية. 
ما نشهده اليوم في ساحتنا المحلية من تراشقات وصراعات سياسية وضجر واستياء مجتمعي ليس إلا نتاج غياب الرقابة المسؤولة التي تلزم أفراد السلطة بالتقيد بنصوص الدستور والعمل الدؤوب على مواكبة كافة التشريعات والقوانين مع أحكام الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها. 
خرق هذا الميثاق هو خرق لثقة المجتمع وها نحن اليوم ندفع الثمن من أعمارنا التي ضاعت على مهاترات وتصعيدات سياسية أهملت مسيرة وطن وجعلت المجتمع يتقلب وجعا على صفيح ساخن يترقب الفرج الذي طال انتظاره دون جدوى.
أزمتنا هو نهج سلطة ما تزال غير مقتنعة بأن الكويت دولة مدنية دستورية، لن يدفع البدون وحدهم ثمن تلك الإخفاقات المتكررة والبائسة بل سندفع جميعا ثمن ذلك إن لم تتكاتف الجهود وتتضامن كافة مؤسسات المجتمع المدني لنصرة وحماية حقوق وحريات جميع أفراد المجتمع.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد