dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
ما يحدث... خياران على الطريق: استشراف مستقبل قضية البدون على المدى القصير – د. فهد راشد المطيري

ما يحدث... خياران على الطريق: استشراف مستقبل قضية البدون على المدى القصير – د. فهد راشد المطيري


كما كان متوقّعا، أعلن رئيس مجلس الأمة في سبتمبر الماضي عن نيته إعادة تقديم مشروع قانونه حول قضية "البدون" بعد أن فشل فشلا ذريعا في أكتوبر من العام الماضي في مجرّد إقراره في لجنة الشؤون الداخلية والدفاع، لكن "الرئيس" هذه المرة يبدو أكثر جاهزيّة من المرة السابقة، ولعلّه تعلّم درسا من هزيمته السابقة، وهو أن وجود نوّاب موالين له لا يكفي لضمان خروج مشروع قانونه بسلام من مطبخ لجان المجلس، إذ ينبغي أيضا اختيار النواب الموالين بعناية أكثر بحيث لا يكونون واقعين تحت تأثير قواعد انتخابية على علاقة مباشرة بشريحة "البدون" كما حدث في العام الماضي. حين نتأمّل أسماء أعضاء اللجنة الحالية المختصة بالشؤون الداخلية والدفاع، سنرى بوضوح أنّ الطريق هذه المرة تبدو سالكة أمام "الرئيس"، فأغلب أعضاء اللجنة من أنصاره ولا ترتبط قواعدهم الانتخابية بشريحة "البدون"، وبالطبع لم يكن انضمامهم إلى هذه اللجنة على وجه الخصوص مجرّد مصادفة. إلى جانب لجنة الشؤون الداخلية والدفاع، يحظى "الرئيس" أيضا بأغلبية نيابية مريحة في لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، وأما لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان التي يرأسها النائب الفاضل شعيب المويزري فقد تسبّب لرئيس المجلس بعض الإزعاج، لكنها مع الأسف لن تستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك، وبالتالي، نستطيع القول إنّ مشروع قانون "الرئيس" لا يواجه عقبات في طريق عرضه على المجلس، لكن ماذا سيحدث عندئذ؟

هنا أيضا تبدو الطريق سالكة أمام "الرئيس"، وأسباب ذلك كثيرة، منها الدعم الحكومي الذي ذهب إلى حدّ التجديد للجهاز المركزي ورئيسه لفترة زمنية تكفي لتمرير مشروع "قانون مرزوق"، إلى جانب انقسام الصوت النيابي المعارض وضعفه بعد مجريات ما يسمى "الحوار الوطني"، وهو الحوار الذي أضفى على "الرئيس" شرعية سياسية حتى ضمن صفوف من كانوا بالأمس القريب يطالبون بعزله عن رئاسة المجلس.

كل المؤشرات والمعطيات – إذًا – تدل على أنّ مشروع "الرئيس" سيُقرّ في حال عرضه على المجلس، ربما ليس في صيغته المنشورة، لكن التعديلات لن تكون جوهرية على الأرجح. إذا كان هذا هو واقع الحال، ما هي العواقب الناتجة عن إقرار قانون "الرئيس"؟ فيما يتعلق بالبدون، لا شيء سوى المزيد من المعاناة والقهر، فمشروع قانون "الرئيس" ليس سوى شرعنة لسياسة "الجهاز المركزي" التي كابد ويلاتها "البدون" خلال عقد كامل بعد أن كابدوا ويلات اللجنة المركزية لأكثر من عقدين من الزمن، فكل من اطلع على مشروع القانون سيرى بوضوح علاقة التماثل بين مواده وإجراءات "الجهاز المركزي"؛ فالمادة 4 ليست سوى استمرار في مقايضة أبسط الحقوق المدنية بالتوقيع على ما يسمى "تعديل الوضع القانوني"، والمادة 5 ليست سوى استمرار لتبنّي النهج الحكومي لتسهيل تخلّي "البدون" عن "بدونيتهم" والتي نتج عنها فيما مضى كارثة "بدون البدون" إبّان فضيحة الجوازات المزورة، والمادة 6 ليست سوى استمرار في حرمان "البدون" الرافضين لسياسة "الجهاز المركزي" من أبسط حقوقهم الإنسانية، والمادة 7 ليست سوى استمرار في إقصاء القضاء عن قضية "البدون".

لكن عواقب إقرار مثل هذا القانون لا تقتصر على "البدون". لنتأمّل على سبيل المثال فحوى المادة 6 من القانون، حيث هناك إشارة واضحة إلى فرض عقوبات على كل "البدون" الرافضين للامتثال إلى "التعاون" مع الحكومة على "تعديل أوضاعهم القانونية"، منها عقوبات واردة في قانون إقامة الأجانب. تتضمّن مثل هذه العقوبات الغرامة المالية والحبس والإبعاد. أما الغرامة المالية فمن المعروف أن الغالبية العظمى من "البدون" يعانون سياسة إفقار تنتهجها الحكومة ضدّهم منذ زمن طويل، وحتى مع افتراض القدرة على دفعها، لن يقف اتهامهم بمخالفة قانون الإقامة عند هذا الحد، فالقانون أيضا يجيز الحبس، فهل سيكتظّ السجن المركزي بشريحة "البدون" بكل أفرادها من رجال ونساء وأطفال؟ لكن الحبس، بحسب قانون الإقامة، محدود بمدة زمنية قصيرة، فما سيحدث للبدون بعد انقضائها؟ لم يبق سوى خيار الإبعاد، لكن إبعادهم إلى أين تحديدا؟ للحكومة أن تخلق الكذبة وأن تُصدّقها أيضا، غير أنّ الحقائق صعبٌ تجاهلها، فالسياسة العبثية التي اختلقت مؤشرات الجنسية لن تؤدّي إلى ترحيل "البدون" إلى أي مكان خارج حدود الكويت، ذلك أنّ لا دولة في العالم أجمع تعترف بانتمائهم إليها، أي أنهّم "عديمو جنسية" حتى لو اخترعت الحكومة لهم مسميّات أخرى ضمن سياستها العبثية في تعاملها مع هذه القضية.

في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، ورد في الأخبار رفض الحكومة المستقيلة لمشروع قانون الحقوق المدنية والاجتماعية لشريحة "البدون"، ومع أنّ هذه الحقوق لا تختلف كثيرا عن "المزايا" التي يعرضها مشروع "قانون مرزوق"، إلّا أنّ سبب الرفض ليس لغزا، فالحكومة وحلفاؤها لا يعرضون "مزايا" من دون مقابل، والمقابل كما ذكرنا هو تخلّي "البدون" عن "بدونيتهم" والانتساب إلى أي دولة في العالم عدا الكويت، وهذا بالضبط ما لم يرد في مسودة قانون الحقوق المدنية والاجتماعية، ولهذا تمّ رفضه، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترفض فيها الحكومة وحلفاؤها مثل هذا القانون.

يبدو أنّ أمام "البدون" خيارين في حال اتخاذهم لموقف موحّد تجاه "قانون مرزوق" إذا تمّ إقراره: الخيار الأول هو القبول بالأمر الواقع، والخيار الثاني هو الرفض المطلق للقانون. دعنا نستشرف ما يترتّب على كل خيار على حدة. إذا كان الخيار هو القبول بالقانون، فإنّ السبب في ذلك ليس عسيرا على الفهم، فهناك ربّما من يرى أنّ تشويه الوضع القانوني للبدون وحرمانهم من حق الجنسية ليسا بدعة ابتدعها هذا القانون، بل هما واقع مرير يعود إلى زمن طويل، وإذا كان القانون يتيح لهم على الأقل أن يحصلوا على أبسط حقوقهم المدنية، حتى لو كان القانون يسميها "مزايا"، فليكن! هذا الموقف الاستسلامي مفهوم من دون شك، لكنه ينطوي مع ذلك على نظرة قاصرة، فتعامل القانون مع "البدون" بوصفهم مقيمين في فندق 5 نجوم ليس سوى وهم كبير، ويكفي أن نتذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، أن "المزايا" التي يتضمنها القانون لا تشمل حق استصدار جواز سفر كويتي، وما يترتب على ذلك من عواقب لا تخفى على أحد، منها الحرمان من إمكانية العلاج في الخارج أو الالتحاق ببعثة دراسية أو تأدية شعائر دينية. بعبارة مختصرة، ستكون الكويت محلّ إقامتهم الجبرية، وهذا إلى السجن أقرب منه إلى الفندق. هناك بالطبع البديل المتمثل بشراء جوازات أجنبية، لكن هذا المسلك معروفة عواقبه سلفا بفضل تجارب مريرة سابقة. 


ماذا عن خيار الرفض المطلق للقانون؟ ليس خيارا سهلا بطبيعة الحال، لكن ليس من السهل أيضا إنكار ما ينطوي عليه من مقاومة قد تأتي بنتائج مثمرة، فالقانون كما ذكرنا يحمل بذور فشل تطبيقه على أرض الواقع، وخيار الرفض سيفاقم معاناة "البدون" من دون شك، لكنه أيضا سيفاقم من سرعة فشل القانون، وسيساهم هذا بدوره في إلغاء هذا القانون المعيب، وربما أيضا في دفع المسؤولين إلى التحلّي أخيرا بمسؤولياتهم والرجوع إلى رشدهم للتعامل مع هذه القضية بالحد الأدنى من العقلانية. 

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد