dark_mode
  • الإثنين ٢٠ / مايو / ٢٠٢٤
البدون مستودع الفرص الضائعة.. ولسان حاله يؤكد: ليس كل مطرود ملحوق – جاسم محمد الشمري

البدون مستودع الفرص الضائعة.. ولسان حاله يؤكد: ليس كل مطرود ملحوق – جاسم محمد الشمري

قبل خمسة أعوام وتحديدا في العام 2018 كان أبو عثمان في التاسعة والأربعين من عمره وعلمنا أنه قدم أوراق تسجيله عسكريا في الجيش الكويتي وحينها كانت وزارة الدفاع قد بدأت بقبول أوراق البدون للانخراط في القوات المسلحة.

يقال بأن آلافا من الشباب بدءا من عمر الثامنة عشر وحتى الأربعين قدموا للالتحاق بهذه الفرصة الوظيفية التي تمثل لكثيرين انتقالا من العدم إلى السطح، غير أن الأمور انتهت إلى لا شيء ومن كان يمني النفس بفرصة عمل جيدة عاد خائبا لمعاقرة حزنه، وكان أبو عثمان ربما الوحيد الذي لم يخب أمله لأنه لم يكن لديه ما يخسره. فهو سهم رماه من كنانته إن أصاب فبها وأكرم وإن لم يصب لم يندم على ما فاته منه.

حال الآلاف الذين قدموا أوراقهم كان بمثابة جرس تنبيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو حريص على هذا المجتمع إلا أنه لا حياة يبدو لكثيرين وقفوا حجر عثرة أمام طموحات وآمال جيلين على الأقل ممن فقدوا الرغبة في مواصلة الحياة وانعزلوا يتجرعون مرارة الشكوى وذل الحاجة.

حينما أعلنت وزارة الدفاع تلك الرغبة وتدافع أبناء البدون لاغتنامها كان للتو قد بدأ تشغيل مستشفى الجهراء الجديد ببنائه الضخم وكانت الشكوى أن الأيدي العاملة شحيحة وأن كثيرا من أقسامه وأركانه لا يمكن بدء العمل بها أو تشغيلها بشكل جزئي وهنا كنت أقرأ، أستمع وأطلق حسرة على هذا الكم من التخبط حينما يكون لديك آلاف ممن يبحثون عن فرص عمل تتركهم نهبا للضياع ثم تشتكي نقص الأيدي العاملة، وأقول ماذا لو فتح المجال حينما بدأت أعمال البناء في المستشفى لدخول هذه العناصر في دورات يحتاجها سوق العمل كفني أشعة أو فني مختبرات أو تمريض وخلافه من المهن التي يمكن استيعاب هؤلاء بها؟ إلا أن العقبة الوحيدة أن من يدير الأمور لم يكن يلقي بالا لبناء مجتمع متماسك أو وطن آمن وإلا ما اختار سياسة الإقصاء لتدمير حياة الآلاف.

هذه الهواجس حضرتني وأنا أستذكر المثل البدوي كل مطرود ملحوق لأقول إن من قاله لو عاش زمننا هذا لكسر قوسه وترك صيده فليس كل مطرود ملحوق وكم من عمر فات يطارد البدون فيه لاهثا خلف سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد هناك من يخرج له لسانه ليقول: عليك بالركض ثانية فليس لك اليوم ها هنا من سبيل.

هذه الهواجس هي أيضا من دفعني لسؤال البعض ما إذا مر بتجربة فوات فرصة محققة لجني مكاسب أو تطوير ذات بسبب كونه من فئة البدون وكيف أثرت هذه التجربة على مسيرة حياته.

في البدء كتب لي منصور- 46 عاما – ويعمل موظفا في جمعية تعاونية إنه على المستوى الوظيفي نعم ولا شك فكونك "بدون" يشكل أكبر عائق لك للحصول على وظيفة محترمة وتكون فيها حقوقك الوظيفية مصانة ومحفوظة فللبدون تحديدا لا يوجد أمان وظيفي، حتى لو كانت وظيفته حكومية فهو مطالب بمراجعات تجديد العقود بشكل سنوي وإلا فإنه سيستغنى عنه ومن باب أولى أن لا يهدد بذلك لأن هذه الوظائف المتدنية يرضى بها البدون وبرواتب متدنية ليس قياسا على المواطنين بل وقياسا على الوافدين حتى.

ويضيف: أما على الجانب التعليمي وتطوير الذات والحصول على درجات علمية متقدمة فهذا شبه مستحيل أو هو من أصعب الأمور لو أردنا تخفيف العبارة فالتعليم الجامعي ممنوع إلا في أضيق الأحوال وحتى لو وفقت للحصول على شهادة جامعية بسبب نسبتك المرتفعة جدا كما حصل معي فإنك لن تستطيع إكمال تعليمك والحصول على الماجستير والدكتوراة إلا على نفقتك الخاصة وهذا بعيد المنال على البدون.

ويتابع بالقول: أما أصعب التجارب التي كنا نخوضها في مقتبل أعمارنا فهو حين نرى أقراننا من المواطنين والخليجيين يقبلون في السلك العسكري بينما كنا نحن نسعى لذلك حيث إنها الفرصة التي ستضمن لنا حياة كريمة ولكننا محرومون منها.

أما سعود - ٤٤ عاما – ويعمل مديرا تنفيذيا فيقول: نعم بسبب أني بدون لم أستطع أن أسافر للتجارة وحضور المعارض الدولية بسبب عدم وجود جواز وصعوبة الحصول على تأشيرة إن وجد وغيرها من الفرص.

ويضيف: أما عن تطوير الذات فكانت هناك دورات تدريبية في هيئات الدولة لم أقبل بها بسبب أني بدون، وكانت عندي فرص كثيرة لتسجيلي شريكا في أكثر من مكان لكن بسبب منع البدون من تسجيل أي شيء باسمه أثر ذلك في مسيرتي وتحقيق طموحي.
ويختم بالقول: هذه بعض الصعوبات التي مررت بها وغيرها الكثير والكثير. ثم يصمت متحسرا.

ويقول جراح – ٤١ – ويعمل إداريا، إن من أهم التجارب التي مر بها وكان لها الأثر الأسوأ كانت عند مقتبل العمر وبعد نهاية الدراسة والتوجه إلى سوق العمل حيث اتضح له حينها أنه لا يوجد أصلا فرص متاحة ويضيف: عندما يذهب أصدقاؤك إلى الجامعة وأنت تحرم منها كونك بدون ويزيد الطين بلة عدم قدرة والدك المالية التي لا تسمح لك بالالتحاق في دراسة جامعية خاصة ثم مجموعة أخرى من هؤلاء الأصدقاء والزملاء والأقارب يقبلون للعمل في السلك العسكري وأنت تحرم منها أيضا.

ويتابع متألما: من هنا تبدأ معاناة النفس وتدرك أن جميع الفرص تقتل قبل ولادتها، وتحرم من كل شي فقط لأنك (بدون). هنا فقط تعلم بأن الحياة قد تقتل كل شيء إلا الأمل بالله سبحانه وتعالى فهو الدافع للبقاء والبحث عن فرص رغم عدم وجودها حقيقة.

يصمت المتحدثون وأصل أنا إلى مرارة نطق.. في حياة البدون: ليس كل مطرود ملحوق، وما فات لن يعود! خلاصة ما وصل إليه كثيرون.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد