dark_mode
  • الخميس ١٨ / أبريل / ٢٠٢٤
ألستُ امرأة – هديل العونان

ألستُ امرأة – هديل العونان

ألستُ امرأة؟

التساؤل أعلاه كان عنوانًا لخطاب امرأة أمريكية من أصل أفريقي في مؤتمر أوهايو لحقوق المرأة عام ١٨٥١. عبّرت " سوجورنر تروث" في ذلك اليوم وبقدرة خطابية عالية ممزوجة بألم العبودية وبمعاناتها المزدوجة كامرأة من السود. هذا الاضطهاد المضاعف دفعها أن تكون ناشطة نسوية مؤثرة تطالب وبعلو صوتها بمكافحة العبودية والاضطهاد الموجه ضد النساء السود تحديدًا.

لفت نظري هذا الخطاب لقدرة "تروث" التي فاضت قريحتها المنهكة بآلام العبودية والتمييز الجنسي. قرأته مرارًا وقاربت ما بين هذه المعاناة ومعاناة نساء الكويتيين البدون؛ فتساءلت بذات الألم الذي شعرت بحرارته "تروث": ألسنا نساء؟!

نعم، وبكل أسفٍ ممزوج بحسرة لم نعد نطيقها، تعاني النساء البدون في الكويت ومنذ عقود تزامنًا مع الميلاد المنكوب لقضية الكويتيين البدون اضطهادًا مضاعفًا كونهن بدون من ناحية ونساء من ناحية أخرى. هذا الاضطهاد الذي دفع بكثير من النساء البدون إلى الخروج عن صمتهن والتعبير عن آلام مرت بأجيال سابقة حتى تسببت لهن بجروحٍ غائرة لا يُمحى أثرها ولا زالت، ويُحسب لبنات هذا الجيل شجاعتهن وقدرتهن على كسر حاجز الصمت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ليعبرن عن حجم الاضطهاد الواقع عليهن في ظل الوعي النسوي المبشر عن جيل واعٍ بحقوقه وباستحقاقه لعيش حياة إنسانية كفلتها القوانين والمواثيق الدولية.

هذا إلى جانب مشاركتهن الإيجابية في كثير من الوقفات الاحتجاجية والحديث بإسهابٍ عن المعاناة المزدوجة والانتهاكات القسرية التي تعرضن لها بدءًا من الميلاد مرورًا بالحرمان من التعليم وكثير من الحقوق الأساسية والوثائق الرسمية، وهذا ما تقتضيه المرحلة التي تمر بها قضية الكويتيين البدون وما يقع على عاتقنا من مسؤولية مضاعفة بصفتنا معنيين بهذه القضية بالدرجة الأولى.

فبعد توقف الدعم الحكومي آنذاك لتعليم أبناء الكويتيين البدون تطبيقًا لممارسة التضييق بحسب وثيقة العام ١٩٨٦، الأمر الذي نتج عنه تجهيل عدد كبير من أبناء هذه الفئة كان للنساء النصيب الأكبر منه، قد اضطرت كثير من الأسر إلى حرمان الفتيات من التعليم قسرًا رغبة باستمرار تعليم الأبناء الذكور ومن تقع عليهم فيما بعد تحمل مسؤولية الأسرة، أليس في هذا تمييز جندري وانتهاك لحقوق إنسانية دُفعت إليه الأسر دفْعًا؟! 

لماذا تضطر الأسر البدون لتزويج الفتيات زواجًا مبكرًا قد لا يرغبن فيه لتخفيف وطأة الحمل والتخلص من مسؤولية فرد قد يتسبب وجوده في زيادة أعباء المعيشة؟!

هنا تشعر الفتاة أنها مجرد عبء على أسرتها هذا ما همست لي به إحداهن بمرارة: "بتزوج عشان أخفف على أهلي"، أي ألمٍ تعيشه الفتاة البدون التي لم تسنح لها الفرصة لإكمال تعليمها أو الحصول على عمل يحقق لها الاستقرار والاستقلال معًا إن وجد!!

وهذا ما يفسر ربما إقدام عدد لا يستهان به على الانتحار تبْعًا لحالات اكتئاب شديدة مررن بها. أولسنا نساء لنتعلم ونعمل ونشارك في بناء أسر مستقرة؟!

 في الجهة المقابلة قد نجد أرباب أسر يرفضون تزويج البنت العاملة لأن عملها قد يكون مصدر دخل الأسرة الوحيد الذي يشكل فقدانه تهديدًا لمعيشتهم.

صدقًا، نحتاج إلى وعي بحجم وعي "تروث" بالألم المضاعف الذي تعرضت له كامرأة سوداء تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وإلى خطابٍ نسوي "لا برجوازي" يعوّل عليه، وقد لا يخفى عليكم ضعف الدور الذي تؤديه الجمعية النسائية في الكويت والتي ليس لها تحرك فاعل وحقيقي في قضايا المرأة بشكلٍ عام أساسًا.

نحن بحاجة حقيقية إلى عملٍ منظم لا عشوائي أو فردي تتصدره النساء البدون، والكثيرات منهن يستطعن وبكفاءة قيادة المشهد؛ ليعرضن- بالتالي- وبمنهجية واضحة وفعّالة كل الانتهاكات التي طالت النساء البدون وهذا ليس بداعٍ لتشتيت القضية بشكلها العام إنما دعوة لإبراز ما آلت إليه الأوضاع من فظائع بحق الأفراد البدون لتصب في النهاية بمصلحة قضية أعم.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد