dark_mode
  • الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
مقابلة بلاتفورم مع المخرج يوسف العبد الله

مقابلة بلاتفورم مع المخرج يوسف العبد الله


يوسف العبد الله، مخرج وكاتب سيناريو مبدع، "كويتي" خارج الكويت، ولا تقبل مهرجانات الكويت مشاركته لأنه بدون. فاز بجوائز عديدة كان آخرها فوز فيلمه القصير "ببن بي ك" بجائزة أفضل فيلم قصير في مسابقة "الصقر الخليجي القصير". كانت لبلاتفورم وقفة معه في عددها السالب ثلاثة حول موهبته ومسيرته الفنية، إنجازاته وإخفاقاته، ودوافعه والعقبات التي واجهته وتواجهه، وعن فيلمه ببن بي ك. مقابلة مكتوبة تنقلها لكم بلاتفورم في السطور التالية:



1.    كيف بدأت مسيرتك الفنية؟ وما هي أهم محطاتها.. إخفاقاتها ونجاحاتها؟

 

-       في عمر الثالثة والعشرين، كنت موظفًا بائسًا أعمل في قسم "شؤون الموظفين" لتسع ساعات يوميًا، وأتقاضى راتبًا لا يتجاوز مئتين وخمسين دينارا كويتيا. أستيقظ في كل صباح وأتساءل قبل الذهاب إلى العمل "ما الذي أفعله هناك؟ ألهذا خلقني الله حقًا؟" أربط ربطة عنق لا تشابهني، وأذهب.

وفي أحد الأيام شاهدت فيلم "البلهاء الثلاثة" وصادف
أيضًا قراءتي لرواية "الخيميائي" لباولو كويلو، أحب القصص وأحب الأفلام، وكلا العملين يجمعهما فكرة "ما أن تسعى لتحقيق حلمك، سيسعى الله معك".
فقررت أن أفاتح والدي في الموضوع قبل أن أقدم استقالتي، كونه هو من استطاع أن يدبر لي هذه الوظيفة، فقال "لا بأس إن كان هذا ما تريد، ولكن خوفي أن ينتهي بك الأمر كبائع بطيخ."

حين استقلت من هناك، كان كل ما أعرفه هو أنني أريد أن أكون صانع أفلام، لم أكن أعلم من أين أبدأ وكيف سأبدأ.
وفي أحد الأيام كنت أتحدث عن الأفلام مع صديقي وقريبي
أيضًا، عثمان آرميا، وهو كاتب من فئة البدون، فقال أنه يملك مشروع اسمه "Hope" وهدفه هو مساعدة الآخرين ليبدؤوا مشاريعهم الخاصة. فزارني في المنزل، وزودني بمبلغ مئتي دينار، وزاد على هذا المبلغ والدي، واستطعت أن أشتري كاميرا وعدسة وجهاز تسجيل صوت.

فتحت قناتي على اليوتيوب، وصنعت أنا وأخي الأصغر "ناصر" تشويقة أو تريلر للقناة، ما دفع المخرجَين، عبد العزيز البلام وأحمد التركيت، للحديث معي لضمّي لفريقهم، وهم مخرجون سينمائيون مستقلون من الكويت.
وبعد ذلك كان أول إخفاق لي،
حيث صنعت فيلمًا يُدعى "المفروض" وهو فيلم لم يرَ النور، ولن يرى النور؛ لأنه سيء على جميع الأصعدة.
شعرت بحزن شديد أثناء قيامي بعملية "المونتاج"
، ما جعلني أفكر جديًا بأن أترك الإخراج لأهله، وأعود لأحد الوظائف.

وبعد أيام قرأت صدفة اقتباس للروائية إيزابيل الليندي، تقول فيه "إذا أردت أن تصبح روائيًا عظيمًا، فاكتب قصة قصيرة فاشلة!"، ما أشعل حماسي، وجعلني أعود للكتابة مجددًا.

وفي أحد الأيام، كنت أتحدث مع صديقي "محمد المبهر" وأحدّثه عن قصة كتبتها واسمها "ياهل"، وحينما انتهيت من سردها، قال لي: "والله ببالك هالقصة وللحين ما كتبتها؟! روح البيت الحين واكتبها!" كنت بحاجة لهذا الدافع، عدت إلى المنزل وبدأت بالكتابة.
وفي أول فيلم لي، وأول مهرجان سينمائي أشارك
فيه، فزت بالمركز الأول.
وأنا أجيب عن هذا السؤال، أفكر، أنني حقًا لا شيء دون أصدقائي، أنا لا شيء دون كل من هم حولي.

 

 

2.    كيف احترفت المهنة؟ وما هو برأيك سر إبداعك؟

 

-       "احتراف المهنة" مصطلح كبير جدًا، أنا لازلت أتعلم وأخفق وأحاول أن أتطور.
سر الإبداع -
أيضًا لا أحب الحديث عن نفسي بهذا الشكل- ولكن كفنان، أنا شخص أملك ذوقًا خاصًا بي، وأؤمن به جدًا، وأبذل كل ما بوسعي لأرضيه.

 

3.    إلى جانب الإخراج تقوم بكتابة السيناريو؟ ما الذي يستفزك للكتابة؟

 

-       توقفت عند هذا السؤال طويلًا، ما جعلني أعيد النظر على بعض السيناريوهات التي كتبتها، وأسأل نفسي، حقًا، ما الذي يستفزني للكتابة؟

ولا أستطيع أن أسمي الأشياء بعينها، لأن القائمة طويلة جدًا، ولكن أعتقد، أنني أريد أن أوضح وجهة نظري في كل شيء قبل أن أموت. وأريد أن أنقلها بأسمى ما يمكن أن يكون عليه الصدق والإتقان.

 

4.    هل تؤمن بأن الإبداع يخرج من رحم المعاناة؟ وهل الحال كذلك معك؟

 

-       بلا أدنى شك أؤمن بذلك، وأعتقد بأنني لن أكون ما أنا عليه لولا معاناتي.

 

5.    ما هي دوافع إخراج وكتابة أفلامك؟

 

-       حياتي مليئة بمحطات لا أستطيع تجاوزها دون الوقوف عندها وتحويلها إلى فيلم. فهذا ما أحبه، وهذا ما أعتقد أنني أجيده.

بالإضافة لإيماني التام بأننا في الخليج، والكويت على وجه الخصوص، نملك العديد من القصص التي تستحق أن تروى، قصص لن تجدها إلا هنا، وهي بحاجة ماسة لفنان حقيقي ليلتفت إليها ويظهرها كما هي.

 

6.    ما هي الصعوبات والعقبات التي واجهتك؟

 

-       أنا في دولة لا يوجد فيها معهد معترف به لتدريس السينما، ولا شركة إنتاج واحدة تنتج أفلامًا فقط، كل شركات الإنتاج معنية بالدعايات والأغاني الوطنية. وهذا بحد ذاته عائق كبير جدًا.

أنا أموّل أفلامي وأسوّق لها بنفسي، ولو وجد مكان واحد فقط سيسهل ذلك العديد من الأشياء، مثل: إيجاد الممثلين المناسبين، إصدار تصاريح التصوير، التعامل مع الرقابة، ورش عمل، تمويل الأفلام، وكل هذه الأمور التي يحتاجها صانع الأفلام المستقلّ.

 

7.    هل سنرى عن قريب فيلمًا لك عن معاناة البدون، وإن كان الجواب نعم ماذا تريد أن تقدم؟

 

-       نعم، أعمل حاليًا على كتابة قصة فيلم لبدون مهاجر، وبدأت بالعنوان قبل القصة، رغم أنني لا أفعل ذلك عادةً، أسميت الفيلم "ديك رومي" وهي رمزية الهدف منها ليس الهروب من الرقابة فحسب، بل لها أيضًا معنى آخر سأشرحه وقت صدور الفيلم إن شاء الله.

 

8.    ماهي خططك المستقبلية في الإخراج؟

 

-       انتهيت من كتابة فيلمين قصيرين، سيكونان بإذن الله آخر فيلمين قصيرين أقوم بكتابتهما وإخراجهما، وسأنتقل بعدها لصناعة الأفلام الطويلة.

 

9.    الأعمال الفنية بمجملها تواجه رقابة صارمة في الكويت بغض النظر عن هوية صاحبها. كونك بدون هل تشعر أن الرقابة المفروضة على أعمالك أكثر صرامة من الرقابة على أعمال أقرانك من الكويتيين؟

 

-       أبدًا، كلنا نعاني مع ذات الجهل والغباء.

ولكن شيئًا واحدا يحزنني وكتبتها في تغريدة عبر تويتر قبل أيام، قلت "إذا فزت بمهرجان برا، كتبت الصحف (فوز الفيلم الكويتي)، وإذا شاركت بمهرجان الكويت السينمائي، قالو الي” :عفوًا أخوي، بس كويتيين يشاركون!

 

10.  قلت في أحد مقابلاتك إنك تحب صناعة السينما لذاتها ولا تؤمن بتقديم الرسائل عبرها. برأيك "إيصال صوت أحدهم أو تخليد ذكراه- كما في فيلم بيبن" ليس رسالة بحد ذاتها؟

 

-       لا أعتقد أن فيلم (ببن ب ك) رسالة بحد ذاته، هي حالة، قصة حقيقية، سعيت لأن أنقلها بكل أمانة. والمشاهد هو من يحدد إذا كانت رسالة أم لا.

الرسائل التي عنيتها، هي الرسائل المباشرة، هي أشبه بعملية تأكيل المُشاهد بمعلبات وقوالب جاهزة، أعتقد أن فيلم (ببن ب ك) سيكون كذلك لو أنني ذيلته بعبارة "لا تقسوا على العمالة الوافدة". ولكنني لم أقل ذلك.

 

11.  لو أردت تصوير المشهد الأكثر إيلامًا في حياة البدون في الكويت، ماذا تختار؟

 

-       صدّقي أو لا، سأختار مشهد الهجرة على الانتحار.

لأن الانتحار من وجهة نظري هو إنهاء لهذه المعاناة، وهو الخيار الأسوأ، رغم تعاطفي التام مع المنتحر.

ولكن التحدي الحقيقي، هو في البقاء، في المحاربة، في الوقوع والوقوف مجددًا.

 

12.  على غرار ما قاله مرزوق الغانم "أن تكون بدون في الكويت أفضل من أن تكون مواطنًا في أي دولة أخرى"، وإسقاطًا على ما مر به بيبين، برأيك هل أن تكون بدونًا في الكويت أفضل من أن تكون عاملًا آسيويًا- في الكويت أيضًا؟

 

-       أن تكون بدونًا في أي مكان في العالم هو أمر كارثي!

ووضع الآسيوي أفضل من البدون في الكويت، على الأقل الآسيوي يملك بطاقة صالحة، جواز سفر، سفارة يستطيع اللجوء إليها متى توجب الأمر، حسابًا في البنك يعلم أنه لا يمكن لأي أحد أن يغلقه، ما الذي يملكه البدون؟

 

13.  هل كونك بدون كان عائقًا أم تحديًا حفزك على أن تكون بهذا الإبداع؟

 

-       أعتقد أنه كان حافزًا في بداية الأمر، كنت مندفعًا جدًا وأملك قوة أستطيع أن اتجاوز بها كل حدود العالم.

ولكن مع مرور الوقت، وإيماني التام بأن قضية البدون لن تُحل قريبًا، وكل ما حولي يشي بذلك، أصبح عائقًا مؤخرًا.

 

14.   أهديت فيلمك الأول لوالدك "الذي لم يستهزئ بأسئلتك يومًا". هل سألته يومًا ما معنى بدون؟ وإن سألته ماذا كان جوابه؟

 

-       لم أسأله حقيقةً، ورغم أن والدي لم يستهزئ بأسئلتي يومًا، ولكن ربما سيستهزئ بهذا السؤال على وجه التحديد، لأن الجديّة لم تعد تنفع.

 

 

15.  غالبًا ما يُشار إلى المُبدعين من أصحاب القضايا الإنسانية بقضيتهم قبل إبداعهم، فيقولون مثلًا اللاجئ المبدع كذا، من خلال تجربتك في فوز فيلمك بجوائز عدة، هل باعتقادك كان لقضيتك يد في ذلك أم كان الفوز قائمًا على إبداع الفيلم المحض والقضية التي يعرضها؟

 

-       لا يوجد مهرجان واحد يعلم أنني بدون، أنا أقدم أفلامي ككويتي، رغم أنني أحتار في كل مرة ماذا أكتب أمام خانة الجنسية، ولكن ينتهي بي المطاف بكتابة "الكويت".

وإذا كان فيلمي أو أي من أفلامي المستقبلية سيفوز لأنني بدون، فأنا أرفض هذه الجائزة. العمل الفني ما أن يخرج، فهو لا علاقة له بصانعه.

 

16.   للبدون في الكويت العديد من القصص غير المروية وتنتظر الخروج إلى النور، هل مرّ بك شخص من البدون يومًا جعلك تحدث نفسك أن لا بد لقصته أن تُروى وتلقطها عدستي؟ ما قصته؟

 

-       البدون المهاجر "محمد اللهيميد" لا بد أن تُروى قصته، وأي بائع بطيخ، وأتمنى أن أكتب عنهم يومًا ما.

 

17.   زادت حالات انتحار البدون في الكويت مؤخرًا، كيف تُماهي تجربة بيبين تجربة البدون في الكويت؟

 

-       بدونًا كنت، أو آسيوسًا مغتربًا، المنتحر لا يختار أن ينهي حياته إلّا لأنه لم يستطع التحمل أكثر.

فأتمنى فقط من أصحاب القرار، أن يفهموا أننا كلنا غرباء في هذا العالم، كلنا والدنا آدم، وكلنا نستحق أن نعيش بسلام.

 

18.   يعرض فيلم بيبين ثلاث قضايا أساسية: العمالة والانتحار وانخفاض الأجور، كيف استطعت تخطي الرقابة مع كل هذه العوائق؟ ولو أضفت إليها قضية البدون هل كان سيولد فيلمك؟

 

-       لم أعرض الفيلم على الرقابة لأنني لم أكن أعلم أن الأفلام القصيرة تخضع للرقابة.

واستطعت الحصول على إصدار تصريح بالتصوير لأنني قلت للفندق أن الفيلم عن (يوميات موظف كويتي) ولم أسهب في التفاصيل، بهذا الشكل فقط تستطيع أن تصنع فيلم عن موضوع حساس مثل هذا في الكويت.

وإذا كان الفيلم عن البدون، ربما سيولد، ولا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعد ذلك.

 

19.  برأيك كم ساهم اختيارك لموسيقى الفيلم على تلقي المشاهدين للفيلم؟

 

-       لا أعلم، ولكن التكنيك الذي أتبعه في اختيار الموسيقى، خصوصًا في الأفلام الواقعية، هو وضعها في نهاية الفيلم فقط، مع ظهور أسماء طاقم العمل، لأنني أريد للمُشاهد أن يرى الحقيقة كما هي، ثم أتركه مع الموسيقى، ليتأمل ما رآه للتو.

 

20.  على الوتيرة التي تسير عليها صناعة السينما في الكويت، كيف ترى صناعة السينما في الكويت بعد 10 سنوات؟

 

-       لا يوجد صناعة سينما في الكويت، لا اليوم، ولا قبل خمسين عاماً، ولا بعد خمسين عامًا.

كل الأفلام الكويتية هي محاولات فردية بحتة. من فيلم "بس يا بحر" والذي يعتبر أنجح فيلم كويتي إلى اليوم.

 

 

21.  لم تخف من حكم المجتمع على محاولتك حث المشاهد على التعاطف مع بيبين رغم الآراء الدينية في مسألة الانتحار؟

 

-       لا يهمني المجتمع، تهمني الحقيقة، وقول الحقيقة.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد