dark_mode
  • الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
تيماء الهوى تنتظر الهاوية.. حينما ترسم الجغرافيا العاطفة ويصنع التاريخ العاصفة- جاسم محمد الشمري

تيماء الهوى تنتظر الهاوية.. حينما ترسم الجغرافيا العاطفة ويصنع التاريخ العاصفة- جاسم محمد الشمري


·       هل يصرخ أهلها: أكلنا يوم أكل عشيش التنظيم من قبل؟؟

·       "أما من تيماء أخرى تجبر عثرتنا" يقول أحد رفقتي.

·       الأسلمي يجود شعرا.. أشتاق تيماء تطغينا حلاوتها // مثل الطفولة والعمر الذي اغتربا.

قبل خمسة وأربعين عاما استلمت أولى الأسر بيوتها في منطقة تيماء. بيوت شعبية بنيت لإيواء قاطني العشيش بمدينة الجهراء في خطوة أرادت بها الحكومة حينها إنهاء اتخاذ البيوت الخشبية كسكن عشوائي لجأ إليه أهل البادية الذين استوطنوا حديثا في المدينة ولم تتوافر لهم الإمكانات لبناء بيوت طينية؛ ربما لأن السلطات حينها رفضت ذلك وربما لأن بناء بيوت الخشب أوفر بكثير من بناء بيوت الطين.

في الجهراء كانت بيوت العشيش في ستينيات القرن الماضي تمتد من موقع مستشفى الجهراء القديم صعودا إلى الغرب منها وفي العام 1974 بدأت الحكومة خطة لتنظيم هذه المساكن فنقلتها إلى موقع منطقة النسيم الحالية وفق مساحة محددة لكل مسكن ومنح قاطنيها هويات ملكية حمراء للعسكريين في الجيش والشرطة ومدنيي الوزارتين ومدنيي الوزارات الأخرى ثم منحت بطاقات زرقاء لأولئك الذين بنوا مساكن لهم على حدود المنطقة دون أن يكون لهم مساكن من قبل في المنطقة التي رحل منها سكانها.

كان العسكريون في وزارتي الداخلية والدفاع ومدنيوها هم الأوفر حظا في الحصول على بيوت في تيماء أو الصليبية أما مدنيو الوزارات الأخرى فلم يكن لهم ذات الحظوة إلا المعلمين في وزارة التربية وكانوا قلة قليلة حينها.

ما يقارب من عشرة آلاف أسرة انتقلت لسكنها الجديد ومع إطلالة ثمانينات القرن الماضي دفنت الكويت آخر عشة دون أن يسأل أحد عن مصير مئات الأسر التي لم يسعفها قدرها لتكون ضمن فئة البدون المحظوظين.

هؤلاء وإن كانوا أقل حظا إلا أنهم وبحكم الارتباط العائلي الوثيق في تلك المرحلة إما التحقوا بأخوة لهم في هذه البيوت الجديدة فتقاسموا المسكن المكون من 3 غرف معيشة وحمام واحد ومطبخ وديوانية وحوش داخلي تطل عليه غرف المعيشة وحوش خارجي للديوانية، وإما استأجروا مسكنا لهم بأجرة يسيرة لا تشكل عبئا كبيرا على العاملين منهم كما أنها لا تشكل عبئا أيضا على العسكريين ممن اختار أن يساعد إخوته في دفع كلفة الإيجار بدلا عنها ليتوسع هو في مسكنه ويظل الخيار الثاني الأقل نسبة إلى الخيار الأول طيلة فترة الثمانينات بحكم الترابط الأسري القوي حينها.

أستذكر ذلك وأنا استمع لشكوى أبو كريم وهو يقرأ في تويتر عن تسليم بلدية الكويت أرض تيماء إلى المؤسسة العامة للرعاية السكنية لتبدأ بها مشروعا إسكانيا لصالح المواطنين. يقول أبو كريم الذي وصل إلى عقده السابع وينتظر تسريحه من العسكرية التي عمل بها لأكثر من 40 عاما: يبدو أن قدر الارتحال مكتوب على جبين هؤلاء البدون؛ رغم أننا وأهلنا تركنا البداوة قبل أكثر من ستين عاما إلا أن شبحها لا يزال يطاردنا حتى اللحظة.

ويضيف: في الخمسينيات سكن أهلنا عشيرج ثم ارتحلوا إلى خيطان ثم إلى الجهراء مع بداية ستينيات القرن الماضي وفي الجهراء أقاموا عشيشهم قرب مزرعة الشيخ صباح الأحمد ثم رحلوا إلى ما يعرف حاليا النسيم وفي الارتحالين تشتت الصحب وتفرق الأحباب وفي الثالثة حشرنا حشرا في تيماء حتى ضاقت بنا الأرض على ما رحبت واليوم يبدو أننا سنعيش ملحمة التيه.

سألته: ما الذي تعنيه؟ فرد بأسى: آلاف الأسر كانت في عشيش التنظيم (وهو المصطلح الذي كان يطلقه الأهالي على عشيشهم بعد ترحيلهم إلى منطقة النسيم حاليا) وحينما وزعت علينا بيوت تيماء حرم منها المئات والآن يتحدثون عن بيوت تبنى في منطقة النعايم ولا نعرف هل سيقدر لنا أن نحصل على مسكن بها أم سيكون مصيرنا مصير تلك الأسر التي حرمت من بيوت تيماء وحينها سنقول أكلنا يوم أكل أهل التنظيم.

الأمر من الصعوبة حينما يلتفت إليك أبو فيصل وهو شيخ في الثمانين من عمره ليقول بأنه كان من ضمن من حصلوا على بيت في تيماء لكونه عسكريا في الجيش غير أنه وبعد تقاعده اضطر للرحيل منه.. سألته: متقاعد أنت؟ فرد: نعم؛ لكوني شاركت في الحروب العربية، إلا أن ميزة التقاعد لم تنفعني كثيرا حيث أدفع 80 % من راتبي التقاعدي إيجارا لمسكني. ويكشف لي أنه يستلم تقريبا 1000 دينار وأجرة البيت 850 دينارا.

أبو عبد الرحمن كان أكثر حظا إذا التحق بالعسكرية على خطى والده الذي تقاعد أيضا إلا أنه ظل في مسكنه ولم يخرج منه لأن أبا عبد الرحمن تزوج مواطنة ونقل ملكية البيت إليها.

وهنا يصحح لي بأن لا ملكية لهذه البيوت وإنما يسكنها أصحابها بصفة إيجار مخفض كان 20 دينار في الشهر ثم زاد إلى 50 دينارا.

ويقول أبو عبد الرحمن إنه ربما سيكون محظوظا في الحصول على مسكن في المنطقة البديلة للمساكن الشعبية في النعايم بحكم زواجه من مواطنة إلا أنه يضيف بأن كثيرين ممن يسكنون تيماء حاليا سيتركونها إلى غير مأوى إما لأنهم غير عسكريين أو لأنهم ليسوا بأزواج مواطنات وأن المنطقة الجديدة ستخصص حصرا للمواطنات في سوادها الأعظم.

سألت رفقتي: وما هو مصير آلاف الأسر التي تسكن تيماء حاليا؟

بحلق الجميع ببعضهم البعض دون أن يحضر جواب شاف لمشكاة ستؤرق مبكرا آلاف العقول المشتتة من التضييق المستمر عليهم ليضاف إلى ذلك رصيد البحث عن مأوى.

يقول أحد أصحابنا وهو مواطن في منتصف الخمسينات من عمره ويسكن تيماء وممن يعيش أزمة البدون لأنه خبر معاناتهم من رفقة امتدت لأكثر من خمسين عاما بأن الدولة التي أناخت رحل هؤلاء البدو ومنهم أهلي، وعشمتهم بالاستقرار ملزمة بأن توفر لهم المسكن اللائق. يضيف: على الأقل تيماء أخرى مثل التي نحب على أطراف صحرائنا التي ألهب قيظها أقدام أجدادنا.  

وهنا كان لزاما أن أوجه صوب شاعر جادت قريحته بأبيات يستذكر بها تيماء التي عاش صباه فيها قبل أن يستأجر مسكنا له خارجها بعدما كون أسرته الخاصة.

الشاعر عبد الناصر الأسلمي قال إن عنوان قصيدته: أين تيماء القديمة؟

وفيها يقول:

أشتاق ذاك الصبا المجنون يركض في//

                          شوارع الطهر لا كلاًّ ولا تَعِبا

أشتاق تلك الحواري في تفرعها//

                         وفي تعرجها حلو الزمان خبا

أشتاق تيماء تطغينا حلاوتها//

                    مثل الطفولة، والعمر الذي اغتربا

أشتاق ساحتها الكبرى التي عصفت//

                بها الظروف (وَنورُ الساحة احتجبا)

أشتاق فرحتها الأولى إذا امتزجت//

                  بالباكيات وذاك العهد قد غربا

أشتاق (بسطات بيّاعاتها) افترشت//

                خَلْف البيوت بلا وعدٍ ولا رُقَبا

أشتاق ضحكة أترابي وبهجتهم//

               قبل التفرق في الأقطار ذات صبا

أشتاق لحظة إعلان النتائج في//

                  (أبي هريرة)، من عدّى ومن رسبا

ذكرى وتجرحنا الذكرى وقد أفلَتْ//

                  كيف اللحاق بها والعمر قد هربا

أصواتنا تبهج الدنيا بـ ضجّتها//

                 تبدد الحزن، تقصي الهمّ والسببا

شابت عوارضنا من قبل موعدها//

            حتى استحيت أداري الشيب مختضبا

أعدُّها، شيبة، أخرى، وثالثة//

              فـ أُسْبِلُ الدمعَ والأحزانَ والتعبا


تيماء التي نهوى.. مدينة تنتظر الأفول ومع أفولها يعلو بحر حزن على ضفتيه تسكن ذكريات وآلام وأحلام.. عباءات من رمل استوطن المحاجر وأبى أن يكون موطئ قدم.   

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد