dark_mode
  • الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
‏ممَّ يخشى البدون؟ - راشد خلف

‏ممَّ يخشى البدون؟ - راشد خلف

‏يظهر البدون بشكل يومي شجاعة منقطعة النظير وهو يواجه سيلًا عارمًا من الصعوبات يجرف كل ما يبنيه من أحلام وطموحات وآمال لمستقبل أفضل. 
‏وتتجلى تلك الشجاعة في مشاهد عدة، أعلاها ذاك الجندي الذي دفع حياته ثمنًا للأرض الوطن، وليس أقلها هذا الطفل الذي يجلس على الرصيف ليبيع "البطيخ" من أجل إعالة أسرته.
‏لكن الجانب الآخر من حياته  يحتوي على خوفٍ هائل، هذا الخوف لا علاقة له بـ "الجُبن" الذي هو ضد الشجاعة، بل هو خوفٌ مرتبط عادة بالآخرين، بحياتهم، بمستقبلهم، بل حتى بموتهم.
‏يخشى البدون في حياته أمور عدة، بل إنه يخاف أحيانًا حتى من استمرار الحياة، حياته مليئة بالخوف والقلق وقلة الاطمئنان وهجرة السكينة من صرخة الولادة إلى إغفاءته الأخيرة.
‏فالطفل البدون يكون مصدر قلقٍ لوالديه حتى قبل ولادته، فتجد الكثير من الشباب يُضرب عن الزواج ولا يفكر في إنجاب المزيد من البدون كي لا تتكرر المأساة التي يعيش فصولها بشكل يومي. 
‏ومخاوف البدون تكبر معه وتتغذى على أحلامه وآماله ومستقبله، علاقتها طردية مع السعادة التي قد يعيشها أبناء الفئة لو ابتسم لهم الزمان يومًا.
‏عند الولادة يحمل البدون الأب همَّ استخراج شهادة ميلاد لمولوده الجديد، وبعد بضعة أعوام يكون الخوف الكبير من رفض دخوله المدرسة، أو إجباره على التسجيل في مدارس خاصة ترهق ميزانية الأسرة، هذا إذا كانت الأسرة تملك في الأصل ميزانية.
‏يخشى البدون على طفله من العنصرية والتمييز ويحاول جاهدًا أن يمهد لهذا "الغر" فكرة أنه لا يحمل جنسية هذا البلد الذي لا يعرف وآباؤه سواه وطنًا.
‏ويتضاعف الخوف في فترة المراهقة التي تحمل معها تساؤلاتٍ كثيرة وتقلبات في شخصية الابن، وتكون الأسرة مجبرة على إيجاد الأجوبة المناسبة، وإبعاد هذا المراهق عن طرق الضياع المنتشرة بكثرة في هذا الزمان، وأولها فكرة الانتحار التي باتت ظاهرة في المجتمع البدوني، وهمًا إضافيًا على أرباب الأسر.
‏تتفقد الأم البدون أبناءها بشكل يومي، تتجرع المر لتلبية طلباتهم، تخشى أن تفقد أحدهم من أجل "لعبة" أو "سيارة" أو حتى "رغبة في الخروج مع أصدقائه".
‏يستمر خوف البدون مع وصوله إلى المراحل النهائية من الدراسة، وهنا تزداد الحسرة ويتضاعف الألم، عندما يحصل على نسبة عالية ولا يستطيع إكمال تعليمه، وقلة قليلة من يبتسم لها الحظ وتدخل الجامعة، أو تحصل على فرصة لمواصلة طلب العلم بالسفر إلى الخارج أو في إحدى الجامعات الخاصة، وفي كلا الأمرين سيكون على ولي الأمر توفير مبالغ "محترمة" من أجل إكمال الدراسة.
‏ولا يتوقف خوف البدون حتى بعد تخرجه، فهنا تبدأ رحلة العذاب في البحث عن وظيفة مناسبة تناسب شهادته، وغالبًا لا يجد ذلك التوافق بين الشهادة والوظيفة.
‏ويكاد يكون الأمر طبيعيًا، أن تجد خريّج طب وظيفته مندوب تخليص معاملات، أو حاصلة على امتياز مع مرتبة الشرف تعمل في حضانة أطفال، أما الرواتب فحدث ولا حرج!
‏يشيخ البدون وخوفه لا يزال في عز شبابه، الأمور التي تشغل بال من هم في سنه لا تمر عليه إطلاقًا، لا يخطط لعمل تجاري، ولا يفكر في رحلة يجوب بها العالم، ولا يمر في باله التفكير بكتابة مذكراته مع أنها فكرة جديرة بالاحترام ومضمونة النجاح.
‏الفصل الأخير من خوف البدون، هو خشيته من أن يموت ولا يُسمح له بالدفن، ووقتها لا يستطيع أن يعبر عن خوفه ولا حتى إظهار شجاعته.

بلاتفورم على وسائل التواصل الاجتماعي

اشترك معنا

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك أعدادنا أولًا بأول

كاريكاتير

news image
news image
news image
news image
news image
news image
عرض المزيد